لا بد في البداية من التأكيد على أمرين مهمين قبل الدخول في تحليل هذا الصراع الدائر على رئاسة اتحاد الأدباء و الكتباب الموريتانيين هما :
1- أنني لست عضوا فيه ولم أتقدم يوما لعضويته حتى تلغى عضويتي أو يرفض انتسابي ضمن من رفض انتسابهم ؛ لأني لا أريد أن أنتسب إليه مالم يسلك سبيل
الرقي بالأدب ليتبوأ المكانة اللائقة به وبأهله وبتاريخ هذا البلد وسمعته في هذا الجانب .
2- أنني لا أعرف الرجلين المترشحين لرئاسته معرفة شخصية؛ لكن من خلال متابعتي لما ينشر عنهما في الأيام الأخير تبين لي أن أحدهما تكلم أكثر مما كتب ، والآخر كتب أكثر مما تكلم.
أردت من خلال التأكيد على الأمرين السابقين تقرير أمر مهم أني لا أقف مع أي من المرشحين بأي وجه من الوجوه فالجميع بالنسبة لي سواسية في ظل وضع الاتحاد الحالي ..
ظل الاتحاد قرابة أربعين عاما يعاني من رتابة الأنشطة وقلة الإبداع مهمينا عليه من طرف مؤسسيه الأوائل الذين كان لهم الفضل في إخراج إطار يجمع بعض الأدباء وإن ظل ناصع الصورة على الأقل من حيث تسييره؛ إذ لم تثر حوله شبهات في هذا الجانب بشكل كبير ؛ غير أن الاتحاد لم يعمر طويلا معه ذلك النفس الثوري الذي رافق نشأته ، فمن زمن طويل ارتمى في أحضان السلطة بصورة أو بأخرى ربما لأسباب وجيهة منها أن أغلب التيار الذي كان يمسك بزمامه آثر السير في فلك السلطة على مواصلة النضال ورفع صوت المظلومين ...
لقد تعزز ارتماء الاتحاد في أحضان السلطة أكثر عندما أمسك الرئيس الحالي برئاسته؛ حيث أصبح في عهده هيئة من هيئات وزارة الثقافة التابعة لها تمول أنشطته وترعاها ، تسخدمه في تنظيم المسابقات من أجل البيئة وضروة المحافظة عليها، تغدق عليه من العطايا والهدايا ( رئيسه الحالي مكلف بهمة في وزارة الثقافة ) كل هذه الأمور أفقدت الاتحاد بوصلته التي نشأ من أجلها وهي الذود عن حياض الكلمة الجميلة ، والرفع من شأن الحرف وكاتبيه ، وتطورير نشأة المبدعين في ظل صرح إبداعي يثبت منضووه صدقية اسمه ...
ما الذي يجري في الاتحاد ؟ تنافس من أجل الحرف والإبداع ؟ أم صراع الدولة العميقة والدولة الأعمق ؟
يجانب كثيرون الصواب عندما يؤكدون أن ما يجري ما في الاتحاد تنافس إيجابي هدفه صون الحرف والحفاظ على نصاعته ، والرغبة في تطوير الاتحاد والقيام بعملية إصلاح داخله ، كما يجانبون الصواب حينما يصورون الأمر على أنه صراع قبلي وجهوي على الإمساك بتلابيب الاتحاد المنهك إبداعا وألقا ، وجمالا وجلالا ، الأمر ياسادتي ليس هذا ولا ذاك ، الأمر بكل بساطة صراع الدولة العميقة والدولة الأعمق على الإمعان في تدجين هذا الصوت والتحكم فيه أكثر واستخدامه كأداة من أدواتها لتحييد سلاح الكلمة الفتاك عن أيدي من ما زال يحمل بين طياته نفسا ثوريا، نعم تسخدم الدولة العميقة والدولة الأعمق كل الأسحلة المحرمة أخلاقيا وأدبيا وقانونويا ( الجهوية القبلية العرقية ) في صراعها ؛ فهي ميكافيلة الهوى والممارسة ( الغلية تبرر الوسيلة )
ربما يقول أحدهم هذا اتهام خطير ما دليك أن مايجري في الاتحاد هو صراع بين الدولة العميقة والدولة الأعمق ؟ أقول لأولئك الأمر لا يحتاج إلى كثير من التعالم والتثاقف والغوص والتحليل، تكفي نظرة سريعة على مواقع المرشيحين لرئاسته ومواقفهم ستعطيكم الإجابة الشافية؛ أحد المرشحين قدم نفسه أنه من بين مؤسسي وقيادات حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ، والآخر يشغل وظيفة مكلف بمهمة أو مستشار في وزارة الثقافة من زمن طويل وما زال في نفس الوظيفة ، أضف إلى ذلك أن كلا المرشحين يدعي أنصاره أنه الممثل الحصرى للسطلة القائمة وأنه مدعوم منها؛ وبالتالي طرفا الصراع الدائر الآن في اتحاد الأدباء لا ينفيان علاقتهما بالسلطة القائمة بل يفتخران بها ويجعلانها ميزة من ميزات مرشحيهما ...
هذا التنافس على القرب من السلطة وهذه العلاقة "الظاهرة" بها و" الباطنة " تجعل الصراع محصورا في الاتحاد بين الدولة العميقة والدولة الأعمق؛ أو بمعنى آخر بين مرشحين أحدهم " فيه بعض دسم " والآخر " منزوع الدسم " ؛ أو بصورة أكثر وضوحا أحدهما مكشوف الظهر ، وآخر ضعيف السند ..
خلاصة الأمر فيما أرى أن على أهل الأدب الحقيقي أن يرفعوا شعارا : هذه ليست معركتنا ، وهذا الاتحاد ليس اتحادنا ؛ إما أن يقودوا جولات من النقاش مع الممسكين بتلابيب الاتحاد تفضي في النهاية إلى إيجاد صرح أدبي يشجع الإبداع ويصون الحرف ، أو يؤسسوا كيانا أدبيا ناصعا؛ وهي فكرة أشار إليها الأديب الكبير الشيخ ولد بلعمش في مقاله الأخير ، الأمر لا يحتمل غير هذين الخيارين
أما الدخول في هذا الصراع الدائر الآن هو محض جهد ضائع لا يستفيد منه الأدب ولا أصحابه ؛ فالكل في النهاية جزء من الدولة العميقة فقط تختلف درجة التحكم في هذا الطرف أو ذاك ..