ظهر مصطلح "الدولة العميقة" كنتاج للتجربة التركية السياسية ويقصد به حسب الموسوعة الحرة ويكيبديا "مجموعة التحالفات النافذة(المؤسسات العلمانية) المناهضة للديمقراطية داخل النظام السياسي التركي "
اما الدولة العميقة في بلادنا فهي بلا ايديولوجيا
مثل ماعند مثيلتها التركية لكنها تدافع عن مصالح وامتيازات مجموعة ذات نفوذ واسع تضم بين ظهرانيها شيوخ القبائل ومشايخ الروحيين ووجهاء وأذيال المستعمرالسابق وأعضاء برلمان وسياسيين ورجال أعمال وعسكريين وقضاة ومثقفين وفنانين وإعلاميين...
مشكلة بذلك مجموعة من التحالفات وشبكات العلاقات الممتدة داخل جسدوطننا أفقياورأسيا وهي بدون شكل أو تنظيم محدد وملموس ولا يعرف افرادها بعضهم بعضا لكن ومع كل ذلك فإن شعبنا الأبي يعرفهم بسيماهم ،هم أولئك الذين انتهجوا الترحال السياسي سلوكا تراهم ينتقلون من حزب إلى آخرومن نظام إلى آخرومن تحالف إلى آخر,فكانوا شعبويوحزب الشعب و هيكل الهياكل وجمهوريو الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي وهم الآن اتحاديو الاتحاد من أجل الجمهورية و منهم من تقمص شخصية المعارض اوالموالي وحتى المستقل ومن مات منهم ورثه ابنه أو ابنته.
هم الذين ساندوا وطبلوا وزمروا بل وشاركوا في تنفيذ جل الانقلابات العسكرية التي عرفتها بلادنا عن طريق الذراع التنفيذي والأمني للدولة العميقة وقلعتها الشامخة والتي هي بدون شك زمرة العسكريين المحكومين بواقعهم الاجتماعي و الأسري أكثر مما هم محكومين بنزعتهم المهنية والذين هم أصلا صنيعتها.
وهم بذلك الذين سطروا وكرسوا الأدبيات السياسية الحالية حيث الزبونية والمحسوبية والانتهازية والجشع والتبعية الجهوية والقبلية وحتى الإثنية والشرائحية ،هم بكل بساطة أولئك الذين حادو بالمسار الديمقراطي عن طريقه .
صحيح أن وجود هذه البنية السرية التي تدير دفة السياسة في بلادنا كان ولا يزال ضروريا وضمانا لاستمرارية وجودنا حيث لا يمكن للدولة في غيابها أن تقوم لعدم توفر البديل الذي بدونه وفي ظل الاستقطاب السياسي والجو المشحون باللامساواة العرقية والاجتماعية والسياسية سرعان ما يمتلئ المكان بدوامة من الإضطرابات و الصراعات وهذا طبعا ما لا يرجوه أحد بل ما يجب على الجميع (الشعب والنظام والمعارضة والموالات) منع حدوثه.
لقد مارست هذه البنية الخفية الإصلاح الذاتي في كل مرة تستشعر فيها بقرب نهايتها وذلك عن طريق عملية الإنسلاخ من نظام لآخر مع إعادة بناء وترتيب ذاتي داخلي لعناصرها دون المساس بطبيعة أركانها او نصيبهم من الكعكة في شكل يشبه الإنسلاخ لدى الأفعى حيث تغير جلدها لكن لا تغير أنيابها.
أما التغييرالمنشود والذي سيضمن الإستمرار في استكمال مسيرة التحول الديمقراطي في بلادنا على نحو آمن وسلمي فهو إصلاح الدولة العميقة من الداخل بمشاركة كافة القوى الحية والطاقات الوطنية وذلك بقبولها والتعامل معها وفق اسس وآليات جديدة كتنفيذ سياسية الحجر السياسي على بعض الخلايا السرطانية من فلولها الحاليين وضخ دماء جديدة في هيكلها من الكفاءات المستقلة والشابة والسعي الجميع إلى عزل الجيش عن الحياة السياسية تدريجيا وحشره في الزاوية التي وجد من اجلها والتي هي أسمى وأقدس من ممارسة السياسة مع حث الأحزاب السياسية في بلادنا على أن تتخذ من الديمقراطية أسلوبا وممارسة في عملها الحزبي وتطبق مبادئها وقيمها في نُظمها بالإضافة الى السعي لخلق إعلام وطني واعي ومستقل مما سيمكن من تشكيل قطب نخبوي إصلاحي داخل دائرة القرار للدولة العميقة يتولى مسؤولية تبنى سياسات وقرارات الإصلاح اللازمة لتجسيد مشروع التغيير الذي سيفضي إلى تحقيق إجماع وطني حول بناء ديمقراطي راسخ ومتين وتحييد خيار المواجهة الذي أعطى نتائج كارثية بل وحتى عكسية في دول "الربيع العربي ".