لا أعتقد أننا سنختلف كثيرا علي أهمية قضية إضراب عمال الشركة الوطنية للصناعة المناجم (اسنيم ) ، وزيارة الرئيس الموريتاني للولايات الشرقية ، وتصنيفهما كحدثين كبيرين يمكن بواسطتهما تقويم أداء المؤسسات الإعلامية والوقوف علي مدي تأثيرها ومصداقيتها في نقل الأخبار،
ودورها في ترسيخ الثقافة الديمقراطية ، أو تنفيذ الأجندة الخاصة لأجهزة السلطة ،خاصة بعد أن أصبحت تتلقي الدعم الحكومي، وجري تصنف البلاد الأولي عربيا في مجال حرية الإعلام. ولكن كيف تعاطت وسائل الإعلام المحلية مع هذين الحدثين؟ وهل تهتم الهابا بتقويم الأداء الإعلامي ؟ وماهي معايير التقويم ؟
لقد حدثت في السنوات الأخيرة طفرة كبيرة في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ، المرخصة من الدولة وجاء ذلك بشكل استعجالي وعفوي خاصة في مجال التلفزيونات والإذاعات . ولا نكد نلحظ معيارية واضحة في منح الرخص،وقد ظهرت بشكل مفاجئ مؤسسات إعلامية لم نسمع عنها من قبل، وتطورت سريعا مؤسسات ناشئة ومحدودة الإمكانيات .وقد كان الجميع يعتقد أن هذه الخطوة الجريئة ستكلف النظام متابعة دقيقة ،وشاملة ،ونقد بناء ،وتنمية مستمرة للوعي الديمقراطي، وحرب لا هوادة فيها ضد الجهل، والتخلق، ومشتقاته:(القبلية ،والجهوية والعنصرية ، وماشابه.)....لكن هل حدث شيء من ذلك؟
لسنا في وارد إنجاز دراسة شاملة حول أداء المؤسسات الإعلامية ؛فتلك مهمة كبيرة تتطلب قدرات ووسائل لاتتوفر إلا لمؤسسة بحثية أو أكاديمية ، ولعل من المناسب أن تطلع الهابا بانجاز مثل تلك الدراسات وتنشرها للرأي العام وهو ما لاتقوم به بالفعل، لكنها عوضا عن ذلك تلاحق تلك المؤسسات في مجالات أقل أهمية -سنتطرق لها لاحقا - .ولكن من المفيد تصنيف وسائل الإعلام القائمة من خلال تعاطيها مع قضيتين بارزين لا تزال أحداثهما جارية .
1- قضية إضراب عمال اسنيم :
انتهجت وسائل الإعلام المحلية في تغطيتها لهذا الإضراب عدة أساليب من أبرزها:
- التجاهل الكامل لفترة طويلة -أكثر من شهر- ثم الانحياز الظاهر لطرف الإدارة وتقديم الفقرات الدعائية لموقفها(وسائل الإعلام العمومية وقنوات فضائية خاصة ك:دافا ،وشنقيط،ومجموعة كبيرة من المواقع الإلكترونية، والصحف الورقية.)
- التعاطي الباهت أو التقليل من الأهمية الخاصة بالحدث والتجاهل أحيانا ثم إظهار الحياد الكامل في نقل أخبار الإضراب وتقديم رأي كل طرف بالتساوي:( أغلب الإذاعات الحرة وقنوات الساحل والوطنية وعدد كبير من المواقع والصحف الورقية ) .
- المواكبة الجادة منذ انطلاقة الإضراب والحياد الإيجابي من خلال إعطاء فرصة كافية للطرف الأضعف ،والأقل إمكانيات لكي يوصل موقفه للرأي العام الوطني:(قناة المرابطون الحرة ، وقليل جدا من المواقع الإلكترونية الجادة. )
2- الزيارة الحالية للرئيس الموريتاني
يمكن أن نلاحظ بالإضافة إلي اختلافات واضحة في نهج التصنيف السابق للأداء، ومع فارق المواكبة السريعة للحدث، والتفاوت في إمكانيات النقل .أن قناة شنقيط تجاوزت كل قنوات النظام ؛في أسلوب الدعاية والترويج. وأعادتنا هذه القناة "الحرة"إلي عهد المبادرات، والمجموعات القبلية ،والولاء المطلق، والتنافس السلبي في التقرب للنظام ،والتشدق بكل ما يتنافي مع قيم الوعي المدني، والديمقراطية الحديثة .وقريبا منها سلكت دافا والموريتانية ذات الاتجاه غير المهني.
لقد ذكرتنا هذه القناة بالفشل المؤسسي الذي رافق نشأة الإعلام الحر والأهداف الحقيقية من وراء إصدار التراخيص لجهات إعلامية لم تكن معروفة من قبل .. لكن القنوات الأخرى(المرابطون، الساحل والوطنية ) كانت أكثر موضوعية ،ومهنية .واستطاعت أن تحافظ علي خط سير أكثر مصداقية ،وأقرب إلي طبيعة الإعلام الحر ؛في تعاطيها مع هذه الزيارة ..
ربما لا تقوم هذه القنوات ومعها بعض الإذاعات الحرة، والمواقع الإلكترونية الجادة، بكل مايتوجب القيام به من: مواكبة ونقل موضوعي للصورة الكاملة للأحداث ، بسبب ضعف الوسائل ،ونقص الإمكانات .ولكنها علي الأقل أكثر حيادية، وأقل اندفاعا في نهج التضليل الإعلامي الذي توفره الزيارة .ومع ذلك كان يمكن لآية وسيلة إعلام وطنية جادة أن تتولي الكشف عن معاناة المواطنين الحقيقية، وما جلبته الزيارة من تعطل للمرافق العمومية ،وإهدار للمال العام ،وانتشار فاضح لمظاهر الفساد .بالإضافة إلي الطبيعة العشوائية للزيارة ،والظروف المأساوية للبنية التحتية والقطاعات الحيوية كالصحة والتعليم ..
إن دور الهابا يكون أساسيا عندما تعتني بالمحتوي الإعلامي وتشجع أو تعاقب انطلاقا من الأهداف الحقيقية للإعلام الحر.ولكنها تفعل غير ذلك؛ حين ترخص مؤسسات إعلامية تتلقي الدعم من أموال الشعب ،لأشخاص لاينتمون بأية صفة للقطاع : معرفة،أو ممارسة ،في حين تهمش قامات إعلامية كبيرة ،ولا تعطي وزنا لأفراد ومؤسسات عملت وتعمل من أجل المصداقية في الخبر، والمهنية في الأداء، والموضوعية في الأحكام، والانحياز الضروري للمظلومين، والمضطهدين ،والضعفاء، وأصحاب المظالم من الشعب كله ..