من وحي التجارب: "بين المغرب وتونس توجد حديقة حيوانات" أو كما قال الملك الراحل الحسن الثاني.
فمعظم المواقف الدبلوماسية الجزائرية مبنية على تجارب الحكام العسكريين... اليوم وأمام مأزق جديد من مفتعلات الجنرالات تم طرد الدبلوماسي الجزائري بلقاسم الشرواطي
على خلفية عملية مخابراتية جزائرية كانت ترمي إلى إحداث توتر في العلاقات الموريتانية المغربية، وإنه لمن الأجدر بالجزائر بعد فشل هذه العملية التي يسميها بعضهم بـ"نكاية الصحافة الصفراء" أن يُنكس العلم الجزائري تناغماً مع الموت السريري الذي تواكبه تلك الدبلوماسية ويؤازرها فيه هرم السلطة هناك.
لا مفر من التسليم بأن الجزائر بلد مغاربي كبير وشعب عربي أصيل إلا أن مراعاة السيادة الموريتانية تبقى هي الأهم، وربما ترمز دلالات هذه العملية الاستخباراتية إلى إشغال الرأي العام الجزائري عما تم تحريفه في الدستور حيث اخترقت المادة 74 منه حيث تم إلغاء تحديد فترة الرئاسة بدورتين مما يفسح المجال لترشح الرئيس مدى الحياة، أو لإغماض عيون الغيورين على الجزائر عما يدور في "عين صالح" من حراك ناتج عما عرف مؤخراً بأزمة الغاز الصخري كل ذلك في إطار سياسات الريع التي اعتمدها المستعمر الفرنسي دائماً وخلفه فيها مجموعة من الجنرالات.
وفي أجواء هذه الأزمة الدبلوماسية الموريتانية ـ الجزائرية كشرت الخارجية الجزائرية عن أنيابها وأوضحت بأن طردها للدبلوماسي الموريتاني محمد ولد عبدالله جاء في إطار المعاملة بالمثل، وبما أن الدبلوماسي الموريتاني المطرود برتبة ضابط في الجيش الموريتاني فبالتالي فإن مثل هذه المعاملة تؤكد ما أوردته صحف مغربية من معلومات حول كون الشرواطي المطرود هو مسؤول استخباراتي جزائري رفيع المستوى وعميل شرعي للجزائر. بيد أن بعض المحللين السياسيين يعتقدون بأن المملكة العربية السعودية تقف وراء هذا التغير المفاجئ في الدبلوماسية الموريتانية اتجاه الجزائر وتبقى هذه المعلومة بحاجة إلى إثبات، ولا أستبعد أن يُرجع بعضهم هذا التوتر الدبلوماسي إلى صورة شملتني ـ أنا ذو الميول الوطنية والملكية ـ برئيس الوزراء الموريتاني السابق مولاي ولد محمد لغظف خلال حفل تنصيب الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز!! ولا أذيع هنا سرّاً عندما أقول بأن الأجهزة الأمنية الموريتانية لها مواقعها الالكترونية ومن غير المستبعد ضلوعها نوعاً ما في نصب شباك الفخ لسقوط الشرواطي فريسة مستساغة الطعم لأجهزتها.
بدورها فإن وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية صعّدت من وتيرة الأزمة بنوع من التنقيص الدبلوماسي لمستوى السفير الموريتاني في الجزائر وذلك من منطلق حرصها الشديد على الترويج بأن الاستقبال الذي حظي به هذا الأخير في مقر وزارة الخارجية الجزائرية لم يتجاوز 4 دقائق ولكن مهما بلغت ردود الفعل الجزائرية فإن الصفعة الموريتانية للجزائر ليست بالشيء الجديد إذ أنها ليست الصفعة الأولى التي تقترفها الجارة في حق الجزائر ولنا في حرب الصحراء شواهد على ذلك ثم إن مثل هذه الصفعة يٌعّرفْ شعبوياً بالمَثَلْ الحساني:"الطَرْشَة لَّوْلَ مَا تَخْلَصْ" لذلك يجزم موريتانيون بأن صفعة المرابطين للثور الجزائري كانت متماشية تماماً مع مستوى الإساءة التي أحدثها هذا الأخير في حق الأسد المغربي.
ثم إن تخفيض الجزائر لمستوى تمثيلها في الاجتماع المغاربي متعدد الأطراف الذي تجسد في مشاركة أمين عام وزارة الداخلية بالدورة الخامسة لمجلس وزراء الداخلية لدول المغرب العربي بدلاً من وزير الداخلية الجزائري الطيب بلعيز الذي ألغى مشاركته في الاجتماع بطلب من الرئاسة الجزائرية له دلالات حول عدم جدية جنرالات الجزائر في مكافحة الإرهاب من خلال تشديد مراقبة نشاط المتطرفين على الأنترنت، أحرى بهم إذن مكافحتهم ومراقبتهم على أرض الميدان للشروع في العمل على ترسيخ مفاهيم ومبادئ التعايش السلمي بالمنطقة، لنردد جميعاً وا أسفاه على هذا الشرخ الجديد في جدران المغرب العربي.. وتبقى مفاتيح الأمل والحلم المغاربي في أيادي الشباب والمجتمعات المدنية بعدما تآكلت أجزاء عكاكيز تلك النخب السياسية وقصرت عن تحقيق ذلك الحلم حيث صار من المؤكد والمضحك المبكي أن صاحب تلك العكاكيز في الحقيقة لا يتكئ سوى على عصي من أرذل الخشب!.