تأمل من أجل تفادي الانزلاق / عبد الفتاح ولد اعبيدن

لقد بات إنقضاء العهد العزيزي، وربما العهد الإنقلابي عموما منذ 1978 وإلى اليوم على وشك!، ولكن السؤال المطروح هل المعارضة وبعض الجهات السياسية الأخرى المعنية بالعبور إلى حكم مدني تشاركي سلمي هادئ، قادرة على إنفاذ المطلوب المرغوب منذ فترة، دون إنزلاق إلى مهاوي الضياع

 والتيه نحو المجهول؟!.

إنه سؤال صعب معقد لن ننشغل به بصورة عميقة مفصلة، ليس هذا مجالها، وإنما سنصبو نحو التأمل العابر المحدود، حتى لا نشكل البسيط ونعقد المفهوم القريب.

إن عزيز لو سقط، فلن يكون ربما أكثر سوءا من سابقيه في بعض ملامح التجربة الإنقلابية المتشابهة، المتقاربة الرؤية والتطبيق، مهما غالينا عاطفيا أو موضوعيا –دون تعسف- في القول، إن فلان أو علان من العسكر كان أفضل في جانب كذا، أو أفشل وأرعن في جانب آخر.

والقول الجامع لا خير في الأنظمة المبنية -جوهرا وعمقا- على الاستبداد وأحادية الرأي والتسيير الغابن، وأما أن يتعدى أو يتجاوز أمر التكليف والحساب إلى غيره من البرءاء، بمجرد تطابق أو تقارب في الإنتماء العائلي الواسع، فذلك مذهب مرفوض.

فإن بني فلان أو علان ممن قد يعنيهم بعض المرجفين، هؤلاء شرفاء، ساهموا قديما وحديثا في بناء هذا البلد، ولا يهمنا في هذا المقام الحاسم، إلا الأغلبية، لأن الأقلية لا عبرة بها أحيانا، في مثل هذه الأمور، وسواء كانت هذه الأقلية المشار إليها، قادمة منذ عهد قريب من "دار مسي" بالسنغال أو من شياشاوه في المغرب الشقيق.

أجل، هؤلاء الشرفاء لا نقبل أن يحسب عليهم مستقبلا -دون تمييز- تصرفات رئيس شرعي أو غير شرعي، دون الدخول في تلك الجدلية، وإنما في حالة أفول هذا الحكم، الذي أشار بكل المؤشرات على قرب انهياره، ينبغي أن لا نظلم ولا نكرر نفس السيناريو العزيزي الانتقامي، إثر انتخاب أو إنقلاب سابق، وذلك حين فعل فعلته سنة 2009 ضد رجال أعمال بعينهم دون من سواهم في ملف إشتركوا فيه مع أسماء أخرى.

وقبل ذلك ضربة لازب ضد ولد لكور وولد محمد عالي وغيره سنة 2006، إبان ظهور بعض البيانات والخطط الإنقلابية المفبركة.

وإنما تقتضي الحكمة الابتعاد عن مثل هذه الحياض المسممة الخطيرة السهلة العدوى، لأسباب ودواعي كثيرة شيطانية فحسب!.

ولقد وقع معاوية -عافاه الله- في نفس الخطأ المكشوف مع أقارب صالح ولد حننه حين محاولة الفرسان!.

وباختصار فلنبتعد عن  كل هذا وبصرامة شديدة واعية نابهة، وإلا جاز لكل طرف أن يدافع ويرد، فيختلط الحابل بالنابل، بعد سقوط عزيز مثلا، إن حدث ذلك.

والواعي الوطني الحق أن يحسب لكل واقعة غير مستحيلة حسابها قبل حلولها، وقبل فوات الأوان!.

ثم إن المعارضة قد تنتقل من مطالب الترحيل والتغيير إلى مرابع ومواقع النزاع والتصارع بصورة أو بأخرى على الغنيمة "في حساب وتصور بعضها".

فلتحذر هي الأخرى بعزم وحزم دون تزكية للنفوس المعارضة، بحجة فقط أنها معارضة، فلننظر إلى التجربة الليبية المؤلمة بعد ذهاب القذافي رحمه الله، هل استطاع المنتصرون ثوريا، كسب المعركة سياسيا، وحتى أدبيا؟!.

فكل فريق يدعي النموذجية والوطنية والأحقية والمحصلة دولة فاشلة ممزقة ومصير مجهول، لا يغبطه أحد ولا يتمناه.

ولا يعني ذهاب الحكم العسكري الإنقلابي، تلقائيا أن الحكم المدني بديل ناجع دون كثير من الشروط والحذر والتنازل قصد التعايش، المبعد لنيران الفتنة أو بعضها في صورة ما.

إن الوضع الراهن يستدعي من المعارضين والنخبة جميعا، سياسيين وتنقراط ورجال أعمال وإعلاميين ونقابيين وغيرهم، دراسة واقع البلد –حاليا- وتصور خطة تعد بصورة شبه نموذجية، تعرض للتطبيق والإنقاذ، في حالة الفراغ السياسي، لان الخيارات المتاحة دستوريا تم التحايل عليها.

فالرئيس ورئيس مجلس الشيوخ من نفس الإنتماء العائلي الضيق، وهذا مكشوف وغير أخلاقي، ولا مفهوم فيه للدولة في أي دولة، مهما كان ضعفها ونواقصها!.

فلا معنى للإنتظار.

إن الحال المرتقب غير المستبعد، يتطلب بصورة ما مخاطبة العسكر بغض النظر -عن مآخذ الموضوعية الوهمية المبالغ فيها قصد حماية نظام الظلم المدمر المستبد-.

فالعسكر إن لم يلعبوا دورا في حالة الإحتقان وتوقع التمزق الأكيد، فستسقط الدولة كلها في يد جهة داخلية أو خارجية ربما، غير مأمونة إطلاقا!!!.

فجاز التصريح بأن المطلوب إزاحة على النمط التونسي، إبان هروب بن علي "بن علي هرب، بن علي هرب".

هذه الإزاحة تفتح الباب للحكم المدني الخالص، وليس إنقلابا البتة.

فينبغي وعي هذه الاحتمالات الملحة وغيرها، دون تأخير.

وقد يرسم الحل في حالة هدوء الأعصاب على جلسة شاي في غرفة مفتوحة أو مغلقة على الأصح، من باب استعينوا على أموركم بالكتمان.

أما عزيز الذي يعاند في شأن الأمن الإقتصادي القومي أو الوطني، فلا محل له في موقع القيادة، فهذه ليست ثكنة، كما أن تسيير الكتائب البرلمانية من جديد، على نمط متوقع راجح في سنة 2015 بعد تجربة كتيبة برلمان 2008  الإنقلابي.

فهذا كله واقع فشل حقيقي واسع وخطير، للنظام الإنقلابي القائم، الذي أفرغ البلد من معنى الدولة في كل مجال ونهب الثروة ودمر موريتانيا باختصار، وحول جل ثرواتها إلى عقارات كبيرة بالمغرب ودبي وباريس.

إذن هذا وغيره يتطلب التأمل الطويل الهادئ الموضوعي المسالم البناء، دون تفكير في انتقام، أو جزء يسير منه، بمقدار مثقال ذرة بإذن الله، ولا يسكب نصف كوب ماء لأحد، وأما ذهاب فرعون السلطة الراهنة، فهو واقع دون ريب في حساب المتابعين للشأن العام المحلي على الأقل، وأما من انتظر سماع الخبر، دون قدرة على التوقع قبل وقت كاف متوسط على الأقل أيضا، فهذا يعني عم البصيرة، وربما ضعف البصر، فإن أزمة "اسنيم" واحتمال تغيير الدستور في أمر العهدتين المحدودتين أو توسيع صلاحيات الوزير الأول لغرض معروف، مجرب في دول أخرى، وأزمات قطاعات كثيرة، خصوصا مثل التعليم والصحة وغير ذلك من المعضلات.

أقول هذه الأنواع تعني قرب التحول السياسي، بصورة ما، ينبغي محاولة التحكم فيها، ولو نسبيا بتقارب المعنيين وتباحثهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، حتى لا تخرج الأمور عن نطاق السلمية والتفاهم للعبور الآمن.

اللهم سلم سلم سلم...

وأشدد هنا أنه لو ظهرت حالة استهداف مبالغ فيه، فلا ينبغي أن تسكت المنابر الإعلامية، أو النقابية أو السياسية أو غيرها.

فالأجدر بنا هو التعاضد والتسامح حتى مع عزيز نفسه الذي أكلها هو ومافياه المعروفة، بالأسماء والصفات والمواصفات ومقادير الأموال المنهوبة.

ولكن كل هذا لو خيض فيه، فيعني مباشرة توقف قطار الإصلاح، التدريجي، أي ما أمكن منه، والتحول إلى قطار تصفية الحسابات، وهو معروف العواقب والنتائج، التدابر والتلاسن، المنتهي حتما بالتمزق والكراهية والتقاتل الفعلي، لا قدر الله.

إن هذا بعض هذا التأمل المستحسن، وربما اللازم لتحقيق عبور آمن، للخلاص من نظام الإستبداد الجاثم على الصدور والنفوس، دون استبداله بنظام انتقامي فتنوي متصادم، يوقد ألسنة التفكك المحدود الموهمة بإمكانية العلاج للخرق الواسع، وهي ربما المفضية إلى حرب أهلية حقيقية، قد يكون أخف منها، ما كان من قبل رغم سوئه من يعلم؟!.

لابد من تفتيش وتبصر الطريق أو تحديد خارطة الطريق المرتقب المحتمل بوجه راجح، على الأقل حسب مستوى التأزم والاحتقان الحالي، حتى لا يتحول إلى فتنة هوجاء على النمط السوري، أو الليبي أو اليمني أو غيره، فتحل الدماء والكراهية بدل النهب والإستبداد، وقد يكون –أكررها- الأخير أقل ضررا وجرحا وإيلاما.

فلا تتركوا أيتها النخبة، وسائر الجهات المعنية، وحتى العسكرية أمر هذا التأمل الحازم والحساب الاستباقي، عسى أن لا نكرر أخطاء الغير.

فإننا أضعف وأحوج للتراحم والتعاون سلميا، لتحقيق المطلوب من التغيير، دون فتنة أو عقدة صعبة مستعصية، لا يمكن تجاوزها،- لا قدر الله-، إلا بعد عشرات السنين!.

وقد نندم وقتها على مجرد التفكير في التغيير، دون تأمل واسع لتحقيق العبور الآمن بعيدا، بعيدا عن المنزلقات الكثيرة المتنوعة

27. مارس 2015 - 15:01

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا