إعلامنا الحر ، والواقع المر / محمذن فال ولد محمد يحظيه

 يعتبر الإعلام أداة مهمة في نشر الوعي ، وتثقيف المواطنين ، وكشف الحقائق للرأي العام ، وتسليط الضوء على النقاط المعتمة من تسيير الشأن العام ، وتمييز الفاسد من الصالح ، هذه المهمة الجليلة للإعلام جعلته مثار اهتمام أصحاب المشاريع الكبرى ، وميدان تنافس بين مشاريع شتى ،

وصار إصلاحه محل مطالبات عديدة ، وتحريره موضع اهتمام ، وحين أعلنت السلطات عن قانون الصحافة وقانون تحرير الفضاء السمعي البصري تباشر أنصار حرية التعبير ودعاة الحرية؛ غير أن هذه الفرحة شابها كثير من المنغصات تمثلت في تمييع الحقل الإعلامي وطمره بعشرات المواقع والصحف والقنوات والإذاعات جعلت المطالبين بفتحه يندمون على اليوم الذي رفعوا فيه مطالب حرية التعبير وتحرير الفضاء الإعلامي ؛ ولكي لا نغرق في التنظير نأخذ حدثين  نقيس بهما  اسنجام الإعلام الحر مع مقضيات حريته واستقلاليته ، ولنختر حدثين طغيا على الساحة في الآونة الأخيرة : هما إضراب اسنيم ، وزيارة الرئيس للشرق الموريتاني
1-  الاعلام الحر وإضراب اسنيم :
   لايختلف اثنان أن إضراب اسنيم حدث وطني بامتياز ؛ لارتباطه بالشركة الأولى وطنيا من حيث التشغيل والتمويل ، ؛ ولأن المتضررين بها ليسوا أبناء ازويرات وحدهم بل جميع أبناء الوطن من المتضررين من الإضراب وآثاره ، هذا الحدث الوطني الهام لم يحظ بالتغطية اللازمة ابتداء ؛ حيث تم تجاهله من أغلب وسائل " الإعلام الحر" باستثناءات معروفة ومحدودة " رابطت " في ساحة الاستقلال تنقل " الأخبار" إلى الرأي العام و" وتسرج " سراجا يضيء عتمات أريد لها أن تطبق على الإضراب ، وتكسر طوقا تم إطباقه على المضربين ، ظل هذا الوضع قائما فترة غير قليلة من زمن الإضراب ، ولما فشلت سياسية التعتيم على الإضراب في كسر إرادة العمال المضربين وتعالت أصوات المدونين والكتاب منددة بهذا التجاهل المتعمد كان لزاما أن تتدخل وسائل إعلام " حرة ومستقلة " رفقة القنوات الرسمية لنقل وقائع الإضراب ؛ غير أن نقلها كان أقرب إلى وجهة نظر السلطة منه إلى الحقيقة الماثلة أمام العيان ...
لقد شكل هذا التعاطي المائل غير المهني مع هذا الإضراب دليلا دامغا أن هذا الإعلام الذي يدعي الاستقلالية والمهنية والحياد لا يتمتع بالحد الأدنى من هذه المهنية المطلوبة في إعلام يراد له أن يكون مرآة الوقع التي تنقله بدون رتوش ولا تزييف ولا تحريف ، وأنه إعلام لا يحقق مهمة الإعلام الأولى في صناعة الرأي الوطني السليم ، ونشر الوعي اللازم حول الأسئلة الكبرى لوطن الحرية ، والمساواة ، والعدالة ، إعلام يراد له أن يكون أداة لترسيخ الوحدة الوطنية لا معول هدم يفرق أكثر مما يجمع ، ويهدم أكثر مما يبني ...
كان هذا التعاطي بمثابة آخر مسمار دق في نعش هذا الإعلام الذي كان يراد له أن يكون أداة التغيير والتنوير الأولى ؛ فصار أداة التضليل والتزوير والتزييف وهو ما سينعكس سلبا على واقع الحريات وتشكيل رأي واع بقيمة دولة المواطنة المنشودة ..
2- الاعلام الحر وزيارة الشرق :
تمثل زيارة الرئيس للشرق الموريتاني حدثا مهما هي الأخرى مهما اختلفنا مع النظام  لسببين اثنين :
- توقيتها؛ حيث جاءت في ظل حديث متزايد عن قرب انطلاق حوار يراد له أن كون حلا لما تعانيه الدولة من أزمات ، حدوث الزيارة في هذا التوقيت يجعلها محط أنظار الجميع ترقبا لما قد يصدر فيها من رأس السلطة حول الحور المرتقب والأزمات المتلاحقة .
- أهدافها ؛ حيث إن الأهداف المعلنة من هذه الزيارة لا تستحق في نظر كثيرين الفترة الزمنية المعلنة للزيارة ، ولا التكاليف المادية التي تنفق فيها ، وهو ما يجعل الرأي العام ينتظر الهدف غير المعلن لهذه الزيارة والتي يرى كثيرون أنه محاولة تهيئة الرأي العام لتغيير الدستور من خلال استفتاء يتيح لرأس السلطة البقاء فيها بصورة أو بأخرى ؛ غير أن الذي يهمني هو تعامل الإعلام الحر معها مقارنة بمعاملته مع إضراب عمال اسنيم
لقد كان تعاطي الإعلام الحر مع زيارة الشرق مختلفا كل الاختلاف عن تعاطيه مع إضراب عمال اسنيم من نواحي عديدة أبرزها من وجهة نظري:
- الاهتمام المبكر :
ما إن تأكد موعد الزيارة ووقتها حتى بدأت جحافل الصحافة تزحف بخيلها ورجلها إلى الحوضين معلنة على الملأ دخول موسم الهجرة إلى الشرق لتعلن بهذا الاهتمام المبكر أولى الفوارق بين تغطيتها لإضراب عمال اسنيم وبين رحلة الشرق ؛ هذا الاهتمام المبكر شكل صورة للمتابع عن الدوافع التي تجعل الإعلام الحر يهتم بحدث ما اهتماما مبكرا، من بين هذه الدوافع السعي إلى نيل رضى السلطة ؛ حيث يعتبر في نظرها تغطية إضراب عمال اسنيم مدعاة لغضبها ؛ وهو ما أكدته السلطة من خلال استدعائها لإدارة قناة المرابطون احتاجا عىلى تغطيتها لإضراب عمال اسنيم ، وكان الأولى بالهابا أن تسدعي القنوات الأخرى التي لا تلتزم بالأدنى من احترام دفتر الضوابط التي وقعت عليه ...


- التركيز المستفز :
شكل التركير المبالغ فيه من طرف بعض وسائل الإعلام الحرة استفزازا لكل متابعي الشأن الوطني ؛ حيث تجاوزت في تركيزها على هذه الزيارة في بعض الأحيان "قناة الموريتانية" ؛ هذا التركيز شكل هو الآخر فرقا بين تغطية هذه الوسائل لإضراب عمال اسنيم وزيارة الشرق ؛ مما حدا بكثيرين في التشكيك في استقلالية هذه الوسائل ، بل واتهامها أحيانا بكونها نسخا احتياطية من وسائل الإعلام الرسمي الفارق الوحيد بينها هو طرق الاستعمال ؛ وأشخاص الإدارة ؛ وإلا فلافرق بين إعلام يطبل باسم السلطة وإعلام يطبل باسم المهنية ولاستقلالية  ؛ النتيجة في النهاية واحدة ؛ وهي تغييب الحقيقة عن المشاهد والمتابع ؛ وهي جريمة في حق المهنة وحق المشاهد والقارئ ..
- المضمون المقزز :
لم تكتف وسائل إعلامنا الحرة  بالمنافسة الشرسة على تغييب المهنية في التعاطي مع الأحداث الوطنية بما تستحقه من حياد ونقل للأخبار بالسرعة والدقة اللازمين بل تجاوزت الأمر إلى بثها لمضمون مقزز في أغلبه بعيدا عن الخبر الإعلامي وضوابطه؛ حيث تكاد حين تتابعها تصاب بالغثيان من عناونين ومشاهد تمجد القبيلة والجهة والفرد ؛ وشعار هذه الوسائل من يدفع أكثر نركز عليه أكثر ؛ ومن لم يدفع نبتزه من خلال عناوين من قبيل : فلان لم يكن دوره في الزيارة بالمستوى المطلوب ؛ أو أنباء عن إقالة فلان وعلان ؛ أو من نتائج الزيارة تجريد فلان أوعلان من منصبه ...
هذا المضمون المسقزز لم يستفز الهابا ولم يثرها لتستدعي إدارات هذه المؤسسات للاحتجاج على تغطيتها وعدم مهنيتها ؛ مما أفقد الهابا المصداقية في التعاطي مع وسائل الإعلام وهي التي طالما أرعدت وأزبدت وهددت كل من لم يلتزم بدفتر الضوابط ...
  هذه حال إعلامنا الحر ،  وهذا وقعه المر ، فمتى يتنادى أصحاب الإعلام الحر لتنقيته من أدعياء المهنة ؟ ومتى تكون السلطة جادة في مهننة الإعلام الحر ؟ ومتى تقوم الهابا بدورها كسلطة رقابة حقيقية لا أداة ترغيب وترهيب بيد السلطة ؟
 

24. مارس 2015 - 16:47

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا