اليمن ومقولة "آخر العِلاج الكيّ" / إسلم ولد سيد احمد

في مقال سابق، بعنوان: "العمل العربيّ المشترك على المحك"، قلتُ إنّ مؤسسات العمل العربيّ المشترك لم تستطع-منذ تأسيسها- أن تكون في مستوى انتظارات المواطن العربيّ، وإن كان ذلك بنسب متفاوتة، حيث حققت بعض الإنجازات  الشكلية وأخفقت في الأمور الجوهرية التي على أساسها

 نكون أو لا نكون. وفي مقدمة هذه الأمور: الوحدة والتضامن وتوحيد المواقف داخليا وخارجيا، وتحقيق الأمن والحرية والعدالة وتكافؤ الفرص والرخاء والعيش الكريم للمواطن العربيّ. وبناءً على هذه الحقائق، فقد آن الأوان لتشخيص الداء لننطلق في رحلة البحث عن العلاج. ينبغي لنا جميعا-كل من موقعه-أن نضع الإصبع على الجرح ونحدد مَكمَنَ الخلل، بدءًا بمراجعة هياكل هذه المؤسسات وآليات عملها وبرامجها ومشروعاتها وصلاحياتها، والهامش الذي تتحرك فيه في علاقتها بأصحاب القرار في الدول العربية.
كما أشرتُ إلى أنّ جهود مؤسسات العمل العربيّ المشترك لم تُوفَّق في التصدي لما تعرضت له بعض البلدان العربية من تهديد للأمن القوميّ العربيّ، ولم يحالفها الحظ في رأب الصدع وتسوية الخلافات العربية قبل استفحالها وخروجها عن السيطرة.
واليوم، ونحن نتابع ما يجري في اليمن الشقيق، فإنني أرى أنّ التدخل العسكري-لإنقاذ ما يمكن إنقاذه- يدخل في مجال: "الضرورات تبيح المحظورات"، و "آخر العلاج الكيّ"، و "بعض الشر أهون من بعض". بمعنى أنّ: ما يجري في اليمن – منذ فترة- بعد إرغام السلطات الشرعية في العاصمة (صنعاء) على الاستقالة، يُعَدُّ شَرًّا والتدخل العسكريّ- بصفة عامة- يُعَدَّ شَرًّا هو الآخَر، ومن هنا وجب اللجوء إلى الأخذ بأخف الضرريْن (ولعله التدخل العسكريّ).
إنني من الذين يرفضون التدخل العسكريّ الأجنبيّ في الشؤون الداخلية لأيّ بلد، لكنني أيضا مع الذين يرفضون  تغيير النظام السياسيّ القائم عن طريق حمل السلاح عليه ويعدُّون ذلك شرًّا مستطيرًا. وعندما تكون الدول العربية هي صاحبة المبادرة المتعلقة بالتدخل في شؤون دولة عربية- في إطار ميثاق جامعة الدول العربية والمواثيق ذات الصلة- فإنّ "الشرَّ" هنا كذلك يكون أخف من  "الشر" المترتب على مبادرة أجنبية بالتدخل العسكريّ في الشؤون الداخلية للدول العربية. وهنا نعود إلى قاعدة "بعض الشر أهون من بعض".
ولَمّا كنتُ أدعو باستمرار إلى حل الخلافات عن طريق الحوار، فإنني أتمنى –من كل قلبي- أن ينجح هذا التدخل العسكريّ في  إعادة الأمور إلى نصابها، محذرًا –في الوقت نفسه- مِن  أن يتسبب في تدمير اليمن (جيشًا، وعمرانًا، ومدنيين...). وأرجو أن يتمّ التركيز على اتخاذ الإجراءات اللازمة لجعل الإخوة اليمنيين جميعًا يدخلون في حوار سياسيّ جاد، للخروج من هذه المحنة التي نرجو أن تكون سحابة صيف تنقشع بسرعة. وبذلك يكون التدخل عبارة عن ورقة ضغط قوية على السياسيين، من أجل أن يعودوا إلى المفاوضات.  ولعل العقلاء في هذا البلد الشقيق- وهم كُثُرٌ- يقتنعون بأنّ المعارضة السياسية للنظم الشرعية القائمة، يجب أن تكون سلمية لأنّ المعارضة المسلحة لا تختلف في شيء عن الانقلاب العسكريّ. ولا يفوتني كذلك أن أحذر من اللجوء إلى تصفية الحسابات الشخصية بين الفرقاء السياسيين. فالحل الأمثل، يكمن في المصارحة  المفضية إلى المصالحة،  وتناسي الماضي،  والنظر إلى المستقبل. ولعل هذه المبادرة العربية بامتياز، تبشّر بأنّ العرب –من المحيط إلى الخليج- تنبهوا لضرورة الأخذ بزمام الأمور، قبل فوات الأوان.
حَفِظ الله اليمن. 

27. مارس 2015 - 14:54

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا