ظهرت فجأة على السطح أزمة دبلوماسية - أرجو أن تكون سحابة صيف عابرة - بين موريتانيا وشفيفتها الجزائر تزعجني وتحز في نفسي كثافة غيومها الملبدة الآن لسماء العلاقة بينهما رغم صفائها إلى وقت قريب، على خلفية طرد المستشار الأول في السفارة الجزائرية في موريتانيا
بالقاسم الشرواطي الذي اتهمته الحكومة الموريتانية بمحاولة توتير العلاقة بين موريتانيا وشقيقتها المملكة المغربية بتهمة
الوقوف وراء مقال يسيء إلى العلاقة الطيبة بينهما، نشر عبر موقع الكتروني موريتاني
اعتقل على خلفيته صحفي موريتاني للتحقيق معه وقد أفرج عنه فيما بعد ، ورغم ذلك نعتبر ما حدث بين موريتانيا والشقيقة الجزائر ليس بالأمر النشاز في عالم الأعراف الدبلوماسية ، وليس بالأمر الخطير في نفس الوقت، لو توفرت الحكمة والرغبة لدى الطرف المتسبب في الحذر من تجاوز إشارات ضوء العلاقات الأخوية الحمراء- التي ما كان ينبغي له أبدا الوصول إلى نقطة الإشارة الصفراء الواقعة بينهما، ناهيك عن الوقوع في لون الحملة الإعلامية القاني ضد موريتانيا الذي تصطبغ به الآن شاشات وصفحات أغلب وسائل الإعلام الجزائرية المسموع منها والمقروءة - لو تم فحص فرامل محركات الدبلوماسية الرصينة المستخدمة والمستظرفة عادة بين حكومات مغربنا العربي الكبير، وتم كذلك الحرص على التأكد من مهارة وتخصص المهندسين المشرفين على صيانتها،فموريتانيا أرادت أن توصل رسالتها الواضحة إلى الأشقاء في الجزائر تشعرهم من خلالها بخطورة التصرف الذي قام به المستشار الأول في سفارتها بنواكشوط بلقاسم الشرواطي، وما يمكن أن يتسبب فيه دفعه لنشرذلك المقال من إساءة بالغة إلى سياستنا الخارجية عموما ، وخصوصا مع دولة شقيقة في مستوى المملكة المغربية، وكان كذلك بإمكان الجزائر أن تتجاوز حقها في الرد بالمثل لما عرف عنها من حنكة دبلوماسية وخبرة في نزع فتيل الخلافات الدبلوماسية ألمستحكمة بين دول العالم، فما بالك بمسألة تخصها حصريا وبالتحديد مع شقيقتها في التاريخ والجغرافيا واللغة والدين ووشائج القربى، لكن موريتانيا – كما يعلم القاصي قبل الداني – قد كتب عليها دائما أن تدفع ثمنا باهظا نظرا لوقوعها بين مطرقة الخلافات الجزائرية المغربية حول الصحراء الغربية وسندان هذه الأخيرة والتي خرجت منها موريتانيا "بخفي حنين" رغم الخسائر الباهظة التي تكبدتها في الأنفس والمال أثناء حربها مع منظمة – البوليزاريو - في أواخر السبعينيات،لكن ذلك للأسف الشديد لم يشفع لها ، فكلا الطرفين قد تشكلت لديه حساسية مفرطة تجاه أي بادرة حسن نية نحو الطرف الآخر تصدر من طرف موريتانيا باعتبارها الحلقة الأضعف بين الطرفين حسب الخلفية التاريخية التي استوطنت العقل الجمعي لكل منهما،الأمر الذي ساعد على تبلور ثقافة" جاهلية" لدى منهم على شاكلة العسكري المتقاعد تحتقر الآخرين، الذي شاهدناه على شاشة فضائية النهار الجزائرية يرغي ويزبد ويصف الشعب الموريتاني – المشهود له بالإباء والنخوة وكرم الوفادة – بصفة " الأوباش " ونعوت أخرى يعف لساني عن ذكرها ، بينما نحن معاذ الله أن نطلق العنان لعاطفتنا الوطنية الجياشة تجمح بنا نحو الرد بالمثل على ذكر إخوتنا في الجزائر حكومة وشعبا إلا بما يليق بمكانتهما السامقة في نفوسنا نحن أبناء المنارة والرباط رغم الجرح الغائر الذي سببته لنا كلمات ذلك " المتقاعد الشاذ" عن القاموس اللفظي للشعب الجزائري على شاشة تلفزة النهار، لأن ذلك ليس من شيمتنا ، ولامن تالد أخلاقنا التي حفرتها في ذاكرتنا الجمعية ثقافتنا الإسلامية الأصيلة، وورثناها كذلك عن الرعيل الأول من الآباء والأجداد طيب الله ثراهم,، ولأننا كذلك على يقين من أن هذه الأزمة الطارئة بين البلدين لن تكون إلا سحابة صيف عابرة كما أسلفنا ، وتعود مياه المزن الصافية إلى مجاريها الطبيعية ، وفي الوقت نفسه يتأكد الأشقاء في الجزائر أن المملكة المغربية هي الأخرى دولة شقيقة وتربطنا بها شبكة من العلاقات التاريخية على كافة الصعد لا يمكن حصرها ولاعدها ، ومع ذلك فإنني أتصور أن الدبلوماسية الموريتانية بحنكتها المعهودة ونظرتها البعيدة لن تقبل تحت أي ظرف من الظروف أن تصل علاقتها بالشقيقة الجزائر إلى مرحلة الخطر، وبذات التصور نرجو أن تنحو الشقيقة الجزائر نفس المنحى، وأن تعتبر ما حدث مجرد سحابة صيف عابرة ذلك أن الشعوب المغاربية تحلم
بمغرب عربي كبير وقوي بوحدة صفه وانسجام وتناغم علاقاته الخارجية بين بعضه البعض.