رجل كرم لِيُهان و أهين ليصمت الجميع. لقد حرق بيرام ولد الداه ولد اعبيدي الكتب و لم يعاقب، تهكم على العلماء و لم يعاقب، أثار مشاعر البيظان و لم يعاقب، نال ميداليات دولية تحت شعار العبودية والاسترقاق و لم يعاقب.
خطب أمام الكونغرس الأمريكي وأدان النظام و لم يعاقب ،
ثم حرض العبيد و لم يعاقب، ترشح لرئاسة الجمهورية و حصل على شهادة تبريز في لمح البصر، وقع له ما يزيد على 100 مستشار من الحزب الحاكم لا يعرفهم و لا يعرفونه، سخرت له كل المنابر دون عناء يذكر، غض النظر عن حركة إيرا الغير مرخصة و فتحت مقرات في العاصمة و في الداخل ، انسحبت جماعات من الحركة و رخص لها ، ثم أنشئت أحزاب عند الحاجة و امتصت فُتات الحزب الحاكم لتجسد في النهاية عناوين مختلفة لهدف واحد و مشترك.
سجن الرجل على خلفية مبهمة و جرت محاكمة صورية ندد بمجرياتها القضاء قبل دفاع المتهم و أنصاره ثم حُول إلي دائرة إدارية بعد الحكم الابتدائي ليقع الجميع في إشكالية الاختصاص لأن استئنافية ألاك غير مختصة و محكمة روصو مسقط رأس المتهم و معقل أنصاره .
اليوم رزق بيرام ولد اعبيدي مولودة و هو قابع في السجن ظلما ، فما الواجب و كيف يمكن أن نتصرف ؟
جرى العرف في مجتمعنا المحافظ أن الأصدقاء و الأقارب يبعثون كل من موقعه بمساهمة تتجسد عادة في شاة من الضأن ، و بما أن الرجل رمز شئنا أم أبينا و سجين رأي فعلى كل حزب ندد بسجنه و طالب بإطلاق سراحه مساهمة معتبرة و على كل عشرة أعضاء من حركة إيرا شاة ، و على كل شخصية مستقلة شاة ، و على مكتب ميثاق لحراطين مساهمة مغلظة و كل عضو قيادي فيها شاة و ما تبقى من المساهمات بعد تسمية المولودة يقسم بين أسر مساجين الرأي أينما وجدوا و حذار من التقصير لأن ضرب عبد لا يسر عبدا آخر أو كما قيل ، هكذا نكون قد أدينا واجبا نحن البيظان و رد الحراطين الجميل بأحد رموزهم و شارك الزنوج في مناسبة اجتماعية تندرج في صميم عاداتهم و في المحصلة نكون قد التأمنا في مشهد فريد من نوعه...
و في سياق متصل استمعت إلى بيرام ولد اعبيدي على أثير قناة الوطنية و خلال ليلة من ليالي الحملة الرئاسية و هو يقول :
سأدخل أنا و الخادم و جميع العبيد ذلك القصر الرمادي و تريثت حتى انتهت الحلقة فاتصلت عليه متسائلا من أين لك هذا الطموح يا بيرام ؟ و هل أنت جاد فيما تعنيه أم أنه مجرد دعاية انتخابية ؟ ثم التقينا في تلك الليلة في ساعة متأخرة و تناولنا الشاي معا ثم أعدت طرح ا السؤال فأجابني قائلا :
إذا قدر الله نجاحي سيكون أول تصرف أقوم به بعد تهنئة الجماهير هو قلع أشجار القصر الرئاسي و تحويلها إلي حطب ، سأخصصه للطبخ لأن دخان الحطب يذكر العبيد بالأجداد .
و في ليلة من ليالي شهر مايو المنصرم أثار انتباهي تساؤل السيد الرئيس عن معنى الحرطاني و استغربت تردد الأخ محمد فال ولد عمير بعد طرح السؤال من طرف السيد الرئيس و كأن الأول يدري و الثاني لا يدري .
و في النهاية اكتشفت للأسف أننا و الحراطين لم نتعارف كفاية و أن الهوة تتسع ، ذلك أن النظام يظن أن علاج الإشكالية قد اكتمل لما صادقت موريتانيا على خارطة طريق أممي و أنشأت وكالة التضامن بينما ترى غالبية الحراطين أن حريتهم قد اكتملت منذ زمن بعيد لكنها جاءت على نحو " حرة لله "
حيث يُحكى أن سيدا كان يملك خادما و ناشدته أكثر من مرة و توددت من أجل عتقها فرفض ، فأرسل الله مطرا و جرف المخيم و ساكنيه فوقف الرجل على ربوة فإذا بالخادم تتقاذفها الأمواج ،حينها أشار بيده قائلا : اذهبي فأنت حرة لله .
و رغم أن طموحاتهم وصلت إلي قيادة البلد فإن السيد الرئيس و النخبة ما زالوا يتخبطون في إشكالية لحراطين أصالة و تاريخا .
و لفك الشفرة أقول : إذا كان السيد الرئيس يقصد بسؤاله : معنى الحرطاني بالأمس ، فالجواب أنه أنه ذلك البيظاني الأسمر اللون العربي الهوية الهين اللين المواطن الأصيل .
أما إذا كان يعني معنى الحرطاني اليوم فهو ذلك الشخص : كبير الحجم قوي العضلات مبسط الأنف مجعد الشعر أسمر اللون (..).
أما معنى الحرطاني لغة فهو اسم مركب من "حر " و "طاني " و حر ترمز إلي الحرية و طاني لون طيني ، لكن معناه لا يكتمل إلا في حالة غضب الأسياد الأوائل ، حيث ينادونه ب " احريطين " و "احري " هذه تحت تأثير الغضب تعنى الحرية الناقصة و "الطين المقصود هو طين صلب داكن اللون يميل إلي السمرة و يصلح للبناء و صنع الأواني ، و بهذه المعاني مجتمعة فإن الحرطاني شخص مختلف بسماته و لونه و أصله و له الحق في اختيار التميز و من يكون .
و مع كل هذا و على مر العصور ظل الحرطاني متمسكا بهويته العربية الإسلامية و ثقافته الحسانية البيظانية و زيه و فنه التقليدي لكن عندما اختلت المفاهيم و تهاوت القيم و تلاشي دور القبيلة التكافلي و عجزت الدولة عن ترسيخ مفاهيم المواطنة و العدل و المساواة ، بدأ الحرطاني يميط اللثام و يبحث عن ذاته في كومة من الركام داخل منظومة معقدة البنية ، شديدة المحافظة لا تؤمن بالاختلاف بل لا تميز بين الخلاف و الاختلاف ، فبرزت حركات تختلف في الطرح و الأسلوب و الأداء لكنها تتفق على هدف واحد و هو انتزاع حقوق لحراطين كمكون منفصل عن المنظومة الأصلية و هي تتجه الآن إلى تدويل القضية في غياب الدولة و النخب .
فمن يعتقد أن إشكالية لحراطين مجرد سمسرة يمتهنها سماسرة ليس إلا و أنها قابلة للحل عبر الفتاوي و الندوات و إرسال البعثات إلي الداخل فهو واهم ، و من يعتقد أن النظام الحالي يفكر في إيجاد حلٍ غير وكالة التضامن أو أساليب القمع و شراء ذمم بعض النخب كمهدئ حتى ينصرف و بعد الفتنة يبرز و يدعي أن أيامه اتسمت بالأمن و الأمان و ما بعد ذلك لا يعنيه ، فهو قاصر الفهم و النظر و على الحراطين ابتداء من اليوم أن يعوا جيدا أن مطالبهم ذات الصلة بالمساواة و الحق في العيش الكريم و تقاسم السلطة و الثروة مطالب مشروعة و يدعمهم فيها نخب من إخوتهم البيظان ليس لسواد أعينهم لكن لعدالة المطلب و ضرورة التعايش السلمي و الحرص على وحدة البلد .
و بما أن نضالهم لن يفضي إلي نتيجة تذكر إلا إذا آزرتهم النخب النظيفة من كافة مكونات الشعب فعلى بعضهم أن يغير الأسلوب و الألفاظ الجارحة و يحول النضال من مستوى الانحطاط ذي البعد التنافري إلى مستوى حضاري مبني على الوعي و الوطنية حتى ننتزع معا من الأنظمة و الطبقات الاستعبادية تلك الحقوق المسلوبة ، و نحافظ على نسيجنا الإجتماعي.