تعيش موريتانيا على وقع إضراب عمال الشركة الوطنية للصناعة والمناجم اسنيم - عماد الاقتصاد الوطني إن صحت هذه التسمية - الذي يقترب من الدخول في شهره الثاني والمتتبع لتاريخ هذه الشركة سيعرف أنه لأول مرة يحدث إضراب يصل إلى هذه المدة الزمنية وهو إضراب قدم فيه العمال أجمل
أنواع التمدن والتحضر فما يزيد على ثلاثة آلاف وسبع مائة عامل في ازويرات تخرج صباح مساء دون أن تسبب توقفا في حركة المرور أو كسرا لزجاجة، غدوة وروحة من أجل حقوق منعت وجحدت على مرأى ومسمع من الجميع لعمال الذين أوصلوا ليلهم بنهارهم وألان الله في أيدهم صخور الجبال فأخرجوا منها حديدا نفع الله به البلاد والعباد.
أسباب الأزمة
في يوم 03/05/2014 وقع مناديب عمال اسنيم مع المؤسسة ممثلة في مدير المصادر البشرية اتفاقا يقضي بمنح العمال رواتب تشجيعية وعلاوات عن عيدي الفطر والأضحى وإقرار زيادة معتبرة في الرواتب بدءًا من شهر أكتوبر من نفس السنة ومع دخول شهر أكتوبر أطلق مناديب العمال نداءهم للإدارة منبهين على أهمية وفائها بالتزامها لكن المؤسسة أصرت واستكبرت على ذلك النداء وصمت آذانها وأطلقت الإدارة جولتها داخل الورشات شارحة للعمال أن هناك أزمة عالمية تتجسد في تراجع سعر الحديد متجاوزة لمناديب العمال.
وللتذكير فهذه ليست الأزمة الأولى التي تمر بها اسنيم، وقد كان آخر تلك الأزمات أزمة 2009 التي كانت من أقوى أزمات العالم وقد كان المدير حينها السيد: كان عثمان حكيما في تسيره لسنيم ووفى بكل التزاماته أعطى العمال علاوات في رواتبهم وحسن من وضعية الخدمات الاجتماعية للمؤسسة وقد خرجت اسنيم من تلك الأزمة قوية بفعل تسير محكم هي اليوم مفتقده له.
العمال ومفهوم الأزمة
رأى العمال في حديث الإدارة عن الأزمة أنه متناقض قولا وفعلا وأنه لم تتحدث عن الأزمة إلا حينما طالب العمال بحقهم المكتوب في زيادة رواتبهم في حين كانت اسنيم حاضرة في إنقاذ مؤسسة النجاح بقرض 15 مليار كقرض على التراخي هذا دون الحديث عن تدشين مؤسسة للأعمدة الكهربائية برأس مال بلغ ملياري أوقية ضف إلى ذالك شراء الطائرات وبناء مستشفين أحدهما تجاوزت ميزانيته مليارين وسبع مائة مليون أوقية وبناء فندق خمس نجوم في انواكشوط، هذا دون ذكر الصفقات المشبوهة في إنارة بعض الطرق وبعض المشاريع التي أعطيت بطريقة تحتاج فعلا إلى فتح تحقيق فيها، كل هذا جعل العمال يدركون حقيقة وهي أن الإدارة أعلنت فقرها وأزمتها حينما طالب العمال بحقوقهم في حين أنها ظهرت في ثوب الثراء في تدشيناتها.
بدء الإضراب
مدينة ازويرات: بعد أن طرق مناديب العمال في مدينة ازويرات كل الأبواب فلم يجدوا من يفتح لهم بابه ويناقش مشاكلهم بل قوبلوا بتعنت وتكبر وإصرار على عدم التجاوب معهم أعلنوا إشعارهم بالدخول في إضراب مفتوح عن العمل يسبقه توقف جزئي عن العمل عسى أن تصحو الشركة من غفلتها وتستنير بصيرتها ولكنها واصلت غيها وكفرها بحقوق عمالها فلم تفتح الباب للحوار مع المناديب والاستماع لهم فدخل العمال في إضرابهم التاريخي يوم 28/01/2015 الذي وأعطوا به صورة حسنة أن موريتانيا لا زالت فيها بقية خير من الوطنية عمال سود وبيض تعالوا على التخندق القبلي والجهوي فتوحدت قلوبهم وعقولهم فرصوا صفوفهم فحاذوا بين مناكبهم وأقدامهم كالجسد الواحد في صورة قد لا تتكرر في المشهد الوطني صبروا على الجوع والعطش والحر والبرد من أجل حقهم المسلوب.
مدينة انواذيبو: كرر مناديب العمال في مدينة انواذيبو نفس المسار الذي سلكه إخوانهم في مدينة ازويرات طرقوا كل الأبواب من اجل الحوار وأودعوا شعارهم بالتوقف عن العمل بمعدل ساعتين لثلاثة أيام متتالية قبل أن تطلب منهم الشركة إلغاء الوقفة الأخيرة من أجل فتح باب الحوار وهو ما استجاب له المناديب لكن ذلك لم يعد كونه مماطلة من الإدارة من أجل ربح هامش من الوقت لإفشال التحرك العمالي ليعطي بعد ذلك المناديب إنذارا أخيرا مدته 24 ساعة للحركة من أجل فتح حوار جدي ينهي أزمة العمال في ازويرات، بعدها استدعي مناديب العمال من طرف مدير المصادر البشرية لدخول في حوار ينهي الأزمة وقد وقع فعلا اتفاق يتم بموجبه استدعاء مناديب العمال في مدينة ازويرات للدخول معهم في حوار وخرج المناديب بهذا الإتفاق من عند مدير المصار البشرية قبل أن يخلف وعده في أقل من نصف ساعة ليلحقه بقائمة العهود المنكوثة حينها استيأس المناديب من وفاء الشركة لهم بفتح حوار، فدخول في إضراب مفتوح يوم 03/03/2015 وهو ما كانت نسبة الاستجابة له تقارب 99%، وهو إضراب نوعي في قوته فلم يتخلف عنه أي عامل؛ عمال عاديون وفنيون سامون شاركوا في اضراب انواذيبو الذي أنهى تماما البيانات الإعلامية الكاذبة التي كانت تقول بأن الأعمال تسير بكل طبيعي في اسنيم.
وسائل الإدارة في مواجهة الإضراب
الفصل التعسفي: أشهرت اسنيم سيف الفصل ضد عمالها المضربين وكان يتم اختيار المفصولين على أساس تصفية الحسابات لبعض العمال الذين قد تكون لهم خلفيات سياسية أو العمال المعروف عنهم أنهم دائما يطالبون بحقوقهم فتم فصل أكثر من 300 عامل لكن هذا الفصل أعطى قوة وعزيمة أكثر للعمال بدل أن يتراجعوا عن إضرابهم المشروع بسبب الفصل فكانت وريقات الفصل بمثابة أوسمة الشرف والكرامة والعزة عند العمال فيتباهون بها ويتلقونها بالترحيب لأنهم فصلوا من اجل قضية عادلة موثقة البنود وموقعة من طرف المؤسسة والمناديب ووالي ولاية تيرس الزمور ومفتشية الشغل التي ظهرت كدمية تتصرف فيها إدارة اسنيم.
وجهاء القبائل
منذ الساعات الأولى لإضراب عمال اسنيم ازويرات دخل وجهاء القبائل على الخط بإيعاز واضح من إدارة اسنيم التي وفرت لهم المادة من أجل التحرك لهذا الغرض لشق صفوف العمال المضربين فصالوا وجالوا بين العمال قائلين لهم أن الإضراب تحركه جهات سياسية وأن عليهم العودة إلى مقر عملهم وترك مكان الإضراب، وعي العمال كان عاليا جدا فاستطاعوا أن يفشلوا هذه المساعي لأن القبيلة الحقيقة اليوم هي قبيلة العمال فعادت الوفود القبلية تجر أذيال الخيبة والهزيمة فزمن ذلك التأثير قد ولى غير مأسوف عليه.
الإعلام:
تحركت اسنيم بسرعة البرق مستأجرة أقلاما ومواقع إلكترونية وقنوات تلفزيونية قابضة لتشويه صورة المضربين للرأي العام، مقالات ممجدة لشخص المديرالعام لسنيم وأخرى تخوض في أرقام من الإنجازات فلكية جاءت بها من مخيلتها لا تبت للحقيقة بصلة وقنوات فضائية جيء بها على حساب اسنيم وصرفت لها مستحقات مادية معتبرة من أجل تشويه الإضراب العمالي حتى أن إحدى القنوات أبدت استعدادها للعمل مكان العمال المضربين مقللة من قيمتهم الإنتاجية وأن العمال ما أضربوا إلا بسبب الترف المادي الذي يعيشون فيه.
دفعت اسنيم بمالها للإعلام مغدقة عليهم بكرم فكل من ينشر خبرا يسيء للعمال وجد قيمته نقدا حتى أن أحد صحافة المواقع الإلكترونية كتب خبرا ساخرا عن العمال الذين يقولون بأن القطار لم يعد يحمل من مدينة ازويرات إلا المكرونة بدل الحديد قبض مليوني أوقية جزاء لسخريته الإخبارية قبضها نقدا من الصندوق وعادت لا يجوز أن يعطى من الصندوق ما تتجاوز قيمته 300000 أوقية أما ما فوقها فيعطى عن طريق صك بنكي.
وحتى لا أظلم الإعلام فقد كانت هناك مواقع ظلت متواجدة في قلب الحدث وقنوات شريفة تحترم نفسها وتتمسك بأخلاق مهنتها حتى أن بعضها دفع ثمن نقله للحقيقة باستدعائه من طرف الهابا التي عادة لا نسمع باسمها إلى حين ما تنقل الحقيقة وكأنها أنشأت كمقص لها.
محاولة سد الفراغ
عمدت اسنيم إلى الاستعانة بالمتقاعدين والتلاميذ في مركز التكوين من أجل سد الفراغ الذي أحدثه اضراب عمال اسنيم، غالبية المتقاعدين من اسنيم انواذيبو كانت ردودهم بالرفض واضحة وامتنعوا عن طعن زملائهم في الظهر وهو شرف سيحفظ لهؤلاء المتقاعدون الذين يعتبرون أنفسهم أنهم جزء من الجسم العمالي وأنهم لا يقتاتون على أرزاق إخوانهم العمال المضربين وأن على اسنيم أن تلجأ إلى حل هذه المشكلة بدل الإستعانة بمن تجاوزت أعمارهم الستين عاما.
وما يجري اليوم داخل ميدان العمل هو فساد للاقتصاد الوطني حيث يتم تحريكِ الآليات التي تتجاوز قيمتها المادية 25 مليار أوقية دون أي صيانة بل إن بعض تلك الآلات يتم تشغيلة بعد أن فقد معايير السلامة وهو ما قد يعرض مشغلها إلى صعق كهربائي تتجاوز قوته 5500 فولتاج، وهنا ينبغي أن يدرك الجميع أن هذه الآلات هي ممتلكات وطنية لا يجوز التلاعب بها لأن خسارتها تعني خسارة اقتصاد بلد بكامله، وعليه يجب محاسبة من يقوم بإفساد هذه الآلات ومحاكمته أمام محكمة الشغل.
في الختام على الشركة الوطنية للصناعة والمناجم أن تعرف الأساليب الرجعية في إفشال الإضرابات لم تعد مجدية في ظل الوعي العمالية فقد ظهر العمال كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى وأن العمال اليوم هم نخبة المجتمع، يدرك ذلك المتتبع لما أفرزته ساحة الإستقلال في ازويرات من مثقفين وأدباء ونقابين، أثبتوا أن العمال جسم صلب لا يمكن كسره لا بالتجويع ولا بشراء الذمم ولا بالنعرات العنصرية المقيتة.
وعليه فإن أنجع طريقة اليوم للحلول هي الجلوس على طاولة المفاوضات دون قيد ولا شرط وأنه لا يمكن أن يكون هناك اتفاقا غير موقع لأن من تنكر لإتفاق مكتوب سيتنكر للكلام.
