لماذا كلما أزفت زيارة تفقد واطلاع من رئيس الجمهورية إلى إحدى ولايات الوطن تداعت القبائل والإثنيات المنحدرة منها إلى اجتماعات تحضيرية ولقاءات تمهيدية باعتبار أنه يقع على عاتقهم "إنجاح زيارة رئيس الجمهورية" ، وباعتبار أنهم ساسة تلك المنطقة و أهل الحل والعقد فيها ؟
إنك تراهم يرتحلون زرافات ووحدانا ليسبقو الرئيس إلى عين المكان لدرجة أنهم يحجبون السكان الأصليين ويطغى حضورهم على أولئك المواطنين " العاديين " ، إنهم ينظرون إلى هؤلاء على أنهم أتباع ورعاع لا شأن لهم في شيء من علياء الأمور .
الأمر الذي يدعونا إلى أن نتساءل أولا عن ماذا يقصد بنجاح زيارة رئيس الجمهورية ؟
ثانيا ماهو معيار الإنتماء إلى هذه الولاية أو تلك ؟
إن نجاح زيارة رئيس الجمهورية يقصد به الوقوف على حقيقة الوضعية التي يعيشها مواطنو الداخل ، والإستماع مشافهة إلى شكاويهم ومطالبهم التي يتوانى الولاة والمسؤولون عن توصيلها بأمانة.
إنه يعني معاينة المشاريع الجاري تنفيذها وتفقد مدى تقدم الأعمال فيها وكذا استشراف آفاق التنمية والعوائق التي تعرقل تحسين الخدمة العمومية ، والمستوى المعيشي للسكان والوضعية الصحية والتعليمية لهم .
إنها ينبغي ألا تكون مجرد فلكلور تضرب فيه الدفوف وتسرج فيه الخيول والجمال، ولا ينبغي أيضا أن تكون تظاهرة سياسية يتداعى لها ممتهنوا بيع الضمائر والتزمير للحكام وتزوير الحقائق أمام أعينهم.
إن هذه اللعبة أصبحت قديمة جدا ومكشوفة لدرجة لم تعد تنطلي فيها على حاكم ولا على محكوم .
إن الظهور بالمظاهر الإحتفالية والمراكب الفارهة ومهرجانات الإنتصار ونحن نعيش هذه الحالة المدقعة من الفقر والبطالة والتردي في مهاوي الجهل والتخلف والفساد والرجعية هو قمة النفاق وخداع النفس والكذب على الجاهير والتمثيل بجثة الوطن .
إن الزيارة الناجحة هي التي يعقبها اتخاذ مجموعة من القرارات المدروسة : مكافأة، عقوبة ، توجيه استثمارات نحو ميادين واعدة .
وليست تلك التي تعقبها إقالة فلان لأنه لم يظهر في الزيارة حيث تحسب عليه المنطقة ، أو تعيين فلان لفلان الذي أبلى بلاء حسنا وجمع القبيلة تحت لواء الطاعة .
هل نحن نعيش في دولة مدنية تقوم على أساس المواطنة وأخذ الحقوق وأداء الواجب ، أم أننا نعيش في زمان بكر وثقيف ؟
إنه لا يخفى عليكم ما تقوم به الإدارة والأطر المحلية من طمس وتلبيس للحقائق ومحاولة إظهار الواقع على عكس ما هو عليه حقيقة من خلال وسائل تقليدية وطرق مكشوفة أكل عليها الدهر وشرب .
أما عن معيار الإنتماء إلى هذه الولاية أو تلك المقاطعة سياسيا فإن المفهوم المتعارف عليه يمتاز بالرجعية ويرسخ القبلية والجهويو والطائفية ، ذلك أنك تجد أحدهم ولد في انواكشوط وعاش فيه وتربى ويقطن فيه سائر عمره إلا أنه في مواسم السياسة والزيارات الرئاسية يتذكر أن له أصلا وجذورا هنالك وأن له شعبية وتبعية ينبغي عليه تعبيتها لصالح اختياراته السياسية .
إننا قد نقبل هذا شيخ أو شائب ولكننا لا نقبل من جيل الشباب .
أعتقد أن الذي ينتمي حقيقة إلى مدينة "كيفة" مثلا هو ذلك الشخص الذي يقيم فيها اعتياديا أكثر من ستة أشهر من السنة وله ارتباطات حقيقية بها : عمل ، أسرة .
أما أنتم أيها الموسميون فمرحبا بكم ضيوفا وزائرين ووفدا مرافقا لرئيس الجمهورية لكنه ليس من المحبذ هجرتكم فقط في أوقات كهذه ثم تختفون عند نهاية كل زيارة .
وأخيرا أقول لكم أقول لكم لو كان غرض رئيس الجمورية هو لقاؤكم والإجتماع بكم لوسعه أن يدعوكم في قصر المؤتمرات أو في الرئاسة ويوفر عليكم ثمن البنزين ووعثاء السفر .
أما أنا فأتمنى اليوم الذي يمكنني فيه أن أستقبل الرئيس في روصو أو أطار دون أن يسألني أحدهم "انت اثرك من أهل الولاية " .
المصطف ولد بيه