التأثير على الخط التحريري للقنوات برقابة مبالغ فيها من خلال إهاجة الرقابة الذاتية من داخل المؤسسات الإعلامية هو أمر سيئ جدا وخصوصا في ظروف الإعلام الموريتاني السيئة أصلا.
سياسة تدجين الإعلام الخصوصي نجحت بشكل كبير نتيجة قبول
الرأي العام بالسقف الواطئ للحريات المنتقصة من أطرافها وهو ما جعل هذه المؤسسات تفتقر في الكثير من الأحيان للجدية والشجاعة في نقل الخبر نظرا لسيف الرقابة المصلت وجو الاستتباع الممارس عليها.
لئن كانت موريتانيا تعرف انفتاحا ديمقراطيا وحريات إعلامية نسبية تم تفصيلها بالمقاس وبشكل متحكم في مقاديره وجرعاته إلا أن السلطات الحكومية والهيئات الملحقة بها لا تفتأ تمارس توجيها وضغطا على المؤسسات الإعلامية الناشئة خصوصا في أوقات الأزمات.. لتخويفها والحد من جرأتها في نقل الخبر وتغطية الأحداث.
لنلاحظ الآن حجم التردي الأخلاقي المنافي للوحدة الوطنية والمنافي للقوانين حينما تتحول بعض القنوات المدجنة أو الداجنة أصلا لأداة لترسيخ القيم القبلية الإنقاسمية وتشعل نار الفتنة بين القبائل في الولايات .. ولكن هذا النمط من الإعلام هو ذوق السلطة .. لأن إعلام السلطة الرسمي الخاص بها هو من يؤسس هذا النموذج من المسارعة في تمجيد الحاكم وتأليهه وكل سلوك مهما كان فجا ومخالفا للقانون والذوق العام فإنه يغتفر للأقوام المستغفلين والمسخرين لتمجيد الحاكم فكل سلوك غير أخلاقي بذل في تمجيد "الذات السلطوية" فهو حلال للقائم به.. فأحوال القوم هذه مغتفرة ..
حرام على بلابله الدوح *** حلال للطير من كل جنس
أما المؤسسات التي تنقل الصورة مكتملة فهي نموذج للرؤية الصحيحة ويجب أن يوضع لها حد لأنه نموذج غير مرغوب .. فالنموذج الحكومي للإعلام هو نموذج الدجال ينظر بعين واحدة .. وعينه الأخرى طافية .. لا تبصر .. فكثيرا ما كان الدجل منهجا حكوميا منذ القدم ولا يزال.
وانطلاقا من رصدٍ ومتابعة لدور السلطات الموريتانية في مجال الحريات الإعلامية فإن ثمة حرية نسبية جدا نظرا للسياسة التي اتبعتها الحكومة في تمييع الحقل الإعلامي وإغراقه بمئات الصحف والمواقع وحتى القنوات التلفزيونية التي أنشاها رجال أعمال من شركاء النظام ومقربيه محاولين ملأ المساحة المخصصة للحرية المنتقصة بوجود هذه الصيغة التي يصاحبها دور سلبي للسلطات الرقابية وعندما تفشل الحكومة في إيجاد حل لمشكلات البلاد فإن كبش الفداء دائما هو المؤسسات الصحفية الناقلة للخبر والتي يتم تحميلها مسئولية الأزمات عبر تهم معلبة جاهزة تطلقها الأدوات الرقابية للسلطة.
إن عملية تحرير الفضاء السمعي البصري ظلت دائما تتم على مراحل وبشكل متحكم فيه وموجه يؤسس لمغالطة الرأي العام ويخادع الجماهير والنخب ويشوه المهنة الصحفية النبيلة بمنح التراخيص للدخلاء على المهنة الساعين للغو في المنهج التحريري على طريقة "لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون" فهكذا يقاوم أعداء التجديد والتنمية والحرية التحرير الحقيقي للإعلام فهم بمنهجهم الانقلابي يستأصلون وظائف الإعلام لصالح هجين من الصفاقة والتزييف والمغالطة لأن الإعلام الحر لا يمكن أن يتعايش مع الحكم الفردي التسلطي الاستبدادي وهو في حالتنا يؤسس مرحليا في الإعلام الخصوصي لنفس مستوى سقف الحريات الذي عرفته البلاد منتصف التسعينيات من القرن العرشين.
كان الأولى وما يزال.. أن يفتح المجال وسيعا للحريات الإعلامية سواء كانت إذاعية وتلفزيونية حتى تتزاحم كل الإرادات وتعترك الآراء ليخرج الصواب وتنضج الحقائق وهو ما سيسمح في النهاية ببروز تكتلات وشركات قادرة على الاستمرار في ممارسة وظائف الإعلام المختلفة..ولكن إرادة السلطة وفلسفتها اتجهت للتحكم وتطوير سلطة ونموذج للتوجيه يصادر الحرية برفق ويبقي على المغالطة والتزييف والتيه الإعلامي الذي يتحول مع الزمن إلى ركام متجاوز وبذلك تتفادى السلطة .. تأثير الإعلام وسلطته الرقابية الكامنة في الكشف والنقل وتأسيس وعي الشعوب بحقوقها وهويتها ووجودها وكينونتها النفسية أو لنقل اكتشافها لذاتها ووعيها بحقوقها المهضومة.. و هو ما كان وسيظل في نظر المستبد مرفوضا ذلك طبع المستبد وسننه الاجتماعي المستمر في الأبد. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.