اللوامع كبرى الموسوعات الفقهية في موريتانيا / محمد يحيى بن محمد بن احريمُو

حصلت اليوم بحمد الله وتوفيقه على نسخة من كتاب: "لوامع الدرر في هتك أستار المختصر"، للعلامة الكبير محمد بن محمد سالم المجلسي (-1206-1302هـ) الذي صدر أخيرا عن دار الرضوان .  !.
الكتاب هو أحد مؤلفات العلامة محمد بن محمد سالم أو موسوعاته المعروفة بالسباعيات

- لأن كلا منها 7 مجلدات -، وهي: " الريان في تفسير القرآن" و "النهر الجاري على صحيح البخاري" و" لوامع الدرر في شرح المختصر". لقد أراد هذا العالم الموسوعي المتبحر أن يجعل من مؤلفاته هذه جمْهَرةً أو دائرة معارف في موضوعها تجمع ما تفرق من علوم الإسلام. مع الارتباط بأهم النصوص:  القرآن العظيم، صحيح البخاري ومختصر خليل. 
.
تميزت الكتب الثلاثة بطول النفس والتحرير وكثرة النقول وتعدد المراجع ، بحيث إنه أراد أن تكون  " مما يغني عن جميع الكتب ولا يغني عنه غيره".لهذا فإنه في كل موضع يمر به يحاول أن لا يترك شاردة ولا واردة إلا أتى بها فيحشر الفروع المتعددة والنقول المختلفة ، من كل ما له صلة بالموضوع، ثم يطلق العنان لقلمه مقارنا ومرجحا وناقدا بصيرا، فيتدخل دائما لنقاش العلماء الذين سبقوه ويبين رأيه في كثير من المواضع، ويستنبط ويوجه ويستدرك. فمع ما تحلى به من ورع وتثبت إلا أن شخصيته العلمية كانت حاضرة دائما فيما يكتب وهو أمر نادر في علماء عصره..
هذا مع ضخامة كتبه التي يقع كل واحد منها في 7 مجلدات كبار، تكون عند الطباعة 14 مجلدا كما حصل مع اللوامع، ومجموعها لو طبعت 45 مجلدا.
وبذلك يكون اللوامع أكبر شروح المختصر من حيث الحجم وأجمعها لمسائل الفقه وفروعه،وهو من أوسع ما ألف في مذهب مالك على الإطلاق.
والغريب أن محمد بن محمد سالم  ألف هذه الكتب في فترة وجيزة مع صعوبة الظروف فقد عاش في البادية يرتحل يمينا وشمالا يتتبع مساقط المطر في المنطقة الممتدة من عيون المدلشي ( مدينة العيون - المغرب) ‘ إلى تخوم انواكشوط، وتبلغ هذه المسافةُ حوالي 1500 كلم. فليس تأليفه لهذه الكتب إلا كرامة أكرمه الله بها فإنه كان معنيا بالتدريس والفتوى والإمامة ، مع عبادته وكثرة أوراده وصلواته ولكن من اتّقى الله أعانه ووفقه لكل خير وبارك في حياته!!!
فكيف لمن تفرغ في عصرنا هذا في المدينة وحياة الرفاهية وتوفر الكتب أن يؤلف مثل هذه الكتب في أربعين سنة أحرى في فترة وجيزة؟!.
أعجب العلماء بتآليف العلامة دب سالم وأثنوا عليها كثيرا، ومن ذلك ما قاله ملك المغرب السلطان مولاي عبد الحفيظ في مقدمة كتابه العذب السلسبيل في حديثه عن علماء شنقيط وعلاقته بهم: (ما بعد: فإنى منذ زمن الشباب ، وقلبى مشتاق للعلم وأهله من ذوى اﻷلباب، حتى جمعنى الله مع كثير من العلماء واﻷولياء ذوى العقول واللطائف ،... فازداد قلبى لهم حبا ، وتيهونى فما ملكت معهم عقﻻ وﻻ لبا ، وﻻ سيما علماء شنقيط ، الذين تحلوا بحلى ﻻ يكاد القلم بها يحيط ، ولى فيهم والحمد لله عدة أشياخ سامرتهم ومارستهم فى قراءتهم وعبادتهم .
هكذا هكذا وإﻻ فﻻ ﻻ
طرق الجد غير طرق المزاح
حتى تعلمت ما شاء الله أن أتعلم ، فسروا القرآن ، وشرحوا الحديث وألفوا فى اﻷصول ، وما تركوا علم المعقول والمنقول ، من تآليفهم الريان في تفسير القرآن ولوامع الدرر على شرح المختصر والنهر الجارى على البخارى ، ولم نر للمتأخرين من علماء بلدنا تفسيرا وﻻ تعليقا وﻻ تقريرا على البخاري)..
هذا كلام السلطان مولاي عبد الحفيظ وهو قد تتلمذ لأبناء مايابى الذين درسوا في محضرة أهل محمد سالم، وأما ما قاله علماؤنا في تقريظ هذه الكتب والإشادة بها فهو يفوق الحصر ومن أشهر ذلك أبيات الشيخ محمد المامي التي يقول فيها:
: نهج اللوامع مثله مفقود = بين الأنام ومدعيه حسود
جادت به من نجل سالم فكرة = ما إن لها في العالمين وجود.
تذكرني موسوعية ابن محمد سالم واهتماماته المتعددة بكوكبة من علماء الإسلام من أمثال ابن عبد البر وابن العربي وابن الجوزي وابن جرير الطبري وابن تيمية وابن القيم وتقي الدين السبكي وجلال الدين السيوطي والشوكاني وغيرهم من العلماء الذين لم يقنعوا بنظرية التخصص، فألفوا في كل فن  وتركوا ذكرا خالد في كل مجالات المعرفة الاسلاميةوالعربية.
قال الأستاذ محمد رشيد رضا لما طبع مغني ابن قدامة والمحلى لابن حزم وكتبا أخرى من عيون التراث الإسلامي: إنه لم يعد يخاف على كتب الفقه فقد طبع بعد طباعة تلك الكتب، وأنا أقول: إنه لاخوف على مذهب مالك بعد ما طبع البيان والتحصيل وتبصرة اللخمي وتوضيح خليل وطبع اللوامع.
اطلعت على بعض أجزاء اللوامع وغيره من كتب الشيخ قديما عندما كنت أدرس في المحضرة السالمية في انواكشوط، ولما سمعت بالمساعي الكريمة التي بذلها الشيخ الفاضل أحمدُّ سالك بن أبوه لطباعة اللوامع تعلقت بالحصول عليه،فأهدى إلي أحد الأساتذة الأفاضل من أحفاد المؤلف نسخة منه، جزاه الله خيرا وشكر سعيه، هذا الأخ الكريم فقد صدق عليه قول الشاعر:
سأشكرُ عَمْراً ما تراختْ منيَّتي = أياديَ لم تُمنَنْ وإنْ هي جلَّتِ
فتًى غيرُ محجوبِ الغِنَى عن صديقهِ = ولا مُظهرُ الشَّكوى إذا النَّعل زَلَّتِ
رَأى خلَّتي من حيثُ يَخْفى مكانُها ... فكانتْ قَذى عينيهِ حتَّى تجلَّتِ.
وقول أبي الطيب المتنبي -طيب الله ثراه وخلد ذكره- : 
وقد حمَّلتني شُكْراً طَوِيلاً = ثَقِيلاً لا أُطيقُ بِهِ حَرَاكَا .
رحم الله العلامة محمد بن محمد سالم المجلسي وأسكنه جزيل جناته، وأسبغ علي حفيده المفضال من نعم الإيمان والعافية ما يطيب به العمر وتنعم به الحياة، والحمد لله أهل الثناء والمجد.

 

25. أبريل 2015 - 9:05

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا