اسدل الستار على اضراب اسنيم بعد اتفاق بين مناديب العمال وادارة الشركة وهو أطول اضراب شهدته عملاق الشمال في تاريخها..
كنت قد كتبت مقالا في بداية الاضراب بعنوان: اضراب سنيم:عائلات تتضور جوعا ومصارف مهددة بالافلاس !!..
مشخصا وموضحا النتائج الكارثية لهذا الاضراب...
وقد فسرها البعض خطأ تارة الى المعارضة وتارة الى قضايا شخصية.. وأنا لم أقصد هذا ولا ذاك وإنما كتبته كواجب علي انتصارا لأهلى ومدينتى وموقعي...بعيدا عن السياسة كما كان الاضراب كذالك وان كان البعض اتخذه مطية للوصول الى مآرب شخصية...
من النقاط التى تناولتها في عجالة هي أن أول المتضررين هم المؤسسات المالية, لأن فقدان السوق المحلية لمدينة ازويرات لدخل العمال المضربين والذي كان يوفر سيولة تسهل حركية السوق والمضاربات والصفقات...سينتج عنه تحول هذه المصارف إلى مجرد مؤسسات قروض......
ثم ان سياسة البنوك تقوم أساسا على جانب الايداع وفي حالة انعدامها فلاشك أن القروض المتأخرة الدفع ستؤدي في النهاية الى افلاس المصارف.وستتضرر الميزانية الموريتانية حيث أن الشركة تساهم ب23 بالمائة من الناتج الاجمالي و50 بالمائة من العملات الصعبة..هذا أولا.
ثانيا: حتمية تضرر الاقتصاد المحلي حيث كان يعتمد على مصدر دخل كبير يوفره سكان المدينة وخاصة أن أغلبهم يعمل في مناجم ومنشآت الشركة...
ثالثا: نضوب البضائع والمواد الضرورية في السوق نتيجة لتوقف القطار الجزئي عن العمل والنقل بين مدينتي نواذيبو وازويرات الذي كان يزود أصحاب المحلات بالبضائع وحاجيات التجارة المختلفة وخاصة ما يتعلق بمواد مثل الخضروات والدجاج والألبان والفواكه والمعلبات ، إضافة إلى الماشية من أغنام وغيرها...تضرر القريات والمجمعات السكانية الرعوية والتنموية الموجودة على ضفة السكة الحديدية على طول المسافة بين أزويرات وانواذيبوا والبالغة 650كلم..وهذا ما سيؤدي الى تضرر ساكنة أزويرات وما جاورها في قوتهم اليومي...
في هذه الأزمة قدم عمال أزويرات وهم نموذجا مصغرا لسكانها مثالا حيا للوحدة الوطنية المنشودة...
فهي مثل المدن الصناعية في العالم حيث تذوب فيها الفوارق بين أبناء الطبقات العمالية ولقد عشنا ذالك واقعا حيث ننتمي جميعا لمدينة أزويرات بكل أطيافنا لا فرق بيننا إلا في العمل...
وأكبر تكريم لإنسان أنه اتؤمن على الحرية حين أعطي صفة العمل، وهذا ما سنختصره في المعادلة التالية:
القول + الفعل= العمل و= الحرية
على فرض أن كل طرف من أطراف هذه المعادلة قائم على وعي حركة الجدل، ولما كان الوجود كله مادة خاما لا عمل فيها، فهو ضرورة لا وجود فيه للحرية.
لأن هذا الوجود بلغ بحركته أقصى الحرية حين بلغ القيد.
ونحرر منه على مقدار ما نقول ونفعل، أي على مقدار ما نعمل، ونعمل على مقدار ما نعي من حركة الجدل فيه...
وكل شيء لا تعمله أنت بيديك فهو ضرورة، ولو نظرت إلى كل الموجودات المصنعة على أنها ضرورة، وأن ما تحرره منها خالصا لك يكون مناسبا مع مقدار عملك ووعيك لحركة الجدل فإن نظرتك هذه من صميم هويتك الإنسانية.
الحرية قيدها العمل، والعمل قيده الحرية، وليس لأحدهما وجود مستقل بذاته، فهناك تحرر العامل. وعمل المتحرر.. والأصل في قيد الحرية هذا أن الطبيعة ضرورة، وكل ما فيها يجري على منهج. ولا سبيل لتسخيره لنا إلا بالعمل..
وحرية الفرد في المجتمع على قدر عمله، فإذا أخذ من عمل الآخرين مما يعطيهم من عمله، فقد من حريته بقدر ما يزيد لهم عنده، وأكثر الأفراد من يرون آثار عملهم فيما بين أيديهم من حاجات... وأقسى ما يواجه الحر من عقبات أن يجد نفسه غريقا في عطاء الآخرين، وليس له ما يعطيهم، لشعوره بأن ذلك على حساب حريته.
الى ذالك مامن شك في حب عمال سنيم جميعا لها وعلى حرصهم على تقدمها وازدهارها،...
فهم مرتبطون بها ارتباطا عضويا وهي سبب وجودهم ووجود مدينتهم ..وهنا ننوه بالقرار الحكيم لرئيس الجمهورية القاضي بتشغيل أبناء عمال اسنيم في حالة ما اذا تقاعد آبائهم أو ماتوا... وكذالك ادماجه لعمال الجرنالية فيها....
كما نشكره على انهاء الاضراب وان كان العمدة ولد باية ابن مدينة أزويرات بذل جهودا مضنية تكللت أخيرا بالنجاح ولقد أعطت عاملة المدينة التي بلغت ثلاثة آلاف وسبع مائة عامل أنموذج للإضراب المتحضر والمسئول بحيث لم تسجل طيلة الشهرين أي أحداث أمنية تذكر...
وإذا كانت أقلامنا وجهت طيلة الاضراب الى الجهات العليا للمطالبة باتخاذ الاجراءات لازمة لحلحلة الأزمة فإننا وبعد انتهاء الاضراب صار لزاما علينا أن نتوجه الى العمال بأن يضاعفوا الجهود ويشحذوا الهمم لتخطى تداعيات الاضراب وانخفاض أسعار الحديد في الأسواق العالمية فالجد والمثابرة على العمل هما صمام كسب الرهان...وبقرتهم الحلوب اسنيم هي في أمس الحاجة اليهم الآن...
وهذه هي رسالتنا لعمالنا الشرفاء بعدما تنفسوا الصعداء!!