كلمة الإصلاح هذه المرة تحاول أن تضع ميزانا تقويميا للمقابلة التي أجراها رئيس الجمهورية مع الصحافة الوطـنية .
وهذا التقويم سببه أن المواطنين عندما تعـلن أي مقابلة للرئيس مع الصحافة تفتح شهيتهم لهذه المقابلة ويهرعون يبحثون عن الصحافة المقابلة ليحملوها مشاكلهم التي تؤرقهم وتغض
مضاجعهم وتوقد في قـلوبهم نارا لا ينقص من أوارها إلا سماعهم لنفس المشاكل يدخلها الصحفي من أذن الرئيس بصوت فصيح ونبرة مؤثرة حتى تخرج من أذن الرئيس الأخرى .
فالمواطنون تعلموا أن لا يحل أي مشكلة في هذا الوطن إلا الرئيس نفسه ولذا فهم يتظاهرون دائما أمام القصر الرئاسي لحل مشاكلهم .
فمن المعلوم أن الصحافة يطلق عليها اسم صاحبة الجلالة كما يطـلق عليها السلطة الرابعة .
أما السلطات الثلاثة الأخرى فهي : السلطة التـنفيذية والتشريعية والقضائية ، والمعروف أن هذه السلطات الثلاثة في العالم الثالث تحت أوامر الرئيس كلها .
فهو رئيس السلطة التنفيذية مباشرة ورئيس السلطة التشريعية بأغـلبـيـته فيها تلك الأغلبية التي يعـيـنها هو شخصيا بواسطة رئيس حزبه وهي ناجحة تـلقائيا، والسلطة القضائية هو رئيس مجلسها القضائي الذي يتحكم في ترقية القاضي وتحويله ، وهذا هو مكان قوة الرئاسة على القاضي .
أما الصحافة فهي نوعان : صحافة تابعـة للمؤسسات الثلاثة : الإذاعة والتـلفزيون والوكالة ومسيرو هذه الصحافة لا أمل للمواطن في إسداء أي خير له فإن كفوا شرهم عن المواطن فهذا هو أحسن خدمة سيجدها المواطن من أولئك المسيرين ولا شك أن شر بعضهم أهون من بعض .
أما النوع الآخر وهو الذي يطلق عليه الصحافة الحرة فهي الأمل الوحيد المتاح للمواطن أن يحمله أثـقاله وأثـقالا مع أثـقاله لتصل إلى الرئيس الذي بـيده .في الدولة كل شيء طيلة عمره الرئاسي في الدنيا ،أما في الآخرة فالرؤساء وغيرهم ينـبـئهم الله بما عـملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد .
ومن هنا نبـدأ تـقويم المقابـلة بين الرئيس الموصوف آنفا أن بيده كل شيء في الدنيا والصحافة الحرة التي كان عليها أن تـتـقمص هذا الوصف الموصوفة به وهي الحرية أمام رئيس بيده كل شيء فوق الأرض وما تحت الثرى عندما يستخرج منها وكان عليها أيضا أن لا تـتـقدم إلى هذه المقابلة إلا وفي حقائـبها جميع مشاكل الشعب ولاسيما الشعب الصامت الذي لا يستطيع أن يبلغ شكواه إلا إلى من لا حارس دونه وهو الله جـل جـلاله .
والذي وقع كما شاهـده المواطـنون على الشاشات هو أن الرئيس:
أولا: كان مرتاحا لمثوله أمام الصحافة وهذا يجب أن يـبحث في سبـبه .
ثانيا : أنه كان هو الذي يوزع التـدخل بنفسه على الصحفيـين ، وهذا أيضا يبحث عن سبـب هذا الإجراء الذي طرأ على المقابلات ، كما أن المواطنين استـغربوا استـدعاء الرئيس للصحفيـين للمقابـلة بعـد زمن قـليل من مقابـلته بهم قبـل ذلك بمعنى أن الرئيس علم من أين يؤكـل كتف الصحافة ، وأن منافـذ مقـاتـلهم محددة عـنده بـدقـة من حيث يستطيع أن ينصبها هدفا بعـد كل زيارة وكل نشاط يقوم به لأنه يتـيـقـن أن المواطنين لا يقرؤون ولا يستمعون إلى صحافـتـه الرسمية لأنها متخصصة في النـقش والزخرفة والتلميع .
فمع أني لم أتابـع جميع هذه المقابـلة إلا أني تابعـت منها ما يكفي لتـقويم يمكن لمتابع آخر أن يقوم بتـقويم يـبدي فيه رأيا أكـثر دقة منه وليته فعـل .
وحاصل هذا التـقويم أن الرئيس حصل على درجة " جيد جـدا " ، أما الصحافة فيمكن أن يسجل لها درجة " مقـبـول " .
أسباب النتائج :
ولتوضيح أسباب هذه النتائج فالجميع متـفق على أن الرئيس في تـلك الليلة كان مرتاحا في جميع نشاطه الصحفي وبشوشا في أجوبته على غير عادته وأظهر مقدرة على التوضيح والإقـناع بحيث يسكت الصحفي وكأنه هو الذي تـقدم ليسأل عن ما لا يعرف حقيـقـته .
وفي نظر المواطنين أن سبب قوة أجوبة الرئيس هي ضعف إطلاع الصحافة على مشاكل المواطنـيـن وعـدم اختيارهم لأوليات الضروريات التي يبحث عنها الشعب فبدلا من السؤال عن تـلك الضروريات هـرع الصحفيون إلى كثرة السؤال عن السياسة فيما بين الحكومة والمعارضة والحوار إلى آخره ، وما وقع داخل زياراته للمناطق من حوادث ووقفات واحتجاجات أو شكايات محلية إلى آخره بمعنى أن الصحافة لم تطرح من الأسئلة إلا ما يعرف الجميع أن عـنده هو الجواب عليه وأجاب عليه بارتـياح .
وهنا أعطي مثالا على بعض الأسئلة وتـلك الأجوبة ، فقد سئـل هو عن بداية حياته السياسية من انـقلابه الأول وسبـبه والحكومة الانـتـقالية واتـفاقية دكار إلى أن وصل إلى هذه المأمورية الثانية .
والأجوبة على كل هذا واضحة للرئيس لأنه فعـلها بـيده وصنعها تحت بصره ، وما قال فيها جل المواطنين يعرفه .
فالتاريخ الذي وقع فيه الانـقلاب سنة 2005 كانت موريتانيا دولة بالاسم فقط فالعـتاد الذي ذهب به الجيش لمطارة قـتـلـة لمغيطي سياراته مقدمة من طرف رجال الأعمال كما قال هو وأنا أزيد ذلك شرحا ، فأهل انويكظ وحدهم قدموا 12 سيارة رباعية الدفع وأهل عبد الله كذلك بل جميع رجال الأعمال ساهموا في هذا المجهود وجميع عجلات هذه السيارات قدمها محمد بوعماتو كما أن وحدة الجيش لم تجد ضوءا كاشفا في الصحراء يكشف لها خوفا من مفاجئة العدو لها فاشتروا لهم أضواء إطالية استعملت في الحرب العالمية الثانية فوجدت لا مفعول لها إلى آخره .
ويمكن أن يقاس على هذا جميع المؤسسات المدنية والعسكرية الأخرى ولولا الإطالة لشخصت كل مؤسسة على هذا النحو .
ولاشك أن المقارنة بين حكمه هو بعـد ذلك وتـلك الفوضى آنذاك لوجدنا أنها مقارنة بين الحياة والموت السريري أي بين حياة شاب حيوي رياضي وكـهل على سرير الموت .
وهـنا أصرح أن هذه الوضعية ليست من سوء إدارة الرئيس السابق ( إذا استـثـنينا ما تصوره من خطورة الإسلاميـين ) إرضاءا لجهة أجنبية بل فقط لتركه الدولة في يـد المفسدين السياسيـين .
وبما أن الله أمر المسلم بأن يقول الحق ولو على نفسه كما قال تعالى: (( يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم )) إلى آخر الآية .
فإني أقول وكملاحظ خارج دائرة الانـتـفاع أو التـملق ولله الحمد فإن هذا الرئيس باخـتصار قد استطاع أن يحفظ كثيرا من الأموال العمومية من بطش المفسدين وأنـفـق كثيرا منها على مصالح المواطنين في أغـلب المجالات ، إلا أن هناك مجالات وهي التي تهم فقراء المواطنين في كل لحظة لم يدخلها الرئيس في اهتماماته ولم تــتـطرق الصحافة إليها ولو تـطرقت إليها لانعـكست النتيجة فنالت الصحافة درجة جيـد جـدا ولم يصل الرئيس إلى درجـة مقـبول فيها وهذه المجالات هي :
أولا : المعاملة مع الفقراء محدودي الدخل الذين لا رواتب لهم تزداد كلما ارتـفع السعر ولا ضمان لهم صحيا فـلو سألت الصحافة الرئيس ماذا تعـرف عن حياة الفـقيـر محدودي الدخـل في المقاطعات ؟ ماذا يقول لك عمـدها وحكامها عن حالة الفقراء عـندهم ؟ فـلماذا الأسعار صاعـدة لا تـجد من يقـفها عـند حـد حتى المواد المحلية مثـل : اللحوم والسمـك .... الخ ، وما هي أسباب كثرة سؤال الفقراء الذي طرأ عـند الأضواء الحمراء حتى أصبح المسلم يسمع كل لحظة السؤال بوجه الله تعالى فإن بسط يده كل البسط فـسيـقـعـد ملوما محسورا وإن جعلها مغلولة إلى عـنـقه يتـلـبد قـلبه من عـدم العطاء لوجه الله ، وهذه مسؤولية الحكام والعـمد تحت رعاية الرئيس .
كما أن الصحافة عـندما قال الرئيس أن الدولة كانت تـنـفـق الملايـيـر في سعـر البنزين التي كانت تـتـحمله عن المواطن لم يسألوه هل ذلك كان سلفة للفـقيــر الضعيف حتى يقطعوه منه الآن وإلى متى ؟ وكثيرا من الأسئلة عن الضعـفاء لم تـتـقـدم بها الصحافة .
ثانيا : الأمن الداخـلي : فالصحافة المكتوبة والمرئية تـبحث كل ساعة عن سبب انفـلات الأمن والمسؤول الأول عن الأمن هو الرئيس فوجدته الصحافة أمامها فلماذا لا تسأله عن الإجرام اليومي من القـتـل والغصب والتلصص والسرقة .... الخ ما سبـبه .
فالرئيس تـكلم عن الأمن الخارجي وقال أنه وجد الجيش لا يستطيع القيام بأي شيء فجعـله جيشا قادرا على فعـل كل شيء ولم يتـكلم عن الأمن الداخلي .
فصحيح أن الرئيس رفع قوة الجيش بجميع أجهزته بنسبة 9 إلى واحد ولكنه خفض نسبة الأمن الداخلي بنسبة 9 إلى واحد .
ثالثا : الإدارة الإقـليمية : من المعلوم أن الولاة والحكام هم السلطة التـنفيـذية المباشرة للمواطنين ويتحملون ما على الرئيس أن يتحمله للمواطنين طبقا للدستور من حفظ الأرواح والممتـلكات ومع ذلك لا مسؤولية لهم عـند المواطنيـــن الآن لا مراقبة للأسعار ولا مراقبة للبناء العشوائي ولا للتعليم ولا لأي مرفق من مرافق الدولة فكأن موظفو الإدارة الإقـليمية مـكلفون بلا مهام مع أنه لا وجود للسـلطة التـنـفيذية أمام الشعب غـيرهم .
وباختصار فإن هذا الرئيس وجد إدارة الدولة عـموما فاسـدة فأصلح منها ما يتـعلق بالمال العمومي وأنفـق منه الكثيـر في إصلاح البنى التحتية وباشر الإصلاح بنـفسه إلا أنه ترك جميع الإدارات تصـلح نفسها إن شاءت مثـل : إدارة الصحة والتعليم أي كل الإدارات التابعة للإدارات الإقـليمية .
فكان على الصحافة أن تجر الرئيس إلى مكان ضعف إدارته للدولة بدل أن تجره إلى مكان قوته فيما أنجز من ديمقراطية وبني تحتية والإدارات العسـكرية وجمع أموال الدولة ومطاردة المفسدين في هذا الصدد ....الخ .
فكان على الجميع أن يـدنـدن فيما لم ينجز الرئيس لا في ما أنجـز .
وأخيرا أرجوا أن تـكون كـلمة الإصلاح هذه مرآة للمقابـلات الصحفية المرتـقــبة حتى يسمع الشعب من أسـئـلة صحافـتـه ما يسـره ومن جواب رئيـسه ما يطمـئـنه على مسـتـقــبله ، والله يقول الحق وهو يهدي إلى السبـيـل .
