بين المعارضة والموالاة : بناء ثقافة الاعتراف المتبادل / عبد الحي ولد كمال

إخوتي السياسيين والمثقفين الموريتانيين أحييكم بتحية الإسلام السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وأنبه إلى مسألتين: أولاهما أنني أحترمكم جميعا وأقدر لكل منكم رأيه وموقفه السياسي ومنطلقاته الفكرية النابعة من حرصه على المساهمة في بناء هذا الوطن، وسلامة هذه السفينة التي تقلنا جميعا

والتي تسمى موريتانيا، كما أصرح لكم جميعا أنني لست في موقع المثقف الحكيم الذي من واجبكم الاستماع إلى توجيهاته ونصائحه، غير أن ذلك لا يمنعني من التنبيه إلى جملة من الأفكار الاجتهادية التي أملاها علي الحرص على تقريب وجهات النظر من خلال بناء ثقافة الأخوة والتسامح بين الموالاة والمعارضة، فإذا خلت القلوب من الآراء المسبقة، والاتهامات الافتراضية والتعصب والتخندق استفدنا من كل رأي مهما كانت الدرجة العلمية و الموقع السياسي لقائله تشبثا بالحكمة السامية: أعرف الرجال بالحق ولا تعرف الحق بالرجال.
إخوتي السياسيين والمثقفين الفاعلين في المعارضة والموالاة: إنكم مسؤولون أمام الله تبارك وتعالى عن كل أمانة ضيعتموها ومن أخطر الأمانات رعاية حقوق البلاد لما يترتب عنها من حفظ للدماء والأموال والأعراض، وغيرها من الكليات التي اتفقت الشرائع السماوية وحتى الفلسفات الوضعية على حفظها وصيانتها كما أنكم تشاهدون اليوم دولا تتمزق وشعوبا تتناحر، وأعراضا تنتهك وذلك بفعل عوامل كثيرة من أهمها احتراب وتصارع سياسييها وتخوين كل منهم للآخر وعدم الاعتراف به شريكا، ألستم تؤمنون بأن بعض الشر أهون من بعض؟ أليس درء المفاسد أولى من جلب المصالح؟ أليس حفظ الموجود أولى من طلب المفقود؟ نعم نحن مطالبون ببناء الدولة المثالية التي لا يوجد بها ظلم ولا طبقية ولا فقر ولكن أليست الدولة التي يوجد بها فقر وظلم وتفاوت طبقي مع سعي جاد من سياسييها للإصلاح وتجاوز هذا الواقع  خير من الدولة التي دخلت دائرة الفتنة والحرب الأهلية والتدويل؟ فكروا واعتبروا بالثورات المدمرة التي فشلت بسبب عدم ترشيد مؤطريها والتي تشاهدون اليوم ثمارها في العالم العربي فكروا واعتبروا يا أولي الالباب.
تحتوي امثلتنا الشعبية على مخزون هائل من الحكمة والعمق الفكري فلم لا نستلهم منها  يقول المثل الشعبي أسمع اكلام امبكينك لا تسمع اكلام امظحكينك ويقول مثل شعبي آخر يمش بشور أل فخلاك يجر ويقول مثل شعبي ثالث أل اعشاك واعشاه فكدح لا اتخليه اكب
إخوتي في الموالاة والمعارضة إن مفتاح أمننا وتنميتنا السياسية والاقتصادية وانسجامنا الاجتماعي يرتبط بصفة بنيوية بمدى اعتراف بعضكم ببعض، وتثمين كل منكم لما هو إيجابي في الطرف الآخر حتى ولو قل ودق ذلك الإيجابي. و انطلاقا من المثل الشعبي الذي ذكرت سابقا اسمع اكلام امبكينك لا تسمع اكلام امظحكينك سأجتهد لأحاول الإجابة على السؤآل الكبير  لماذا خسرت المعارضة  كل السباقات الانتخابية ابتداء من انتخابات 1992 ولغاية الانتخابات الأخيرة؟ مذكرا إخوتي في المعارضة بالمثل اسمع اكلام امبكينك لا تسمع اكلام امظحكينك
اعتقد أن المعارضة تتحمل جزء كبيرا من أيديولوجية الإقصاء الوقحة التي اتبع الرئيس معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع في حقها: لقد صرح السيد أحمد ولد داداه في مهرجان سيلبابي خلال رئىسيات 1992 بأنه إ ذا انتخب رئيسا سيحاكم  ولد الطايع وزملاءه  من العسكريين النافذين محاكمة عادلة جراء ما اقترفوا من جرائم في حق الإنسانية فهل كان من المنطقي أن يهادن ولد الطائع رجلا يصرح بأنه سيحاكمه ويجره هو ونظامه إلى المجهول
أعتقد أن من درس بتمعن وتجرد العريضة المطلبية للمعارضة الموريتانية خلال العهد الطائعي سيجد أنها في الغالب الأعم تخدم بقاء النظام وتحول دون تركه للسلطة لست سطحيا حتى اتصور أن فشل الخطاب المعارض هو سر بقاء الأنظمة الدكتاتورية فلتلك الأنظمة أدواتها الخاصة التي تجدد بها نفسها وتحافظ بها على البقاء في السلطة .
لاشك أن مطالبة تلك المعارضة بقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني الغاشم ومطالبة الإسلاميين بأن يعترف لهم بحقهم في التنظيم من خلال حزب سياسي مطالب مشروعة بل وأساسية غير أن  الطابع الراديكالي للعديد من المطالب الأخرى التي ميزت خطاب معارضتنا الوطنية في العهد الطائع اضعفت من مصداقيتها وضاعفت من عدد أعدائها ومن تلك المطالب في رأيي:
ـ الدعوة إلى فكرة الحوار الوطني والطاولات المستديرة التي أثبتت فشلها في الدول الافريقية التي جربت فيها.
ـ محاكمة الضباط الموريتانيين المتهمين بحسب تلك العريضة المطلبية بفظائع إنسانية.
ـ تشويه صورة النظام لدى الشركاء الاقتصاديين الأجانب والسعي إلى محاصرته اقتصاديا.
ـ  تبني  خطاب سياسي يقوم على فكرة تجريم النظام وعدم الاعتراف بشرعيته
ــ مقاطعة الاستحقاقات الانتخابية في الغالب الأعم 
قابل نظام ولد الطائع هذا التوجه الراديكالي  بسياسة عدائية بل ووقحة في أحايين كثيرة تمثلت ببعض وجوهها في تضييق دائرة الحريات و حرمان منتسبي المعارضة من الولوج إلى الوظائف السامية والاكتتاب في الوظائف البسيطة وحرمانها من حق التعريف بخطابها السياسي عن طريق وسائل الإعلام الرسمية التي لم يكن غيرها متاحا كما تبنى سياسة التزويرالممنهج في حقها كلما شاركت  على استحياء في منافسة انتخابية.لما ضيقت المعارضة الخناق على نظام ولد الطائع وكادت تسبب له عزلة دولية شديدة آوى إلى العدو الإسرائيلي ليحمي نظامه ويضمن له مناعة دولية ضد السقوط
يتواصل 

30. مارس 2015 - 15:32

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا