تابعت في الأيام الماضية الجدل الدائر على صفحات الفيس حول استقبال نواب حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية ( تواصل) للرئيس محمد عبد ولد العزيز في العصابة وقبلها الطينطان ، هذا الجدل دائر بين معارضين تباينت رؤاهم حول هذه الخطوة بين من يراها انحرافا عن الخط المعارض ،
وبين انحيازا لمصالح الشعب ، والجميل في هذا الجدل أنه لم يقتصر على معارضين من خارج " تواصل" بل دار بين مناضلي حزب تواصل المعني الأول بالموضوع ؛ وهو مؤشر على مستوى الوعي النخبوي في هذا الوطن ، وعلى نوعية فهم النخبة للمعارضة ؛ وحول هذا الفهم تدور هذه المحاولة المختصرة ...
يحتاج كثير من متعاطي الشأن السياسي عموما والمعارض منه خصوصا أن يحرروا معنى أن تكون معارضا ؛ هل معناه القطيعة المطلقة مع الطرف الآخر ؟ أم معناه رفض الواقع مع استغلال مساحات الفراغ من أجل القيام بفعل إيجابي يخدم المواطن في انتظار التحول إلى موقع الحكم ...
1- معارضة الوهم :
يبالغ كثير من المعارضين في مطاردة الوهم عندما يبنون في أذهانهم نمطا من المعارضة الحالمة التي ترى في الطرف الآخر شرا مستطيرا لا يجب التلاقي معه مهما فعل ، وتحت أي ظرف كان ، يبالغ هذا النمط من المعارضة الواهمة في هدر الفرص التي تتاح له والمساحات التي يستطيع من خلالها إظهار قدرته على التعاطي مع الشأن اليومي للمواطنيين إدارة وتدبيرا ؛ وهو ما يعطي صورة إيجابية تجعل المواطن العادي يطمئن على مصالحه في حال وصل هذا الطرف المعارض إلى سدة الحكم في يوم من الأيام ؛ أما أن يبقى المعارض يطارد خيوط الوهم ، ويبني مدنا الخيال الفاضلة بعيدا عن الواقع وإشكلاته ؛ فهذا هو الوهم بعينه ...
إن بين الخيال والحقيقة فرق شاسع تماما مثل الفرق الكبير بين التنظير والتطبيق ، من السهل أن يعيش الواحد منا في برج عاجي من التنظير ؛ لكن من الصعب أن يحول هذا التنظير إلى عمل ميداني عندما ينتقل من منطقة الحلم إلى الحقيقة من التنظير إلى التطبيق ، والأمثلة كثيرة ...
الموقف محدد :
أضف إلى ما سبق أن موقف الطرف المعارض من أي نظام يعتبر محددا لشكل التعاطي معه؛ فإن كانت المعارضة لا تعترف بالنظام القائم يمكنها أن ترفض التعاطي معه انطلاقا من موقفها منه – وإن كان هذا الرفض ينبغي أن لا يضر بمصالح المواطن - ، فذلك أكثر انسجاما مع مقضيات موقفها ، أما إن كانت تعترف به نظاما حاكما وتعارضه سياسة وتدبيرا ؛ فليس من الحكمة السياسية أن تتعاطى معه بمنطق الأبيض والأسود؛ أي بمعنى "المعدمة المفرطة" ، أو " الابراكماتية المطلقة" ..
2- معارضة الفهم :
في مقابل معارضة الوهم توجد معارضة الفهم ؛ وهي المعارضة التي ترسم أهدافا مثالية تريد الوصول إليها ؛ لكنها تفهم الواقع وتعيشه ، تستغل الفرص التي تتاح لها ، وتتحرك في المساحات التي تفتح أمامها ، تلتحم بالمواطن خادمة ومستخدمة ، خادمة له بالفعل الميداني الإيجابي ، ومستخدمة له في تسريع وتيرة التغيير من خلال تعميق وعيه وترسيخ الفعل السياسي الإيجابي ...
تمتاز معارضة الفهم بالقدرة على صناعة الفعل السياسي الإجابي في زمن التكلس السياسي ، وعلى استغلال المساحة الواسعة بين التفرج المطلق والعيش في طرف النقيض من حياة التدافع الميدانية ، وبين الارتماء المطلق في حضن السلطة والسير ظلا لها ، بين البياض والسواد توجد كثير من الألوان يحتاج السياسي المعارض إلى اكتشافها واستغلالها ، فالعمل المعارض التغييري عمل تراكمي يجمع بين مقارعة السلطة القائمة ، والعيش مع المواطن (الهدف) وخدمته بما يتاح من فرص ، واستغلال ما يوجد من مساحات ..
الموقع حاكم :
يعتبر الموقع السياسي للطرف المعارض حاكما على تصرفاته ، وموجها لقراراته ، ونقصد بالموقع هنا الموقع في الخريطة السياسية ، والموقع على الأرض ؛ فإن كان للطرف السياسي المعارض موقع معتبر في الساحة السياسية ليس من مصلحته التخلي عن موقعه وما يتيحه له من حضور سياسي يراكم به وجوده على الساحة مما يؤهله أن يحتل مكان السلطة القائمة في يوم الأيام ، كما أنه ليس من الحكمة التخلي عن الموقع على الأرض ، والتواري عن الأنظار ، وترك المواطن ( الهدف) يعيش لوحده في لحظات حرجة حينما يكون محتاجا لمن يوجهه ويقوده إلى بر الأمان يحقق له بعضا من مطالبه ورغباته ، ولا يتركه فريسة لعرابي السلطة يبيعونه الوهم ويزيفون الواقع الذي يعيشه ...
خلاصة الأمر – من وجهة نظري – أنه ينبغي على المعارض أيا كان أن يرسم الأهداف المثالية الكبرى ويسعى لتحقيقها وفق معطيات الواقع ، وأن يزاوج بين "المعارضة الحالمة" ، و"المعارضة الفاهمة" ، بمعنى أن لا يخلد إلى "المعدمية المفرطة" ، ولا ينجرف إلى "الابراكماتية المطلقة" ؛ فبين الأمرين مسافات يجب استغلالها والاستفادة منها في خدمة المواطن وبناء وعي سياسي ، يرفض انحراف السلطة وفسادها ، ويوظف الفرص والمساحات التي تتيحها من أجل تسريع تغييرها ...