النفط.. نعمة الرشاد و نقمة الفساد / الولي ولد سيدي هيبه

مدخل على هامش العواطف
في الولايات المتحدة الأمريكية، فجر ظهور الصناعة النفطية على يدي إيدوين دريك و استخراجه للزيت في عام 1859 - و للأمانة بعيدا عن لغة العواطف- طاقات شعب خلاق و بالغ الطموح، و أسهم في إرساء الديمقراطية أولا ثم المساواة ثانيا مع إلغاء

و محاربة الرق و الرخاء ثالثا فالقوة رابعا و أخيرا. و إن أي شخص لا تحدوه أو على الأصح لا تسكنه نوازع الإنكار وغلبة عنجهية عمى البصيرة لا يمكنه إلا أن يسلم بهذه الحقيقية على الرغم من مرارتها علما بما أصبحت تسببه هذه القوة التي أصبحت فيما بعد الغاشمة من آلام و تعاسات للعديد من الشعوب و الدول المغلوبة على أمرها. وإذ للعداوة أحكامها ومقتضياتها إلا أن ذالك ليس مدعاة لصم الآذان عن الحقيقة واتخاذ إنكار الواقع سلاحا حيث أن الفشل و العجز عن تغيير الواقع يقبعان هنا إذ ذاك و يبددان الأمل و يسهمان في خور العزائم و الاستسلام لليأس.
ولئن كانت بعض الدول قد استوعبت أسرار هذا النجاح وتفوق الأمة الأمريكية بكافة أعراقها و بمختلف أصول سكانها و عملت من ثم على تقليدها حتى حققت قفزة نوعية على طريق الإنعتاق من قيود التخلف و التبعية كالصين الشعبية و الهند الاتحادية بملياريهما من السعرات الحرارية و ككوريا الجنوبية و تايوان و أندنوسيا الإسلامية، فإن الكثير الآخر ما زال يغط في سبات الحالمين العابثين بمصائرهم فوق ثروات طائلة من المعادن النفيسة و النفط و الغاز. و مما لا شك فيه أن ذكر هذه الدول يسقط حتما تلك النظرة التي لا تريد صياغة الأمثلة الدالة على الحيوية وقوة الإرادة بالغرب وهو ما فعلته كما أسلفنا هذه الأخيرة حتى حالفها النجاح في ولوج عصر التكنولوجيا و تمكنت من إثبات أنها ليست حكرا على دول بذاتها. و لكن ما حصل من سقوط النظرة هذه عند شعوب و دول يبدو مستعصيا على شعوب و دول أخرى. و تكمن الأسباب الحقيقية وراء هذا الرفض في تقوقعها داخل اعتبارات حضارية عفا عليها الزمن و تجاوزها المنطق السليم.
ويبدو جليا، بعد ما يناهز الخمسة و الخمسين سنة من مسيرة الدولة الموريتانية الجديدة المستقلة بحكم لغة العصر، لكل من لا يكابر و يعمي نفسه تغافلا أو لحسابات ضيقة أن الشعب الموريتاني لا يزال منتميا إلى هذه الفئة التي تأبى التحول المطلوب للخروج من خنادق التخلف و الجهل و المرض و الصراعات العقيمة على الحكم غاية و هدفا التي يحكم محيطها العام لا منطق الفوضى المدمرة الموروثة عن بعض ظلامية الماضي و ما أملته أحكام غياب الدولة المركزية المتمحورة اعتبارا و حكما و عملا حول تغير موازين القوة و صرامة القبلية و حضور الاثنية و العمل بمنهجية الطبقية و الفئوية الجهوية بكل أوجهها و أشكالها الموغلة في الاعتبارات التقسيمية التراتبية.
النفط و الغاز... نعمة أم نقمة؟
كثر الحديث عن النفط في مطلع الثمانينيات من القرن المنصرم مما قد ولد أيامها آمالا عريضة في ظهور طفرة تداوى جرب السنوات العشرين العجاف التي توالت على البلاد و العباد و كادت مع حرب ضروس 1975/1978 أن لا تبقى و لا تذر. و في بداية التسعينيات خبا وهج تلك الآمال وانصرف الاهتمام إلى مغازلة ما يدعى جزافا بالجهات المانحة. و ظل الحال كذلك حتى انتصفت العشرية عاد الحديث من جديد و بقوة هذه المرة عن تراخيص وضعت بأيدي الأوروبيين والصينيين و الأمريكيين و الأستراليين و غيرهم للبحث الحثيث عن النفط في البر و البحر.

و جدير بالذكر أن الدولة لم تكثر آنذاك من الحديث عن هذه النشاطات، التي كانت حسب ما يبدو، محمومة و متسارعة الخطى. و كان رئيس الدولة إذ ذاك العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع كثير الزيارات لولايات الداخل الذي دأب خلالها على تجديد الآمال لمواطنيه و الإعلان لهم عن قرب تحسن أحوالهم بفضل السياسات التنموية التى كانت توضع أيامها. و لم يشرع في الحديث عن النفط إلا بعد ما لم يكن ثمة بد من فعل ذلك حيث لم يعد سرا أن شركة [ووتسايد] الأسترالية التي اكتشفت و سبرت و قومت وأطلقت الأسماء على مجموعة من الآبار بدأت بجر منصة متنقلة بكامل عدتها و تجهيزاتها إلى حيث أول بئر[شنقيط] لاستخراج و تسويق نفطها. و اتضح بعد سنة واحدة من انطلاق هذه المرحلة أن عدم الإكثار من الحديث عن النفط و انعكاساته الإيجابية كان عن قصد و يشف عن عدم ربط مدخولاته بالعمل التنموي جملة و تفصيلا. وقد تأكد ذلك حينما تحول أمر استغلاله و تسويقه بأيدي ثلة قليلة من المقربين و المتنفذين في الحزب الجمهوري وبدرجة أعلى المشرفين على القطاع المكلف به. ولأجل أن لا تكون هذه الصفقات معلومة على نحو عام فقد عزلت وزارة النفط  بعيدا عن محيط الحكومة عموما و عن الشارع العام خصوصا ونصبت فى طرف العاصمة على طريق مؤدية إلى المحيط الذي يستخرج منه النفط. وقد جلبت هذه الصفقات السرية العار للبلد الذي أصبح ينظر إليه على أنه حظيرة يمكن لأي مبتدإ كشركة ووتسيد الصغيرة الحجم والضعيفة الصيت أن يجد في أحضانها مرتعا وأن يعيث في جنباتها فسادا. كما أن هذه الصفقات لم تجلب الأموال التي كانت البلاد في أمس الحاجة إليها وهي تواجه معضلات جمة من جراء فقر مدقع وتخلف دامغ وإنما أثرت أفرادا لم يحسنوا حتى التصرف في الأموال التي هطلت عليهم من سماء الرشوة ووصلت أيديهم من تحت طاولة نخاسة الوطن و هو الأمر الذي أضحى بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، ذلك بأن المهتمين بتنمية البلد من شركاء مؤازرين، مساعدين، ممولين ومساهمين ولوا ظهورهم حينما ظنوا أن طفرة وشيكة الحدوث و أن الحاجة إليهم باتت في طي الماضي. و طبعا فقد انجرت عن هذه الوضعية، التي خلقها غياب الوازع الوطني وموات الضمير وانتصار الأنانية، حالة من اختلاط الأوراق. ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه الشعب نتائج إيجابية تحسن من وضعه وتبث في عضده نشاطا وحيوية -لا شك أن البلاد كانت يومها و ما زالت في أمس الحاجة إليهما- كان الواقع المرير يسحب الأمور في عكس هذه الآمال. من ناحية أخرى كانت هذه الوضعية لتفسد كذلك النوايا في إطار العلاقات القائمة مع الدول المهتمة بتنمية البلدان الفقيرة والمتخلفة و ترشح تقليصا لأنشاطاتها المدرجة في هذا الإطار و إن هذا ما يجعل السؤال واردا عما إذا كان النفط نعمة أم نقمة. ثم إن ما آل إليه واقع تبديد هذه الثروة  كان أحد الأسباب التي أذكت جذوة المطالبات وأججت  عواطف الرفض لهذا الواقع كما قد عجل بالسعي إلى التغيير. وجاءت حركة الثامن عشر يونية من سنة ألفين وأربعة على حين غرة كادت أن تغير مجرى التاريخ لولا أنها لم تولد من صميم الجيش و قد فشلت في مسعاها رغم أن هذا الفشل  كان بمثابة الشرارة التي لم تزل تزداد وهجا حتى تحولت إلى نار اكتوى بها حكم العقيد معاوية على أيدي بعض  المقربين له حرصوا على أن لا تنزلق البلاد إلى حيز الفوضى العارمة فانتظموا في مجلس من الضباط السامين الذين امسكوا بزمام الأمور و أطلقوا وعدا بالإسراع في وضع أسس ديمقراطية مكينة و التخلي عن الحكم لرئيس منتخب من طرف الشعب.
وقد تجدد بمقدم هذا المجلس العسكري الأمل لدى الشعب في أن نفطه وكذا معادنه النفيسة كالذهب والماس ستلقى اهتماما جديدا بحيث توضع الأمور في نصابها وتحدد مسؤوليات ضياعها وتنتشل من براثن المفسدين من مسيرين عديمي الوطنية كما أنه ستوضع أمور استكشافها واستخراجها واستغلالها في الأطر القانونية الكفيلة بحماية مصالح هذا البلد وثرواته. وبالفعل قد أبدى هذا المجلس اهتماما بهذا الشأن بحيث أنه راجع مع شركة ووتسيد الصفقات المريبة التي تم التوقيع عليها على هامش إطار الاتفاق المبدئي. هلل وقتها الشعب بالبادرة الجريئة التي اكتست في أعينه طابع الوطنية الحقة و عمق الغيرة على مصالح البلد من هذا المنطلق.و أحدثت الخطوة في ذلك الوقت حراكا قانونيا وسياسيا لعبت فيه جهات عديدة أدوارا كان أقلها أن أزالت الغبار عن سياسة نفطية هزيلة كانت أشبه ما تكون بالمتاجرة في الممنوعات تديرها مجموعات أقرب ما تكون هي الأخرى إلى التنظيمات و العصابات المافيوزية.
و مع كل ذلك لم تتحسن حال سياسة النفط ولم ير الشعب انعكاسا لها وأصابه غثيان جديد وسقط في خضم تناسي الحديث عنه. وفي أثناء ذلك واصلت ووتسيد بعد تمويه تجسد في الإعلان عن قبول بضخ أموال في الخزينة الموريتانية أو – و ذلك ما رجحه الشعب- في جيوب البعض،  تعويضا عن ما اتفق على أنه خطأ فني في المعاملات. وقد واصل هذه السياسة وزير جديد من وزراء المرحلة الانتقالية نظر إليه الرأي العام والسياسي المحلي على أنه يشكل أملا جديدا وعاملا على تصحيح أخطاء الماضي. ولم تشهد المرحلة الانتقالية المذكورة أية بوادر للسيطرة على سياسة نفطية وطنية بل ظلت الأخطاء تتراكم وظل البحر يقسم قطعا بمساحات تختلف باختلاف أهمية و وزن مقتنيها كما القطع الأرضية بأيدي ملاك يسافرون إلى الخارج لبيع حق التنقيب فيها وجني ثمار مكنوناتها و خيمت خيبة الأمل من جديد على الشعب.
أنا...  و من  بعدي الطوفان
رغم التغيير الحاصل والذي بررته أوضاع غير صحيحة كانت قائمة، رهن البلد بأيدي ثلة قليلة أخذت عن سابقتها مشعل العدو إلى الأمام في تكريس إبرام الصفقات المشبوهة سعيا للحصول فقط على عرابين مغلظة من تحت طاولات التفاوض في سياق أنا....ومن بعدي الطوفان.
و لتبرير بقاء الوضعية على ما كانت عليه قبل التصحيح فقد تم اللجوء إلى إثارة جملة من المسوغات، التي وإن كانت رغما عن كل شيء صحيحة، فإنه لم يجر، بإرادة صلبة وصادقة،  تصحيح هذه الوضعية و ذلك... لأمر في نفس يعقوب... مما جعل الأحوال تراوح مكانها وفتح الباب أوسع من ناحية أمام شركة ووتسيد لاستخراج النفط وتسويقه وخلق المبررات والأعذار لتبرير تقلص المدخولات من ناحية أخرى. جدير بالذكر أنه من أكثر هذه المبررات دفعا إلى الميل لتصديق هذه الإدعاءات ما ورد من عجز المنصة عن استخراج وضخ الكميات التي كان من المقرر أن تزود بها حاملات النفط التي ترسوا بمحاذاتها في آجال زمنية محددة لتترك بعد التزود والإبحار إلى وجهات معلومة مراسيها لبواخر أخرى في إطار ما أعلن أنه إقبال جيد على النفط الموريتاني. بهذه المنهجية الجديدة التي اتبعت بأساليب معهودة ولى الحماس الذي كاد يوهم بإمكانية حدوث تحول إيجابي فترة المرحلة الانتقالية و التي ذهب وفتها الكثير إلى تزكيتها و مطالبة ذويها بتمديدها مرات حتى تغطي أطول فترة ممكنة. في الواقع لم تكن ليلة العهد الانتقالي إلا شبيهة بليلة العهد البترولي المقال وإنه في كلا العهدين تصرف المسئولون في ظلام التجني على المقدر الوطني من النفط تحت أضواء مصابيح الرشوة القادمة من وراء المحيط و قد ترك باب التأويلات مفتوحا فيما يتعلق بالأخلاق العامة ومستوى يقظة الضمائر لدى المسئولين من صفوة المجتمع الذين تقع على عواتقهم مسؤولية الغيرة على البلد وصون كرامته قبل مقدراته. وقد كان بديهيا أن لا وازع عندهم في الأمر و أنهم توارثوا منذ عهد الاستقلال الأول تلك الصفة التي لا تعير الوطن و أهله شأنا كبيرا حينما تتراءى لهم مصالح أنانية كبرى و أنما أثبتوا بذالك أن العرق دساس.
ولو أن أمر هذا التحامل السرمدي على المقدرات - التي من المفروض أن تكون الوسيلة التي تطور بها البلاد و تصان بها كي ما يكون لها ظهور في قوائم الدول التي تقتات على فتات موائد الآخرين- ظل متعلقا بما هو في حدود الدولة و بعلم مواطنيها وحدهم لهان الأمر و لكان بقي من الكرامة ما يمكن تداركه، و لكن أن يسعى إلى الخراب لفائدة مستغلين لا يألون جهدا و لا يدخرون وسيلة في سبيل جني الأرباح لفائدة أوطانهم و مواطنيهم فإن ذلك لهو الطامة الكبرى و الخطب الجلل.
وتكررت المأساة...
و مرة أخرى استشرى الأمل في نفوس الموريتانيين الذين - وهذه ميزتهم الكبرى- لا يستسلمون لليأس بعدما خرجت بامتياز من دائرة الأحكام الديكتاتورية إلى فضاء الدول الديمقراطية،
- أمل بإعادة الأمور إلى نصابها و استرجاع ماء وجه بلد جففته زوابع المتاجرة بخيراته بأبخس الأثمان و من خلال أحط الصفقات التي تبرم بعيدا عن أي إطار قانوني في دجى ليل خيانة الوطن و طعن المواطن،
- أمل كذلك بأن يشرك الشعب في تسيير خيرات بلده و لو من باب إطلاعه فقط أولا بأول على كل ما يتعلق بالسياسات في هذا الشأن و ذاك أضعف الإيمان،
- أمل أيضا بأن يرى على أرض الواقع أثرا مهما كان ضئيلا يؤشر على أن عصرا جديدا من البناء قد أطل،
- ثم أمل بأن تسود قوة القانون وأن تقطع الطرق على العابثين بالبلاد من خلال تبديد المال العام والاستهانة بمكانة البلد.
ولكن الذي تكشف، بعد عام من الممارسة الحكومية في ظل الدولة المدارة عن طريق الخيار الجماهيري، هو أن العقلية السائدة هي دونما تحريف تلك التي كانت سائدة من قبل و أن الأساليب المخلة و المتلاعبة بالنظم و القوانين الموضوعة أصلا للضبط لم تستبدل في ظل دولة القانون الجديدة. وطبيعي أن لا يحدث تحسن بل و أن تظل الأمور تتبع منحى الفساد و نهب الممتلكات العمومية و تقويض أركان الدولة. وطبيعي إذا أنه في ظل هذه الوضعية ظلت الرشوة سيدة المواقف في كل الصفقات التي تبرم باسم الدولة في إطار نشاطها الموجه إلى البناء و كذلك في التسيير. و ما تكرار القرارات التي لا تأخذ المناحي القانونية مطلقا إلا دليلا على السير على نفس المنهج السائد كما أسلفنا و بنفس العقلية المتأصلة.
و شهدت الساحة السياسية يومها تجاذبا في الآراء و تقاذفا بالمسؤوليات بأمر الترخيص لشركة كندية بالقيام ببناء مصفاة للنفط بطاقة تكرير تناهز 300000 برميل يوميا مدعمة بوحدتين إحداهما لتوليد الطاقة الكهربائية و الأخرى لتحلية مياه البحر المالحة. و يتمثل الطرفان المتناقضان:
- من جهة في شخص الوزير الأول أنذاك الذي شكك في قانونية الترخيص الذي أعلن أنه لم يكن على علم به و قد جاءه العضو في حكومته وزير الطاقة صحبة الوفد الكندي الذي يرمي حضوره إلى تدارس إجراءات انطلاق العمل الفعلي في المصفاة. وقد استبقى الوزير الأول بعد الاجتماع المذكور مع الكنديين وزير الطاقة لاستيضاح أمر الترخيص و حيثياته و قد أجابه بأن الصفقة تمت بعلم و أمر من رئاسة الجمهورية من خلال الوزير الأمين العام للرئاسة آنذاك و أن الشركة الكندية المذكورة كانت استوفت كل الشروط القانونية المطلوبة في هذا السياق،
- من جهة أخرى في شخص الوزير الأمين العام للرئاسة المذكور و الذي أكد قانونية الصفقة مع الإشارة إلى أنها اتخذت الأوجه و الصيغ التي لا سبيل إلى الطعن فيها و نعتها بالا قانونية.
من الجدير بالذكر أن الوزير الأول كان وضع في إطار سياسته المتعلقة بالنفط أمر تحديد مصير مصفاة انواذيب العتيقة و التي بنيت إبان الجمهورية الأولى و لم تجن منها البلاد و لو جزءا ضئيلا من الأموال الطائلة التي صرفت في تركيبها. وتضمنت السياسة المذكورة مجموعة من التصورات من بينها على سبيل المثال البحث عن  شريك قد يرغب في تولى إعادة تأهيلها و من ثم تشغيلها.
علي الهامش كما كان الحال
وكأن أمر هذه المصفاة لا يهم غير الجهات العليا، فقد ظل التداول بشأنها منذ كانت اهتماما مدرجا في برنامج المندوبية العامة للاستثمارات الخاصة بعيدا عن معرفة الشعب رغم أهميته القصوى بالنسبة للوطن ككل في قيمته الإستراتيجية والسيادية و الاقتصادية حيث أن حصول تكرير بعض من نفط الوطن على أديمه سيحقق أهدافا كثيرة أقلها:
-         تأمين الاحتياجات المحلية من المحروقات التي لا سبيل إلى دفع أي عجلة تنموية  بدونها
-         الحماية من المضاربات الدولية التي يحدثها تناقص النفط في كثير من الأحوال مما يرهن الاقتصاديات الضعيفة أصلا للدول النامية و لو لفترات تقويضا بذلك على الدوام للجهود و مفسدا للحسابات ومربكا إعداد المخططات التنموية،
-         تكريس معرفة تقنيات التكرير في إطار ما يدعى بتحويل و تبادل التكنولوجيا
-         خلق فرص جديدة و كثيرة للعمل المدر للدخول المعتبرة تمس و تستفيد منها شرائح عريضة من القوى الحية العاطلة.
و لم يؤت الإعلام الرسمي - الذي ظلت لغته خشبية و منهجه ب "اتجاه واحد" - فرصة كسر هذه الأغلال و الالتزام بمقتضيات الديمقراطية ليلعب الدور المنوط به في تكريس الشفافية. و أما الإعلام الحر فهو على حيويته و جموحه لا يكاد يجد منفذا إلى المعلومة من فرط سد الأبواب و تحكم أسلوب التكتم. و على كل حال فإن المعلومة التي لا تعطى الإعلام الرسمي عصية بطبيعة الحال على الإعلام الحر... فإذا ضرب الإمام، خاف المؤذن.
الأمل المتجدد.. و القلق المعربد
إنها المرة الثالثة التي يجري فيها الحديث عن اكتشاف مقدرات كبيرة من النفط و الغاز في المياه الإقليمية الوطنية باستثناء تلك التي تحددت اماكنها على اليابسة في العمق من الوطن و أطراف على الحدود، من قبل شركات عالمية تعمل في المجال. و هي المرة الثالثة كذلك التي ينتعش فيها الأمل لدى مواطني هذا البلد الذي ما زالت تتقاسمه و تدهسه آفات الفقر و الجهل و الاعتبارات الاجتماعية الموغلة في الظلامية التراتبية و الإقطاعية و الفئوية و الارستقراطية و الرجعية و تحول بينه و بين الأخذ بأسباب الرقي و بناء دولة القانون و المواطنة و إعادة صياغة العقد الاجتماعي بين الدولة والشعب.
فهل يكون في استخراج هذه الثروة الهامة من النفط و الغاز مدعاة هذه المرة إلى الاطمئنان في خلق واقع جديد يتسم بإرادة تجاوز مظاهر الغبن و الإقصاء و الخلافات العميقة المزمنة و المقلقة؟
و هل أن المسار الحقوقي و السياسي الذي فرضت التحولات العالمية و ثورة المواصلات و الإعلام اكتسابه أشكالا و ألوانا و أبعاد جديدة غيرت وجه تاريخ الإنسانية، سينسجم مع استغلال هذه الثروات و يكون بمثابة البلسم لجراحات الوضعية الغير سوية التي لم و لا تجد في السياسة و أهلها المخرج منها و لا الدولة العادلة طريقها إلى البروز إلى حيز الوجود و فضاء التطبيق، علما بأنه من المؤكد أن اكتشاف النفط ظل من الناحية الإستراتيجية و كذلك استغلاله سببا رئيسيا في جلب عداء الدول الكبرى للدول المصدرة له في العديد من المناطق التي ظهر فيها بكميات معتبرة كدول الخليج و نيجريا و ليبيا و غيرهما التي تتمتع بالإضافة إلى ذلك بالموقع الاستراتيجي فيما أن الدول الصناعية الكبرى هي المستهلكة الرئيسية للبترول، وتحتاج إليه بشدة لدوران عجلة الإنتاج والتصنيع فيها و تريده بأثمان رخيصة و إنه قبلنا لم تتمكن مجموعة من الدول النامية استيعاب عائداتها الضخمة و تصميم برامج تنموية تفيد اقتصادياتها و لم تسمح خططها التنموية المختلفة بتنمية بلدانها و إسعاد شعوبها، بل قامت بما يسمى بـ" إعادة تدوير " العائدات الضخمة التي تولدت لديها باتجاه الدول الصناعية مرة أخرى لاستثمارها هناك. وبذلك حرمت اقتصاداتها من مصدر أساسي لتحقيق تنمية شاملة في اقتصاداتها، واقتصادات الدول المحيطة بها.؟
و هل تضع الدولة سياسة تساهم من خلالها الفوائض الضخمة التي ستتراكم لدى دولة من مدخلات الغاز و البترول لتوفير و تأمين استقرار الموازنات المالية و تتحمل تجارب الإصلاح التي سوف تتكرر بعدما لم تُؤتِ ثمارا في معظم الأحيان؟
خاتمة على هامش الاستياء
و مما لا شك فيه أن للبترول لعنة تصيب الدول التي لا تستطيع تجنبها و أن للأموال الطائلة التي تجنى من صفقاته الجانبية المجافية للوازع الديني و الوطني و الأخلاقي، تأثيرا لا يمكن الإفلات منه إلا بقوة الإيمان بالمصلحة العليا للوطن. وإذا كان من المسلم به منطقيا أن العيش بكل أموال الدنيا في وطن مستنزف،  ومهدور الكرامة لا يؤمن سعادة و لا يكرس قوة،  فإن تقاسم الموجود فيه قل أم  كثر هو الضمان الأوحد للبقاء عن جدارة واستحقاق في عالم يسعى كله إلى إقصاء الضعفاء.

2. مايو 2015 - 15:35

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا