لقد ظن كثير من أصحاب الفكر الضحل والنظرة القاصرة،أن الأمر قد حسم وأن
الثورة العربية قد توقفت عجلتها عن المسير،حين ما حيكت المآمرة الدولية
على خيارات الشعوب العربية في بعض الأقطار بواسطة جيوش الغطرسة
والطغيان،فارتفعت أصوات دعاة الانبطاح من جديد،داعية إلى تجديد التوبة
والركوع للانبراطورية الأمركية الهشة،بعتبارها قدرا تستحيل مقاومته فضلا
عن قشع ظلامه،ودحر عدوانه .
غير أن هؤلاء لم يدر في حسبانهم أن كل ما حدث ويحدث اليوم ليس ثورة أو
تحررا،وإنما هو باكورة عهد المفاصلة والتحرير الذي لا بد له من تضحياته
وضحاياه على كل صعيد،فالأمة المسلمة كانت مستكينة مستسلمة لجلاديها خلال
العقود والقرون الأخيرة،وهاهي اليوم تدشن عهد التململ والثورة على
المشروع الاستعماري وخططه المدجنة للشعوب .
من ما اضطر الغرب وعملائه إلى التكشير عن أنياب طال ما أخفوها وراء أقنعة
المكر والخداع لكن الربيع العربي أفلح في نزع تلك العصابات والأغطية التي
طالما أرتنا القبيح حسنا،والعدو صديقا،والسم عسلا مصفى .
حيث نجد (حماة الحريات ورعاة الحقوق )يسكتون ويتفرجون على ارتكاب أبشع
الجرائم بحق الشعوب المسلمة،وكأن الإبادة الجماعية مشاريع إعمار وتنمية
تستحق الدعم والتشجيع،والديمقراطية ومفرزاتها صارت إرهابا يجب استئصاله
والقضاء عليه .
فهاهي الثورة المصرية وما أسفرت عنه من أحداث مفصلية،ومآس تحطم الرواسي
تفضح ألائك الأوغاد،وتعري مخازيهم وسوآتهم فهي الفاضحة
والمقشقشةحقا،أحكام بالإعدام على خيرة أدمغة مصر بل والعالم لا لجرم
ارتكبوه،ولا لذنب اقترفوه،سوى أنهم قالوا :ربُّنا الله ثم استقاموا .
سجون وتشريد وتقتيل ومصادرة لقوم اختارهم شعبهم قادة له وساسة
لأمره،بعدما أنهكته السياسات الجائرة التي أتت على أخضره ويابسه،وأهلكت
حرثه ونسله .
تتكالب عليهم سدنة الظلم ورعاة الرذيلة في عالم يدعي حكامه إفكا وزورا
حماية الحقوق والحريات .
وهم من يتصدون الآن للمد الحوثي في اليمن بوصفه انقلابا على الشرعية
الدستورية التي قلبوها بالأمس القريب ،وتحت يافطة الانتصار للإخواة
والجيران،الذين خذلوهم عتمة البارح،وتفرجوا على قتلهم وسحلهم في
رابعة-والنهضة-والفتح-ورمسيس-ودار الحرس الجمهوري .
:كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا .
ألفاظ مطاطية،واصطلاحات زئبقية،دائرة في فلك الهوى الأمركي
والصهيوني،خدمة لمصالحهم ومآربهم.
تحالف دولي ضد ما يسمى بداعش في مقابل صمت مطبق على جرائم النصيرية
والصفوية،وتدعا للمشاركة في هذا التحالف المشؤوم دول تدعي المسؤولية عن
أهل السنة،فيهرع قادتها مسرعين كأنهم إلى نصب يوفضون .
؟أليس عارا وشنارا أن تشارك الطائرات الحربية العربية في تحقيق الأهداف
والمبتغيات الأمركية مستخدمة إياها في تصفية الحسابات مع خصومها
وأعدائها،مشكلة من طيارينا دروعا وتروسا لا غير على نفس الربوع التي
تنهال فيها البراميل المتفجرة على رؤوس النساء والأطفال السوريين .
؟ألم يستطع ألائك المساكين أن يحفظوا ماء وجوههم،على فرض وجوده،فيشاركوا
في التحالف كما يحلو لهم،لكن شريطة فرض حظر جوي على الطيران الصفوي
والنصيري الذي يدك البشر والحجر ليل نهار ؟أم أن كل من يستنشق الهواء
العربي أهل للطحن والتهشيم .
؟أما آن للأمة المسلمة التنبه من سباتها،والتحرر من قيود التبعية
والانصياع، ؟أما سئمت أمتنا ذل الاستلاب والاستعمار،؟ألم يمض ما يكفي من
الوقت والتجارب الكفيلة بجعل الأمة الإسلامية تعيد لملمة أوراقها،وتغير
فلسفتها في التعاطي مع المحتل البغيض الذي طالما سمته :الآخر نازعة عنه
صفة الكفر والاحتلال .
ومهما يكن من ظلم وتكالب حتى ولو جرت الأنهار من دمائنا فالعاقبة لنا ولا شك .
وما هذه الأحداث التي تتفاعل في المنطقة العربية إلا إرهاصات الملحمة
الكبرى الموعودة .
أجل سقطت الأقنعة وانقضى عهد المجاملات الذي انتهبت به الثروات،واستنزفت
به المقدرات .
لكن على فجرة الغرب والشرق أن يعلموا أنها صفحة طويت،وأصبحت في خبر كان.
!أرى الدول الكبرى لها الغنم وحدها .
وقد صارت الصغرى على رأسها الغرم.
ألا كل شعب ضائع حقه سدىا.
إذا لم يؤيد حقه المدفع الضخم .