إجابة علي سؤال وجهه الأخ الكريم عزيز ولد الصوفي إلى رئيس الجمهورية ، قال السيد محمد ولد عبد العزيز بأن لا نية لديه لتغيير الدستور ، وأن تعديل الدستور كان مطلبا للمعارضة وهو الذي رفضه ،مشيرا إلي دعوة حزب تواصل سنة 2011 إلي ضرورة تغيير نظام الحكم في البلاد من
الرئاسي إلى البرلماني .
أخذ حزب تواصل من الوقت ما يكفي للتشاور حول الرد المناسب على تصريح رئيس الجمهورية ،وبعد عدة أيام قدم الحزب رده الذي تضمن أنه الآن ضد أي مساس بالدستور ، بحجة أن الظرفية الحالية غير مناسبة ،لتعديل الدستور وأنه عندما يخرج ولد عبد العزيز من المشهد السياسي بقوة القانون بعد انتهاء مأموريته الثانية ،حين ذلك سيعرض الحزب رؤيته السابقة حول تعديل الدستور وتغيير نظام الحكم ، وسيدعوا حين ذاك إلى تنفيذ تلك الرؤية !!.
لقد استغربت كثيرا ..وربما ستستغرب معي أيها القارئ الكريم ، مدي جرأة بعض فاعلينا السياسيين ،حين يبحثون عن مصالحهم الخاصة تحت غطاء البحث عن مصلحة الوطن ، فيقولون الظرفية الحالية لا تصلح لتعديل الدستور!! ، فمصلحة حزب تواصل في هذا الأمر تتعلق بمدي استقطاب رئيس الجمهورية الحالي للمواطنين ، وحزب تواصل يري بأن قوة الرجل وجاذبيته هي العائق الأكبر أمام زيادة شعبية حزب تواصل ، لأن قادة الحزب قد بالغوا كثيرا وبذلوا جهودا مضنية في سبيل جذب المواطنين إلي حزب تواصل ، لكن قوة الرجل وإقبال الشعب عليه هو ما منع الناس ـ حسب رأيهم ـ من أن تؤثر فيهم جهود تواصل الدعاية تلك ،في الوقت الذي يعتبرونها الجهود الأكثر والأكبر في تاريخ نضالهم السياسي وهي السقف الأعلى لنشاطاتهم السياسية المتاحة في أفق المستقبل القريب ، لذلك يريد حزب تواصل أن يغادر الرجل القوي المشهد السياسي بسرعة حتي لا تنطفئ شعلة حماسهم قبل أن يستقطبوا مزيدا من الجماهير ـ حسب تصورهم ـ وفي سبيل التركيز علي مضمون هذه الفكرة ومآلاتها ، توجب عليهم أن يتجاهلوا مدي أهمية الرجل ومدي خدمته لهذا الشعب الذي يريدون استقطابه ، فكان لابد من أن ينكروا ذلك عمدا ،ومع سبق إصرار ، بل وحتي يشرعوا لأنفسهم دعاية رفض مأمورية ثالثة ، ذهبوا إلي أبعد من ذلك ، أي إلى القول بنقيض ما هو واقع مشهود من حال تسيير البلاد .
هكذا غلب حزب تواصل مصلحته علي مصلحة الوطن والمواطن الكريم ، ودعي إلى عدم المساس بالدستور الآن حتى بالطريقة التي سبق أن طالب بها (تغيير نظام الحكم) حتي لا يبقي الرئيس محمد ولد عبد العزيز في السلطة أوحتي في قلب المشهد السياسي ، أكثر من بقية المأمورية الحالية ، حائلا بينهم وبين أوهامهم تلك!!.
أخبرني أيها القارء الكريم بأي منطق يعترف التواصليون برغبتهم في تغيير الدستور ومع ذلك يؤجلون هذه الرغبة إلى حين ذهاب الرئيس الحالي بحجة أن الظرف غير مؤاتى !! بودي لو حاولوا إقناعنا بخصوصية هذا الظرف ، أليس لهم دور فاعل فيه، وهم أول من رفع شعار رحيل النظام، وأقنعوا بقية الأحزاب برفع هذا الشعار ، أليسوا قادرين علي أن يقفوا موقفا يخالفون به المنتدي كما فعلوا في الانتخابات الماضية ، أليس بمقدورهم أن يخففوا من حدة الظرفية التي يرونها غير مناسبة لتعديل الدستور، فيباركوا.
بعد استقبال منتخبي تواصل للسيد الرئيس في زيارته الأخيرة للحوضين ، نتوقع من معارضة حزب تواصل أن تكون موقفا وطنيا خالصا ،يٌحترم فيه الآخر وتقدر جهوده التنموية ،ويطالب فيه بالمزيد ، وأن يقلع الحزب عن المواقف السلبية التي تنبني علي التعصب والكراهية .
إن التحجج بعدم ملائمة الظرفية الحالية لتعديل الدستور هو أمر لا معني له في الأصل؟ ، لأن تعديل الدستور، لن يزيد من حدة الوضع علي ما كان عليه أيام معارضة الانتخابات الماضية،بل إنه سيكون أقل مخاطرة من الإقدام عليها ، فتعديل الدستور لن يتم إلا بعد استفتاء شعبي ،وهذا الاستفتاء يعتبر فرصة للمعارضة وللموالات علي حد سواء .. ورافع لحرج كالذي كان يحتمل أن يحصل من الإقدام علي انتخابات غير توافقية .
فإذا كان المنتدي لم يكن مجبر على أن يجازف ويدخل معركة انتخابية مع النظام في الانتخابات الرئاسية الماضية ،ولم يشارك فيها خشية أن تتكشف حقيقة قوته الشعبية التي يحاول أن يوهم الناس بها في مهرجانات ،ومظاهرات ،ومسيرات ،وخرجات إعلامية مضللة ،فإنه عندما يتعين إجراء استفتاء شعبي حول تعديل الدستور سيكون مجبرا لا محالة علي أن يدخل ولو بشكل غير مباشر معركة انتخابات ستحدد بالفعل الموقف الحقيقي من تعديل الدستور ، وستكشف المستور في ادعاءات الشعبية!!، لذلك فالأجدر بالمنتدي أن يتقبل بروح رياضية تعديل الدستور ، وأن يبدي من الآن عدم الاشمئزاز منه،وليكن في علم حزب تواصل أن خمسية ثالثة من حكم الرئيس الحالي ، ليست كثيرة إلا علي من لديهم مشكلة شخصية مع الرئيس، وأنها قليلة جدا عند القاعدة العريضة من الشعب الموريتاني ،وأنها "كشوكة الخاطر" سرعان ما تنتهي ،وينتقل المنتدي وحزب تواصل إلى ما يريدون الانتقال إليه في صراعهم السياسي من أجل ...وإن كان لابد من رفضهم لتعديل الدستور فثمة طريقة ديمقراطية،قد تمكنهم من ذلك ،هي التصويت ب "لا" لتعديل الدستور .
فإن كانت نتيجة الاستفتاء هي :لا لتعديل الدستور سيحترم الرئيس رأي الشعب ولن يتم المساس بالدستور،فلماذا تخافون إذا من نية تعديل الدستور ومازالتم قادرين بمصداقيتكم عند الشعب !! ،أن تمنعوا تغييره ؟ ، وإذا كانت النتيجة هي : نعم ، نعم ، نعم لتعديل الدستور ، فعن أي ظرفية ستتحدثون إن شاركتم في الاستفتاء وغلبتم، وإن لم تشاركوا كما فعلتم في الانتخابات الرئاسية الماضية ،فعن أي ظرفية ـ أيضا ـ تتحدثون ؟ أهي امتناعكم طواعية عن ممارسة حقكم الانتخابي؟ هذه مسألة تعنيكم وحدكم،والمجتمع الدولي يشهد بذلك ، وسيري متى ستستعدون للمشاركة في بناء وطنكم .
إن حجة "الظرفية غير المناسبة" التي ذكر حزب تواصل هي حجة واهية لا معني لها فبالإضافة إلى ما سبق، فإنه إذا كان سبب خصوصية هذه الظرفية:أنكم(التواصليون) تعارضون ،تعارضون ،تعارضون أنتم وغيركم من أحزاب المنتدي، فإن الاستفتاء سيكون عليكم أشد من تغيير الدستور... فالأقرب لكم والأنفع أن تبتلعوا غضبكم من تعديل الدستور حاليا ، قبل حصوله ـ إن شاء الله أن حصل ـ لأن ذلك الغضب سيكون علي حسابكم يوم الإعلان عن نتائج الاستفتاء ... لماذا لا تمنعوا تغيير الدستور بقوة صناديق الاقتراع ، بدل النفخ في أبواق من علي منابر خجولة وفي وقت سابق الأوانه ؟! أم أنها أمنيات العاجز؟! ، أم أنكم أنتم من أرادوا يوما تغيير النظام بغير الأسلوب الديمقراطي ؟ أيها الإخوة :هل ماتت فيكم قيم الديمقراطية ، وانعدمت الروح الرياضية ، لهذا الحد؟!
إن موقف حزب تواصل هذا لا يقوم علي أساس علمي أو ديمقراطي ، وإنما يقوم علي أساس شخصي ونفسي هو معارضة شخص الرئيس محمد ولد عبد العزيز ذاته..!! ، فلو استطاع حزب تواصل إقناع الناس بما يقول عن الرئيس من سوء تسيير البلاد لكان له مبرر واضح في رفض تغيير الدستور في عهده ،وينتظر خروجه من السلطة ليعلن رغبته في تعديل الدستور، وتغيير نظام الحكم في البلاد ، كما أعلن في رده.
إن تغيير نظام الحكم في البلاد من النظام الرئاسي إلي البرلماني ، رغم أنه مظهر حقيقي من مظاهر الديمقراطية السليمة ، ورغم سعي السلطات الحالية الدائب إلى تعزيز قيم الديمقراطية في البلاد ، بشتي السبل المتاحة ، فإن التحول في الوقت الحالي ، أو في المستقبل القريب إلى النظام البرلماني ، لا يخدم مصلحة البلاد ولا العباد ، في مجتمع حديث عهد بالدولة الوطنية الحديثة . مجتمع كان إلي عهد قريب يعيش حياة الانتجاع ، ويتتبع حركة المزن في السماء ، والكثير منه مازال ينتظر أن يسقط عليه من السماء رزقه ،وما يريد دون أبسط جهد يقوم به . مجتمع مازال يعيش الآثار السلبية للتحول إلي حياة الحضر ، التي تميزت بتحكم نظام العبثية في التعامل مع القيم الموروثة (المتروكة دون أسف ) والقيم المٌقبَلٌ عليها ( المقبولة دون حدود ) . آثار سلبية كثيرة يضيق المقام عن ذكرها لا تزال قائمة وحاضرة بقوة في حياتنا الاجتماعية ، وهي آثار لا يناسبها مطلقا التحول إلي النظام البرلماني ، ويحتاج هذا الموضوع إلى عدة مقالات وأكثر من ذلك بحاجة إلى التأليف .. ولتلك الأسباب فإننا نرفض تعديل الدستور لهذا الغرض(تغيير نظام الحكم) ، كما أننا نرفضه أيضا ، لأسباب أخري منها أنه إذا حدث في زمن الرئيس محمد ولد عبد العزيز سيتحول بموجبه هذا الرئيس إلى رئيس محدود الصلاحيات ، وهذا الموقف هو ما لا نستطيع أن نتقبل حصوله ، وإما أن يكون الرئيس فيه رئيسا للوزراء بصلاحيات واسعة ، لكن رئيس للجمهورية فوقه في هرم السلطة ، وهذا الموقف يناقض تماما شخصية الرئيس محمد ولد عبد العزيز ، فإن كان حقا قد لقي قبولا عنده فإنه سيجد طبيعة شخصيته القيادية ترفضه رفضا ،كما أن هذا الموقف يشوش علي صورة الرئيس الحاضرة في أذهان الكثيرين ،وسينعكس ذلك طبعا علي علاقتهم به ، من شخص قوي متحرر من كل القيود السلبية ، إلي شخص بين فكي كماشة ، مضغوط عليه من أعلي من قبل رئيس فوقه في هرم السلطة ولو كان ضغطا نفسيا، فهو ضغط ، وإن لم يكن موجودا عنده فهو حاضر فينا ويؤرقنا ،ومن أسفل مضغوط عليه من قبل برلمان له منة عليه بانتخابه رئيسا للوزراء. برلمان يتابعه ويوجهه ويهدده في أي لحظة بحجب الثقة عنه ، إذا لم يركع لمطالب النواب الشخصية، والقبلية ،والجهوية .إذا لم يركع لمطالب غير محددة ولا مضبوطة بضوابط وطنية، فقد تخدم ـ مثلا ـ جهات خارج الوطن ،من حيث التأثير علي القرار السياسي، لأن رشي المال ستكون من أهم العوامل التي ستأتي بهؤلاء النواب إلى قبة البرلمان ، ولن يكن البرلمانيون إلا أبواقا وخدما لمن كان له الأثر الطيب عليهم بما أوصلهم إلى تلك القبة ،سواء كان من داخل البلاد أو من خارجها، إنهم أعني البرلمانيين ليسوا في تلك الحال إلا أواني، وكل إناء بالذي فيه يرشح.
ليس مستساغا أبدا أن يكبل هذا الرئيس القوي الشخصية ـ كما عرف عنه ـ نفسه بهذه القيود من أجل سنوات في الحكم ، هذا أمر غير منطقي ، فحرية الرجل وكرامته أغلي بكثير عليه من تسيير شؤون مجتمع نضج شعبه ، وتخلفت وتبلدت نخبته ،أحب إليه من تسيير بلد يعيش انفصاما سياسيا بين النخبة والمجتمع، وعداء ..وعدم ثقة ، لهذا فنحن لن نقبل هذا الرئيس رئيسا بلا صلاحيات ، وكذا لن نقبله مجرد وزير أول، أو رئيسا للوزراءولو بصلاحيات واسعة يقع ثاينا في هرم السلطة ، ولو بعد رئيس فاقد لكل شيء .
الحل الأنسب هو أن يستمر الرئيس الحالي لمأمورية ثالثة أو رابعة ، ويترك السلطة بعد أن يكون قد أرسي في البلد دعائم ما بدأه من مشاريع التنمية المستدامة ، لدرجة أن سيستحي من سيأتي بعده للسلطة من أن يعمل علي تقويضها ،لأن ذلك سينكشف بسهولة للشعب الموريتاني وسيسبب له غضب هذا الشعب الذي لن يرحمه حينذاك ، ففي بقاء الرئيس محمد ولد عبد العزيز علي حاله المرضي عندنا في السلطة أو خارجها ، بقاء لعزته وشموخه الذين نشعر بهما ، وفي ذلك حرص علي كرامتنا وذود عن مشاعرنا ، وأكثر من ذلك فيه للوطن ما يحتاج إن كان رئيسا ،وفيه للتاريخ ما يُخلًدُ :كرامة ومجدا.سيشهد به أعداءه اليوم قبل أنصاره.