العصابة... وملاك الطوائف / التراد ولد الإمام

من المفروض أن يعيش الشعب في ظل الدولة المدنية في انسجام وتساو في الحقوق والواجبات له ماله وعليه ما عليه، يختلف في الرغبات والطموح يمتاز بالتكيف مع الظروف "الساحل والصحراء" يختلف في الاتجاهات والآراء ينضوي أغلبه تحت أحزاب سياسية وله انتماءات و ولاءات.

طبيعي أن تكون هناك معارضة للسلطة "النظام" ومعارضة لا من أجل المعارضة وإنما من أجل التوازن والتقييم من جهة والنقد و النقد البناء من جهة أخرى.
طبيعي أن يكون هناك مستقلون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء "لا الطاعة العمياء ولا الجفاء و النكران" وطبيعي أن تكون هناك موالاة "لا مغالاة" تستقبل و تثمن وتشد  على أيدي رئيسها و تقول له أنه "هو" وأن موريتانيا الجديدة بحاجة إلى قائد مفدى همام يروض النهر والسهل والبغال والحمام، وبحاجة إلى قائد عظيم يطعم الجياع ويسقى العطاش ويتفقد الطير، يعرف الأرض شبرا بشبر يعرف خصوصيتها وطبغرافيتها جافها ورطبها ومعادنها في برها وبحرها ومقدراتها ناضبها ومتجددها.
بحاجة إلى عظيم يعي ويضع حسابا للاختلالات: المعادن في الشمال والسمك في الغرب والثروة الحيوانية في الشرق والزراعة في الجنوب والجنوب الغربي.
بحاجة إلى عظيم يسعى إلى ربط الحبوب بالتمور والمعادن بالحبوب، بحاجة إلى عظيم يسير على طريق الأمل أو نصف الطريق "صراط الحياة" و "عنق الزجاجة" فما منكم إلا واردها ... !!
بحاجة إلى عظيم يحيي ويقتفي أثر القوافل ويبادل الملح بالذهب على محور الآبار إلى عظيم يبادل السمك بالسلع والبهارات يفرض الشروط ولا يستكين عظيم يفرض نظام المسافنة "النقل من سفينة إلى سفينة" وتفريغ الحمولة في الموانئ يحرم صيد الرخويات ويفرض الإتاوات على الأوربيين.
عظيما يقدر عاليا جهود العمال "الدائمون والمياومون" عظيما يولي اهتماما لكبريات الشركات كالشركة الوطنية للصناعة والمناجم "سنيم" التي هي أهم شريان في الاقتصاد الوطني ومصدر للعملة الصعبة وسلعة غير متجددة ويتأثر سعرها حسب العرض والطلب.
عظيم تراقب سلطته "سلطة التنظيم" تكالب شركات الاتصال وتفرض غرامات على المتلاعب منها و المتالئ معها.
عظيم يوفر البضائع في مخازن الإيراد و التصدير لتحد من مضاربات الأسواق، عظيم يخلق فرص عمل للشباب العاطلين عن العمل في مشاريع الألبان أو قصب السكر، عظيم يسعى إلى إقامة حكامة رشيدة، عظيم من العيار الثقيل ـ في نظر البعض ـ طبيعي أن تقام له الاحتفالات وتضاء له الشموع لكن من غير الطبيعي الظهور العلني للمجموعات والقبائل ـ خارج النطاق الحزبي ـ وتنافسها في الميدان على مرئى ومسمع من الإدارة بل بأمر منها ومباركتها أحيانا، لهو تصرف مغلق ستكون له تداعياته في القريب العاجل.
بدأت ألاحظ هذه الظاهرة في الشرق الموريتاني في السنوات الأخيرة وذلك بإقامة مهرجانات خطابية ومسيرات تجوب أرجاء المدينة على نفقة الجهة المنظمة بيوم أو يومين قبل قدوم الوفد الرسمي وإعطاء زخم لهذه المسيرات لتتلقفها وسائل الإعلام حتى تبلغ مسامع النظام وأجهزته.
إن التنافس المحموم بين القبائل وإظهار التفوق المادي والمعنوي يعيد إلى الوجود ظاهرة "الصنكة" أو "الحصرة" التي سبقت أو تزامنت مع قيام الدولة الموريتانية الحديثة كان ذلك بهدف توحيد المجتمعات وصهرها في بوتقة واحدة والتي على أساسها قامت الدولة.
أما اليوم فإننا نشهد انفراطا لذلك العقد وتعالي أصوات: طائفية أثنية حرفية قبلية جهوية عشائرية...إلخ، فماذا لو قويت شوكة تلك المجموعات والقبائل وشكلت أحلاف: متخالفة، متوازنة، متعارضة وتعارضت المصالح مما قد ينجم عنه صراع على الأرض والحمى والحدود والنفوذ.
لا نقف أبدا في وجه القبيلة لأنها النواة والملاذ لكن دورها يجب أن يقتصر على المسائل الودية كالخلافات والنزاعات الأسرية ذات الطابع المحلي أو هي على الأصح المولد الكهربائي الاحتياطي يضيء عندما ينطفئ أو يطفأ مصباح الدولة أو يختطف.
هي إذن مخاطر بدأت تطفو على السطح ويروج لها البعض عن قصد وسبق إصرار أو للتشويش أو دفعهم اليأس والإحباط إلى ذلك، لكن العدل والعدالة الاجتماعية والحوار والصدق مع النفس والغير كفيل بإذابة كل الخلافات وتذليل الصعاب ليجنب البلاد البلابل والقلاقل لتعيش موريتانيا آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا.
عاشت موريتانيا حرة موحدة باختلافها وثرائها وتنوعها.

24. أبريل 2015 - 15:16

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا