الرابح، والخاسر بعد انتهاء إضراب " اسنيم" / سعدبوه ولد الشيخ محمد

انتهى أطول إضراب تشهده الشركة الأهم في موريتانيا "اسنيم" نهاية الإضراب، تضاربت الأنباء بشأنها، وأثيرت أسئلة عديدة، تبدأ بمن مهد لهذا الاتفاق وساهم في نجاحه ؟ ولا تنتهي بما الأثر الذي تركه الإضراب على الشركة؟ بيد أن السؤال الأبرز يبقى: من الرابح، ومن الخاسر في اتفاق إنهاء

 الإضراب؟؟
فور الإعلان عن الإتفاق خرج العمال، وأنصارهم مبتهجين، مهللين بما اعتبروه نصرا غير مسبوق، وقال نقابيون من العمال إن مجرد إذعان الشركة لتوقيع الاتفاق قبل عودة العمال لعملهم هو في حد ذاته إنجاز كبير، وسابقة من نوعها، بدورها اسنيم سارعت إلى الإعلان عن ارتياحها لإنهاء الإضراب، وعودة القطار إلى سكته، دون أن تخوض في تفاصيل الاتفاق.
العمال إذا راضون، والشركة راضية، فهل كانت هذه النتيجة تستحق كل هذا العناء الذي تكبده العمال، وتلك الخسائر الكبيرة للشركة ؟ أم أن الطرفين (اسنيم، والعمال) أدركا متأخرين أنه لابد مما ليس منه بد، فإن تكن اسنيم تألم، فإن العمال يألمون، وربما أراد الجميع مجرد النزول بنجاح من أعلى الشجرة، والعودة الآمنة للوضع الطبيعي.
دون أن ندخل في تفاصيل بنود الاتفاق فإنه قطعا لم يتضمن إقالة المدير العام لاسنيم ولد اوداعه - كما كان العمال يطالبون- ولم يتضمن الاتفاق زيادة في الأجور كبيرة، ولا حتى تعويضا مجزيا لأكثر من 60 يوما من الجوع مرت على العمال، وأسرهم، وكأنها سنين عجافا.
إن مجرد ابتهاج العمال بالاتفاق، وترحيب اسنيم به يغنينا عن الخوض في تفاصيله، والبحث عن ما حققه، لأنه طالما نجح في إرضاء الجميع فذاك وحده يكفي، لكن المراقبين يرون أن الرابح الأكبر، والخاسر ليس العمال المضربون، ولا اسنيم، فالرابح الحقيقي في ميزان الواقع هو المدير العام لاسنيم محمد عبد الله ولد أوداعه، الذي تجاوز بنجاح عين العاصفة، ونجح في إقناع رئيس الجمهورية برأيه، ونجح أيضا في إعادة العمال إلى عملهم، ولو ببعض التنازلات غير المؤلمة، والنجاح الأبرز لولد اوداعه هو أنه أظهر أنه لا يمكن لأي كان أن يلوي ذراع الدولة، ليحقق كلما يريد، حتى لوكان عمال اسنيم محقين في الإضراب، وتلك رسالة بالغة الدلالة.
أما الخاسر الأبرز في اتفاق إنهاء الإضراب فهو منتدى المعارضة، الذي بدأ استغلال الإضراب، وسير قبل 3 أيام مسيرة كبيرة في انواكشوط تضامنا مع العمال المضربين، وكانت المعارضة تأمل فعلا أن يضخ الإضراب دماء جديدة في شرايين المنتدى، ويبعث  فيه الحياة من جديد، بعد أن دخل موتا إكلينيكيا منذ شهور، فالمعارضة المنقسمة على نفسها في كل شيء وجدت في إضراب اسنيم فرصة لتوحيد أطيافها، ولملمة شتاتها، لتوجيه ضربة للنظام من الشمال هذه المرة، وكانت المعارضة تأمل أن تستغل توقف تصدير الحديد للإجهاز على النظام بسرعة، عملا بالمثل الحساني القائل :" لحديد يبتط ألا حامي".
بعد أقل من 48 ساعة من مسيرة المعارضة المتضامنة مع عمال اسنيم المضربين، وبينما كانت المعارضة تلتقط أنفاسها بعد مسيرة شاقة من " آفاركو" وحتى وزارة النفط، جاء الخبر غير السار من ازويرات.. لقد انتهت الأزمة، وربما فشلت اللعبة، اتفاق ينهي إضراب عمال اسنيم، والشركة، والعمال يرحبون به، تجاهلت المعارضة هذا الحدث الوطني - على أهميته- فلا بيانات ترحب، أو تندد، أو تعلق، وكأن المعارضة تريد أن تقول لعمال اسنيم: نحن معكم فقط عندما تكونون جياعا، ومأزومين، أما وأنتم فرحين فلا تعليق منا!!.
لقد رفض عمال اسنيم منذ البداية تسييس إضرابهم، لكن توقيع الاتفاق بعد ساعات من مسيرة المعارضة في انواكشوط يرسل رسالة بالغة الدلالة للمعارضة، فالعمال قالوا بلسان الواقع للمعارضة: لا نريد أن تستغلوا جوعنا لتحقيق مكاسب لكم عجزتم عنها بشتى السبل، وكأن العمال استشعروا هذا الخطر القادم من المعارضة هذه المرة، وبادروا إلى تويقع الاتفاق، وإنهاء الإضراب، والعودة إلى عملهم، لتكون المعارضة بذلك أكبر الخاسرين من هذا الاتفاق، وتجد نفسها مضطرة للبحث عن قضية جديدة تستغلها كوقود لمعركتها مع النظام، بعد أن رفض عمال اسنيم لعب هذا الدور.
انتهى الإضراب إذا، وعاد قطار اسنيم إلى سكته الصحيحة، ليبقى قطار المعارضة متوقفا، في انتظار قوة دفع جديدة، قد توفرها أروقة الحوار، بعد أن فاتهم القطار، أعني قادة المعارضة

5. أبريل 2015 - 18:05

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا