غانة الشرق يلاحقها إهمال من الغرب / التراد ولد الإ مام

في قديم الزمان كانت هناك مملكة: (غانة) أو قناة كما يسميها المحليون ووردت عدة أسماء لها في كتب التاريخ واحتفظت بها الجغرافيا وتنكر له الحاضرون.
وهي الآن مملكة للرمال والنسيان والإهمال كادت معالمها تنمحي

 تنوسيت أو تناساها الكثيرون إلا قلة من السكان والسبب أنها كانت طريقهم في رحلة الشتاء والصيف في طلبهم للماء والكلأ، يمرون بها لا يعيرون لها اهتماما كونها معلما تاريخيا وإنما كونها محطة من محطاتهم كباقي البقاع والمرابع.
ظلت تلك المملكة تحبس أنفاسها تحت كومات الرمال وظل هؤلاء السكان "الرحل" في انتجاع دائم إلى عهد قريب وبالتحديد في السبعينيات من القرن العشرين.
بين النقيضين: الحل والترحال، وبين الرديفين: الكمون وحبس الأنفاس جاء عالم الآثار الفرنسي ليقلقي عصا الترحال لهؤلاء ويقطع الشك باليقين مؤكدا أن تحت تلك التلال والروابي يقبع مسجدا ودورا ، بل أحياء بكاملها لكن عملية الحفر تتطلب عمالة مما دفع بالرحل إلى التقري آملين أن تدر عليهم تلك الكشوفات والحفريات بالخير الكثير إلا أن تلك العملية لن تكلل بالنجاح بسبب حرب الشمال" حرب الصحراء" مما اضطر بالفرنسي العودة إلى وطنه، فوجد هؤلاء السكان (الجدد) أنفسهم جيرنا لجارتهم الجريحة.
تتولى سنوات الجفاف فتجبر آخرهم على اللحاق بأولهم فيتموضعون على طول الشريط الرملي الأول فالأول إلى أن تكتمل الصورة لتبدأ المحنة والمعاناة.
سمح تقريهم وانتظامهم إلى أن تكون قريتهم عاصمة لبلدية " كمبي صالح" فيما بعد إلا أن ذلك لم يخلصهم من فك كماشتي العزلة والإهمال وراحوا ضحية التجاذبات السياسية والتقلبات المناخية الحادة.
العطش الشديد ونضوب الآبار وملوحتها وشح مياهها دفع بهم إلى النزول نحو الأعماق(الآبار) لكن الأرض لم تدر عليهم إلا بما فيها  فتتحول الأنظار إلى السماء.
في المساء يحملون فؤوسهم ومعاولهم ويعودون إلى الحي لا يملكون إلا الدعاء " اللهم أنت رب السماوات والأرض ، رحماك يا الله، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب" ،في ساعات الفجر الأولى يلوح برق في السماء ، يستيقظون يستبشرون ينتظرون نتائجه بفارغ الصبر يلحون بالدعاء" اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين" ويكشف الصبح عن السماء الملبدة بالغيوم فينزل المطر أياما بعد أيام تتزين الأرض بحلتها ، تخضر الروابي والسهوب وتمتلأ   الطرقات وتسيل الأودية وتتجمع المياه فيسقون ويستقون ويخلدون للراحة ويغطون في النوم لا توقظهم إلا زغاريد ووخز إبر البعوض كأن على أسنتها رسائل عتاب على طبيبهم الوحيد.
في الصباح الباكر يتدافعون على بابه يرتجفون يحاول تنظيمهم بدون جدوى، يعمد إلى تقسيم أرقام، تنتهي القصاصات ، يكمل الترقيم على أكفهم وفي الهاجرة تمحي الأرقام وتتبلل الأوريقات ، هناك من يعانون لا يقدر على التحمل ، يحتمون  بظل الشجر تتعد الجهات والسبب واحد يجول بينهم ويصول إلى أن تنفد آخر حقنة على رفوفه ويسقط آخر قرص من يده مع غروب قرص شمس ذلك اليوم . 

24. مارس 2015 - 16:50

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا