الطينطان والمواعيد العُرْقُوبِيَّة / سعدنا ولد أحمد غالي

قد يكون من العادي أن يقوم رئيس دولة بزيارة ولاية أو مقاطعة من المقاطعات القابعة تحت سلطانه ، باعتبار أنه المسؤول أولا وأخيرا عن الحيز الجغرافي لعموم التراب الوطني لبلاده ، لا سيما إذا كانت تلك الزيارة حسب الطبول الإعلامية المصاحبة تسعى إلى أن تُرِيَ المَزُورين طريق العيش في المدن

 الفاضلة التي يحسن فخامته الحديث عنها اتكاء على خياله المعطاء بعيدا عن واقعهم المعيشي الأليم..
بيد أن هذه المقدمات تبدو عُرْضة لأداتي التعجب والاستفهام عندما يتعلق الأمر بزيارة صاحبنا لمدن وطننا الحبيب بصفة عامة ولمدينة الطينطان بصفة خاصة ...
فبأي وجه سيقف "فخامته" أمام جماهير الطينطان التي وَعَدَها قبل ما يقارب ست سنوات  بحَلْحَة مشاكلها وعلاج مأساتها التي بدأت بالفيضانات الطبيعية قبل أن يُجهز عليها الفساد المالي الذي اعترض سماء الطينطان ليُوَجه أمطارَ المساعدات الدولية وجهتها السليمة (حسب العايير المتعارف عليها عند سَدَنَةِ الشأن العام في موريتانيا ) ..
فبعد أكثر من خمس سنوات على زيارة الوعود الأولى يزور الرئيس الطينطان اليوم ولا تزال الإنجازات المنتظرَة  تراوح مكانها وعودا على شفاه خطباء المدن الفاضلة ...
فبدلا من الإنجاز الذي يُسعد المواطنين أصبح  قرابة ثلثي ساكنة المقاطعة يئنون تحت وطأة الظمإ والظلام الدامس الذَيْن صارا جزءا من حياتهم اليومية ، مما جعل واقعهم في وطنهم أشبه بحياة لاجئين يبحثون عن ضروريات العيش بعيدا عن الديار.....
بأي وجه سيقف الرئيس أمام طلاب الطينطان الذين شابت رؤوسهم في سن الطفولة وهم ينتظرون وعودا تَوَسَّمُوا فيها بصيصَ أمل يمكن أن ينقذهم من الكارثة التعليمية التي أصبحت تهدد مستقبلهم في الصميم، حيث تحول التعليم في المقاطعة من مصدر إلهام تنمو فيه الطاقات والقدرات إلى مقبرة يُسدَل فيها الستار على المواهب النافعة والقلوب النابضة... ؟
يزور الرئيس الطينطان ولا تزال أعمدة الغبار الناشئ عن غياب الطرق المعبدة تملأ آفاق المدينة، لتصبح النظرةُ الغُباريةُ وسيلةَ الساكنة الوحيدة لمعايشة الحاضر واسشراف المستقبل فضلا عن أضراره الصحية القاتلة....
ليس غريبا أن يُنشئ الرئيس مهبطا  لطائرة توصله إلى المدينة المنكوبة ، لأن الطريق الوحيد الذي يربطها بالعاصمة متعطل منذ ما قبل الانقلاب على وجه لا يستطيع الصبرَ عليه إلا من لم يجد سوى الصبر سبيلا..
قد لا يجد الوفد الرئاسي نفسَه أثناء الزيارة مُحرَجا أمام ساكنة الطينطان، لأن حصول الحرج يعكس مستوى من الإحساس بالمسؤولية، وهو أمرٌ عَوَّدَتْنا الأنظمة العسكرية المتعاقبة ، والتي تُعتبر مصدرَ الإلهام الأول للوفد الزائر على خلو ضمائرها منه ...
رغم هذا كله فإن "الرئيس المؤتمن"  سيزور الطينطان وسيجد من القائمين على الشأن في المقاطعة مَن يُطمئن على واقعها ، بل إنه سيسمع من بعض أبنائنا مَدْحا وثناء على طريقة المتنبي حين أدماه سيفُ الدولة بالدواة فَثَغَرَ فاه ليُحل الثناءَ محل التعبير عن الانزعاج قائلا : "...فَمَا لِجُرْحٍ إِذا أَرْضَاكُمُ ألَمٌ"،
والسؤال الذي يفرض نفسه بعد ما ذكر : ألم يأن لسكان الطينطان أن تأخذهم على مدينهم المَخْذُولةِ همهمةُ القلب حين يرى برعما يذوي ليرفعوا أصواتهم عاليا في وجه الزائرين الطوافين، مُعلنين رفضهم للمواعيد العرقوبية، أم إن عَينَ الرضى المصنوعةَ من قبل الأنظمة الظلامية لا تزال تُعمي العينَ الواعية المدركة لعواقب     الأمور .؟    

22. مارس 2015 - 12:16

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا