مقاربة في موضوع ساعة الاتصال / محمد يحيى بن محمد بن احريمو

في نظري القاصر أن خِدْماتِ الاتصال هي من باب الإجارة وليست من باب البيع ؛و بالرجوع لتعريف الإجارة يتضح ذلك: " تَمْلِيكُ مَنَافِعِ شَيْءٍ مُبَاحَةٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً بِعِوَضٍ" حسب تعريف ابن عرفة. .
إن شركة الاتصال تملك أقمارا صناعية ووسائلَ اتصال وهي 

عندما تبيع لنا الرصيد فهي في الحقيقة تؤجر لنا جزءً من منافع تلك الأجهزة. إذاً المسألة من باب الإجارة وليست بيعا.   
يقول الفقهاء إن الإجارة تُسْتحقُّ بالتَّمْكِينِ لا بالاستيفاء أي أنك إذا أجرت لشخص مثلا سيارة مدة ثلاثة أيام ومكَّنتَه منها فأنت بذلك تستحق الأجرة، ولو     لم يقم هو باستخدام السيارة خلال تلك الأيام فتلك مسئوليته. 
إذا نظرنا إلى ساعة الاتصال نجد أنها من قبيل الإجارة لأن الشركة تؤجر لنا 60 دقيقة نختارها في مدة 3 أيام إن شئنا استوفيناها خلال أول ساعة وإن شئنا تركناها إلى آخر وقت ، وإن شئنا أخذنا بعضها وتركنا البعض . إذا الإجارة في النهاية معينة بالزمن لكن على سبيل البدل والتخيير. ولا ضرر في ذلك على ما يظهر إن شاء الله تعلى ، إذ ليس فيه غرر ولا جهلٌ ، والأصل إباحة كل عقد خال من الربا والجهالة والغرر عملا بقول الله تعلى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا).
إن نازلتنا في النهاية أقربُ إلى مسألة " الجمع بين الزمن والعمل في الإجارة " وهي: خِطْ لي هذا الثوب في هذا اليوم. وهي جائزة على قول بعض الفقهاء وحكا ابن عبد السلام الاتفاق على جوازه إن كان الزمن أكثر من العمل كما في شرح عبد الباقي عند قول خليل : " وهل تفسد إن تساويا أو مطلقا خلاف " .   
وقد بوب الإمام البخاري على ما هو قريب من هذه المسألة فقال (قوله باب إذا استأجر أجيرا ليعمل له بعد ثلاثة أيام أو بعد شهر أو بعد سنة ) ثم ساق حديث عائشة " اسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثٍ ". وقد بين ابن حجر أن حاصل ما أشار إليه البخاري أن الحديث يدل على جواز تأخير العمل المستأْجر عليه عن وقت العقد إلى الأجل الذي يحدده العاقدان. وقال ابن المنير المالكي: إن هذا مقتضى مذهب مالك خصوصا إذا كانت المدة يسيرة. (فتج الباري4\ 423)

عند التحقيق لا نجد فرقا بين مسألة الإمام البخاري ( الأجرة على عمل يتم إنجازه بعد أيام 9 ) وبين مسألتنا (منح منافع الاتصال لمدة ساعة من 3 أيام ) إلا أن وقت تمكين المنفعة  في مسألة البخاري معين على وجه التحديد وفي مسألتنا معين على وجه البدل والتخيير ، وذلك وصف طردي على ما يبدو ، وهو مشمول بترجمة الإمام البخاري على كل حال. 

  لم يبق إذا إلا مسألة تقديم الثمن ، وتقديمُ الأجرة إن جرى به عرفٌ كان جائزا بلا خلاف خصوصا إذا دعت له مصلحة كما في موضوعنا قال القاضي عبد الوهاب في التلقين:
  (تسليم الأجرة غير مستحق بمجرد العقد إلا أن تكون هناك عادة أو شرط أو يقارن العقد ما يوجب التقديم   ... وما عرى من هذا فلا يستحق تقديم جزء من الأجرة إلا بالتمكين من استيفاء ما يقابله من المنفعة وإذا حصل التمكين فالأجرة مستحقة استوفيت المنفعة أولا.). ( التلقين للقاضي عبد الوهاب2 \158). وهذا منصوص في مختصر خليل وغيره . .
فلعل هذا وجه يلتمس لجواز ما عمت به البلوى ، ومن أصول مالك مراعاة الحاجي الكلي أي الاستجابة لحاجيات الناس العامة وترجيح جانب الجواز فيها . خصوصا إن لم تصادم نصا صريحا . وكما قال العلامة محمد الحسن بن أحمدُّ الخديم:
فانظر لعل ذاك وجهٌ يُلْتَمَسْ = لما له الحاجة تارة تمسْ .
والعلم عند الله تعلى .

15. مايو 2015 - 18:06

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا