"النظام" واللعبة المكشوفة / باب ولد سيد أحمد لعلي

تَرشُحُ الرئيس لفترة ثالثة أمرٌ لا جدال فيه وعلى الساسة والمثقفين أن يتعاملوا معه بما يليق كما عليهم أن لا يستغربوا من الأمر في حدود سنة 2019 إذا عبر الرئيس عنه قولا وفعلا وبارك ذلك الحزب الحاكم ومن يسبحُ في بحره ، والتأكدُ من صحة هذا الأمر لا يتطلب أكثر من الوقوف على اللقاءين

الذين جمعا الرئيس بالصحافة ، فقد برأ نفسه في اللقاء الأول من الدعاوى والإشاعات التي قد انتشرت عن أخبار ترشحه لفترة ثالثة وقال أنه لم يقل ذلك ولا يفكر فيه في الوقت نفسه لم يستبعد إمكانية تغير موقفه وإمكانية تسخير الدستور لموقفه ذلك ، وفي اللقاء الصحفي الأخير، قال أن الدول ليست ملكا لأحد ولا يمكن أن تكون كذلك في الوقت الذي أضاف فيه أن الحكم قد لا تمنع منه إلا الموت ... وقد يعني هذا أنَّا أمام مأموريات عدة في سياسة رجل واحد يقلب البلد في كفه ويجني ثمار أفكار مواليه من الدهاة والحكماء الذين باعوه أفكارهم بمقابل المكانة والريادة ، والحقيقة قد يرى الكثيرين أن الحكم على هذه المسألة والغوص فيها سابق على عهده ويجب أن يُنتظر به قليلا إلى حين اقتراب الرئاسيات الممهدة للمدة الثالثة أو الممهدة لعهد جديد من الانفتاح والديمقراطية يتجسد في طلاق السلطة للعسكر وعلو المدنيين هامة الحكم والتسيير لأول مرة منذ توريث الدولة للأستاذ المختار ولد داداه ... إلا أني أرى أن الأمر تابع لتطورِ المجتمع والدولة ونمو درجة الولاء والوعي بالوطن لدى معظم أو كل أبناءه .. إننا نتحدث عن جيل وُلد في ظل الدولة التي شاركت والديه الرعاية والتربية .. فمن غير المعقول أن تبقى الأفكار رهينة بالماضي ويُعاد نتاجها بنفس الطريقة التي أُنتجت في الماضي بها حسب صيرورة دائرية تعيد نتاج الأشياء الميتة بدل الاستفادة منها ورفع الأبصار إلى البديل الأفضل منها ...
على القائمين بالشأن العام أنْ يعوا أن هذا عصر جديد ويجب أن يبنى بطرق جديدة غير الطرق السابقة ... فرغم ما يشوب تلك السابقة ورغم تحفظي على الكثير منها إلا أنه هناك أفكار كانت واعية بزمنها وسايرته بنجاح ... فمثلا قرار الرئيس السابق المرحوم المختار ولد داداه إلغاء التعددية السياسية والحكم بالحزب الواحد رغم ما في الصورة من أمور شائبة إلا أن إلغاء التعددية في تلك الفترة التي كان الوعي فيها بالدولة غير موجود كان أنجع فلضمان توحيد الكيان الاجتماعي الهش يتطلب الأمر توحيد الكلمة في إطار مؤسسة سياسية واحدة كي ينجح مشروع الدولة من جهة وكي يتحقق الاستقلال الذاتي عن كل من فرنسا والمغرب التي لم تعترف بالدولة إلا في عام 1969م ، فكانت هذه الفكرة تعبر عن إيمان شخص المختار بالدولة وتفانيه في سبيل بناءها
والمسألة الثانية التي اعتبر أنها كانت تعبر عن زمنها وواعية به تتمثل في مرحلة الانقلاب الأول 1978 والخلافات التي دارت بين العسكريين فبحسبي أن الذين مانعوا من تسليم السلطة للمدنين كانوا على حق وذلك يعود إلى أن الإنسان المدني حديث عهد بالدولة ولم يتعرف على الأمور الإدارية بما فيه الكفاية من جهة ومن جهة أخرى نقص الكادر البشري المثقف القادر على تحمل المسؤولية في المدنين كان عائقا أمام إمكانية تسليمهم السلطة لذلك كان الحل الوحيد احتفاظ العسكر بها ، ليس لأنهم هم الأفضل بل لأنهم هم المؤسسة المنتظمة إداريا في الدولة في ذلك الوقت والنخبة المحلية ذات التكوين العصري كانت في فترة ما قبل الاستعمار تنخرط في سلك التعليم الابتدائي بوصفهم معلمين وإثر قيام الدولة تم دمج الكثير منهم في المناصب القيادية في المؤسسة العسكرية ، وهذا في حد ذاته كفيل بأن يجعل العسكري أكثر إنسان قادر على تسير الدولة في ذلك الوقت .
والآن وقد مضى كل ذلك حان الوقت لتقسيم الأدوار لأن العصر يتطلب ذلك إذ هو عصر يتمثل في النضج والوعي بالدولة كما يتمثل في إقامة قطيعة شبه تامة مع الموروث التقليدي القبلي وتفكيك معظم بناءه القبلي باستثناء ما تحيه الدولة أوان الانتخابات والاقتراع ، فكما عبرت تلك  القرارات والمواقف عن زمنها يجب أن يكون عدم ترشح ولد عبد العزيز لفترة ثالثة قرار يعبر عن زمنه ...لأنه ببساطة حان الوقت كي يتحمل المدنين المسؤولية وأن يعود العسكر لمهنة الأمن والدفاع بعيدا عن السياسة والحكم  ، فلم تعد تلك العوائق مطروحة في وقتنا الراهن فهناك نخبة سياسية مثقفة قادرة على الحكم والقيادة والبناء وما ينقصهم هو تمكين وإبعاد أوسمة العسكر عن القرار السياسي .                

11. مايو 2015 - 10:23

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا