فوضى...على شفا الهاوية ! / عيسى ولد الداهي

خمس وخمسون عام مضت ونحن نراوح تناقضنا الهيكلي، الذي قامت على عجالته الدولة الموريتانية، هذه الخلاصة كنت قد اسهبت شرحها  في مقال نشرته 2013 بعنوان : الدولة والرجال لمن تقرع الطبول ؟
اليوم اعود لنتساءل جميعا لماذا نواصل المشي مكبين على وجوهنا حيث

 اننا نستطيع وبكل اريحية ان نمشي مستويين وعلى صراط مستقيم ؟
هل هي فعلا إرادتنا  الحرة ان نكون كذلك ؟ ام انها إرادات تقمصناها ايام كنا لا نهتدي سبيلا ؟
ام انها رواسب في لا وعيينا، من ايام ان سلمنا وصاية  الرأي العام  لساسة باعوه ثمنا بخسا، ولما ردت اليهم بضاعتهم ، رهنوا الراي العام ، ليستمروا في ميرة اهلهم  و كيما يزدادوا كيل بعير .
و لعلهم لم يتفهموا بعد انه لم يعد كيلا يسيرا !

منذ تأسيس الدولة طرحت -وبشكل طبيعي- إشكالية انسجام الشعب مع القيادة وذلك على وجهين :
 اولا بالنظر للتراكمات الاجتماعية الخصوصية للمجتمع ذات الطابع العشوائي و الموغل في التسيب و المنافي للفطرة الطبيعية في قيام التجمعات البشرية المتعايشة و الموحدة، 

 ثانيا بالنظر الى تجربة الدول و الحضارات التي حققت الغاية من وجودها واستطاعة البقاء والاستمرار.

ان مصطلح التهذيب -على خجله في قاموسنا السياسي و الاداري-  يدل بكل دقة على حقيقة التناقض الذي قامت عليه دولتنا و الذي مازلنا نعيشه الى الآن مهما تعددت مرادفاته : الازمة  السياسية،  الأزمة الأخلاقية ، الفساد ..........كل ذلك يصب في قالب واحد : عدم الانسجام بين وعي المحكوم وإرادة الحاكم !
بالنظر الى ما سبق فإنه كان من الطبيعي ان تنشأ في الستينات (العقد الاول ) وزارة للتهذيب وكان  من الضروري بل الملح ان تنشا  في الثمانينيات (العقد الثاني ) هياكل لتهذيب الجماهير، وكان من المستعجل  في التسعينات (العقد الثالث ) ان يفسح المجال للمحكوم ان يحاور حاكمه عبر ممثلين منتخبين ديمقراطيا و كان - ولو طبيبا بعد الموت-  ان يقرر تدريس مادة التربية المدنية في اوائل العقد الرابع للدولة .
لكن ثمة شيء فعلا غير طبيعي وعلينا جميعا التوقف عنده !
لماذا لم تفلح كل هذه المقاربات في تحقيق حد ادنى من الانسجام بين المحكوم وحاكمه ؟
قبل الاجابة على هذا السؤال دعونا نتساءل قليلا كيف درج هؤلاء بدولهم آفاق الامم :
مهاتير محمد / ماليزيا.   ماوتسي تونغ/ الصين . جورج واشنطن / امريكا.................
ولماذا حين انقلب الجيش على تشافيز وسجنه، ثار الشعب الفنزويلي و اعاده الى الحكم ؟
انها ببساطة قصة ثقة شعب في قائده، وطاعة مأمور لوي امره، وتصرف طبيعي من محكوم ينظر بعين سليمة تنقل صورة صحيحة لما يفعله الحاكم الى قلب سليم يحلل و يتصرف منطقيا وفقا للمعطيات.

ان القاعدة الطبيعية تقول ان اي عامل مهما كان لابد ان يشجع و يؤازر كي يعطي ذروة انتاجيته، و ملاك كل ذلك هو الثقة  !
و هنا مكمن الجواب : ان بليتنا تكمن في شيئ واحد : الثقة !
لقد بلينا منذ قيام الدولة والى الغد  بأناس بارعين في تركيب عدسات تغشي عيون و قلوب الجماهير لقد جعلونا مسكونين بوهم النظام (الرئيس) عدو الشعب ، و نظرية مؤامرة النهب المبرمج  (الرئيس و حاشيته و كل مؤتمن) .
فالمخطار ولد داداه حين كان رئيسا قلنا تبت يداه، و خذلناه و تقاعسنا عن خدمة انفسنا ووطنا مخافة اننا بذالك نخدم نظام المخطار ولد داداه او شخصه .
ثم حين لم يعد المخطار رئيسا قبلنا يداه، تعاطفنا معه  ونظرنا اليه بعين الرضا، (لقد حققت مبيعات مذكرات المخطار ولد داداه ارقاما قياسية) ولما مات المخطار سرنا جميعا في جنازته.
ما هذا التناقض ؟
الا تبت يداه حين كان رئيسنا وبعد ذالك ؟ الم يكن اجدر بنا ان ننظر اليه بعين الرضى هذه و هو يحاول ان يفعل لنا شيأ ما ؟الم يكن اولى من السير في جنازته ان نسير معه مسيرة العمل والبناء ونمنحه الثقة والتشجيع ؟ الم يكن ذللك ليمنحنا قفزة الى الامام ؟
ولد هيدالة،  ولد الطائع، نعلم جميعا كيف كنا ننظر اليهم ايام كانوا رؤسائنا و اليوم كيف نتقبلهم ؟
و الأدهى من كل هذا ، ان الذين البسونا النظارات ايام ولد داداه هم انفسهم الذين البسونا اياها ايام هيدالة و هم انفسهم الذين البسونا اياها ايام ولد الطايع و ها هم  يلبسونا اياها اليوم !

لماذا ننظر بعدسات سخط الى رؤسائنا حين يكونوا في مأمورياتهم ثم نستبدل عدساتنا حين يتحولون اشخاصا عاديين ؟
لما ذا تبت يداهم حين يكونون قادرين على ان يفعلوا لنا شيئا ، ثم حين لا يستطيعون شيئا نقبل اياديهم ؟
الا تبت يداهم حين يستطيعون ولا يستطيعون ؟ او قبلت اياديهم حين يستطيعون ولا يستطيعون ؟
لما ذا هذه الازدواجية الشاذة و الماحقة ؟
لماذا ندمن السباحة عكس التيار ؟ ان ذلك ليس من الاسباب الطبيعية النجاة ؟ ام اننا نريد الانتحار ؟

انني اكتب هذا للتنبيه على اننا لازلنا نتخبط في الفوضى و لكن الجديد هو اننا في فوضى..... على شفا الهاوية !

30. مارس 2015 - 11:22

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا