كعادتي وفي كل صباح أتوجه إلى قلب المدينة وأنا أحاول قدر جهدي أن أكمل الأذكار الصباحية رغم فوضوية المرور وقراءتي بغير شعور لكل ما يقع عليه بصري من لافتات تملأ الشوارع مع التقاط بعض كلام المارة المشوش على التركيز في الغالب ..
ــ فجأة وأنا أقترب من وسط العاصمة توقفت حركة المرور وازدحم الشارع بالسيارات مما اضطر بعض أصحاب السيارات للنزول والسير على الأقدام .
نزلت من سيارتي مثل السواد الأعظم من الموجودين في نفس الموقف محاولا البحث عن السبب وراء هذه الزحمة المرورية الغير مسبوقة دون أن أجد تفسيرا للوضع! ..
تقدمت بصعوبة وبخطوات مثقلة بسبب ما وصل إليه الشارع من اكتظاظ للسيارات التي تعطل أكثرها في الطريق محاولا الوصول إلى الأمام .
وصلت إلى قلب الزحمة فإذا أنا أمام أمواج بشرية عجت بهم الشوارع سادين الأفق يرددون عبارات بلغات مختلفة لا أفهمها وهو ما ازدادت حيرتي واستغرابي .
كانت المفاجئة حين نظرت الى نقطة التجمع المركزية للمتظاهرين فإذا المشرفون على الاستقبال بعض الشخصيات المرموقة في البلد بينهم رؤساء أحزاب وساسة مستقلون وهم في حماس يصفقون للمحتجين ، مع همس بعضهم لبعض بعبارات من قبيل هل فهمت شيئا مما يقول هؤلاء المظلومون، أومن هذه العبارات التي كتبوها على لافتاتهم فيرد عليه لم أفهم شيئا مع أن المهم عندنا هو المشاركة في أي مظاهرات والوقوف مع أي محتج على النظام ، فنحن المعارضة وعلى كل حال يوجد من بين الحضور متخصصين في الترجمة .
في هذا المشهد الغريب أبصرت صديقا أعرفه كما أعرف ولعه بالبحث عن الحقيقة وهو يقف وسط الجموع كالمتفرج فهرولت اليه وقبل أن أسلم عليه سألته عن سبب هذا كله وعن هذه الجموع الغريبة التي تفوق سكان موريتانيا وعن علاقتهم بهؤلاء الساسة والشخصيات الذين يستقبلونهم .
رد علي صديقي على الفور قائلا لقد سقطت على الخبير فعلا أنا كنت هنا من البداية أتابع هذا الحراك الغريب وهذه المظاهرات التي لم أشهد تجمعا بحجمها في هذا البلد , وذلك لأنني سمعت بها منذ الأمس وسمعت بوقوف بعض الأحزاب والمنظمات والشخصيات المستقلة في البلد معها وأنهم طلبوا من أنصارهم المشاركة فيها بكثرة ، ولكن جرت الرياح كعادتها دائما بما بما لا يشتهون .
لقد كانت الصفعة قوية والمفاجأة صادمة لهم فعند استقبالهم للمتظاهرين لم يفهموا شيئا من عباراتهم التي يرددونها ولا شيئا من المكتوبة على لافتاتهم فقد كانت لغتهم غريبة عليهم رغم هذا كله فقد اسقبلوهم بحماس منقطع النظير، عندها طالب بعضهم بإحضار أحد المترجمين ليترجم لهم هذه العبارات التي تثير حماسهم ولا يفهمونها .
جاء المترجم وقال وهو يترجم خطاب المتظاهرين أيها الحضور الكريم : لاشك أن أكثركم يستغربون وجودنا هنا بينكم لكننا جئنا من بلاد مختلفة لنستفيد من الحرية الموجودة في بلدكم حتى نعبر لحكوماتنا عن ما نريده منها عسى أن يسمعوا أصواتنا من هنا .
الطلب الوحيد الذي نريده منهم هو أن ينتهجوا سياسة رئيسكم محمد ولد عبد العزيز الذي حقق لبلده وشعبه نهضة غير مسبوقة في زمن قياسي شملت كافة المجالات وعلى جميع الأصعدة حتى أصبحت موريتانيا دولة يحسب لها حسابها في جميع المحافل الإقليمية والدولية ، وهاهو رغم الصيف الحار وصعوبة التنقل في الداخل يقف مع تلاميذ الإبتدائية في الفصول الدراسية ، ويزور المرضى في المستشفيات ويستمع بكل تواضع للمواطن الضعيف ليخفف عنه من معاناته لايهمه إلا أنه مواطن ، ويشرف على انطلاقة المشاريع التنموية العملاقة .
عندما سمع الساسة المناصرون ترجمة الخطاب الرسمي للمتظاهرين أقبل بعضهم على بعض يتلاومون ويلقي كل منهم المسؤولية على الآخر،
فإذا أنا أمام مقطع من مقاطع خدمة العللاء والزميل لمرابط في الشيباني وهو يلتفت على كل واحد من الجماعة قائلا "أمال الل كلتهالكم مغل أعليكم المظاهرات" فضحكت منه واستعذت من الشيطان الرجيم وتفلت عن يساري .