تتخرج كواحد من هؤلاء الثلاثين كاتبا صحفيا، وقد تكونت ثلاث سنوات في المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء. وحلمك وقد جهدت في هذه السنين هو أن تباشر العمل وبأسرع وقت ممكن.يقام الحفل ويحضر السيد الرئيس لمراسم التخرج، وتستبشر خيرا بهذا الاحتفاء.لكن،
في قليل، يخفت كل هذا. وتتسلم هذه الوزارة (وزارة الاتصال والعلاقات مع البرلمان) أوراقك، ويعدون خيرا. ولا تعرف مالذي يحاك في كل هذه الفترة (نهاية يوليو وكل أغسطس 2014)، ومالذي يجري خلف الكواليس. لقد كانت تراودك الأحلام، فتسترسل فيها حينا، ثم تأتيك فجأة هذه الإنذارات، فتوقظك قليلا، وتتوجس خيفة من هذه العيون التي ترمقك، وهذه الأفواه التي "تلهج" بذكرك، ولا تعرف مالذي يخافه هؤلاء الذين بالوزارة (وزارة الاتصال التي تحولت إلى وزارة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني)؟ ما هذه "الشحنة" الزائدة من المقت والرفض التي تنطق بها جباههم ووجوههم وما في قلوبهم أكبر؟ ما هذا الكره الشديد والشرر المتطاير الذي في الأروقة،ومن خلف الأبواب، والذي يملؤ هذا المكان ومن فيه؟ تراهم كالمغشي عليهم عذابا وحرقا وموتا حين تجوس بهذا المكان؟ مالذي فعلناه نحن هؤلاء "الكتاب" حتى نلقي هذا "الجزاء".
لقد أبدلنا الله وزيرا غير وزيرنا، فحملنا النبأ على الفأل وعلى البركة. وانتظرنا قليلا، لكن الطبخة كانت سريعة جدا، لقد كنا أول ضحايا الدفعة (زملاؤنا من الدفعة كالإداريين الماليين والإداريين المدنيين والقضاة، كانت حظوظهم أحسن، فوزاراتهم على الترتيب وزعتهم على المناصب الشاغرة، وحتى استحدثت لهم مناصب كما هو حال الإداريين المدنيين( أمناء عامين للمقاطعات، وهو منصب مستحدث جديد).وزارتنا في المقابل (وزارة العلاقات مع البرلمان، والمجتمع المدني) ما اشتغلت كثيرا في إيجاد حل للكتاب الصحفيين من هذا القبيل، كان شغلها كل هذه المدة القصيرة هو معرفة سبيل لرمي هؤلاء بعيدا، وتركهم يهيمون لوحدهم في أماكن لا يعرفونها، ولا تعترف بهم، وحتى مع محاولتهم معرفتها بكل أدب وانضباط ومهنية،فهي تروغ من كل هذا، وتتستر وراء "الاستقلالية المالية والإدارية"،فهي لا تريد أن يغرقها "الغرباء"، وليست في استعداد لأي "تنازلات" في هذا الجانب.
لقد قررت الوزارة، أن تشتت هؤلاء الثلاثين إلى مؤسسات الإعلام العمومي (ثمانية إلى الإذاعة، ومثلهم إلى التلفزة، وخمسة إلى الوكالة،ومثلهم يبقي في الوزارة، وثلاثة إلى شركة البث، واثنان إلى المطبعة الوطنية). لقد أبرم هذا الأمر كله بليل، وتم التكتم عليه بشكل شديد، حتى وقعه الوزير، ثم نشره، ودافع عنه بحماس (نهاية سبتمبر 2014). مالذي كنا ننتظره نحن الكتاب الصحفيون الحالمون؟ كنا ننتظر أن يتم التشاور معنا في الأمر على الاقل، وأن يأخذ برأينا فيه، وإن كان لا بد من إرسالنا إلى الإعلامي العمومي أن يؤخذ بالاعتبار درجتنا الوظيفية، وأن تسند إلينا مهام توازي درجتنا الوظيفية، والتي أقلها التحرير، والإعداد والتسيير، والتنظير، ومهام أخري إدارية،وإن تلزم المؤسسات التي ساقونا إليها بهذا (لكن لا يهم الوزارة أن تجد حلا، ما يهمها هو رمينا بعيدا).
ودافع الوزير وبكل قوة عن القرار، وحلف أيمانا مغلظة أن لا رجوع عن القرار. وامتثلنا للامر،وذهب كل فريق إلى هيأته.وفي الهيئات هذه، استقبل كل فريق، ولقد عبر مديرو هذه الهيئات عن استغرابهم من إرسالنا إليهم، مع أن بعضهم رحب بالأمر، وأعلن عن رغبته في عملنا معهم. ولقد بينوا لنا أنهم في مؤسساتهم يتمتعون باستقلالية مالية وإدارية، وتنظيمية، وليسوا ملزمين بأي شيء اتجاهنا، لكن نظرا لعامل الوصاية الذي للوزارة على هذه المؤسسات، فإنهم يستقبلوننا ولكن "لا شيء آخر".
وخاطبونا بوضوح أكثر بالقول، أنتم عمال أرسلتم لنا، ولو كان لنا الخيار، لما اخترنا أن تأتونا، ولذلك ليس بوسعنا أن نعمل لكم شيئا، بإمكانكم الانتظار هنا، ومن شاء منكم أن يشتغل حسب ما نمليه نحن، لا ما يرغب هو. حتى هذه اللحظة، نحن موزعون على هذه المؤسسات، ولا تسأل عنا، ولا يهمها شأننا، وليست بصدد أن تفعل أي شيء.وفي حديث مع احد مسئولي هذه المؤسسات قال لي: "أنتم محظوظون، يمكنك استلام مرتبك الشهري، قد تنهي عمرك الوظيفي، وليس عليك أن تقلق من شيء، فهذه المؤسسة لن تسأل عنك، وفي كل مرة ستستلم مرتبك، وقد تضم عملا آخر لهذا العمل، فتقبض مرتين". (أنظر درجة
أيها القارئ الكريم، بالله عليك قل لي: مالذي على الكتاب الصحفيين أن يفعلوه إزاء هذا الرفض المزدوج، من المؤسسات ومن الوزارة؟ الوزير يرفض بشكل متكرر أي تراجع عن القرار، والمؤسسات جاثمة، غير معنية،ولا يهمها في شيء ما صار يعرف بمشكلة "الكتاب الصحفيين". وفي أثناء هذا، يخبت الحماس، وتضعف الجذوة، ويداس على الحق، وليس باستطاعتك إلا أن تذكر هؤلاء (وقد ذكروا كثيرا)، وهم يصرون على الحنث والأيمان ومجانفة الصواب، والضرب بعيدا عن العمق والحل العادل المتمثل في أن يجد هؤلاء أنفسهم سواء في الوزارة أو في المؤسسات مع احترام درجتهم الوظيفية، وتبوّئهم المكان المستحق الجدير الذين يستحقون، وأن يستفاد من تجربتهم وعملهم وتكوينهم، فهم قد كوّنوا ليباشروا العمل على الفور، وهم مستعدون للعمل والعطاء، لكن الوزارة والمؤسسات الإعلامية لا تحب العمل ولا تحب العطاء، ولا يعبأون بهذه الطاقات الشابة المندفعة، وسيواصلون مسعاهم ليعرقلوا هذه المسيرة، والتي ستكون ناجحة في النهاية وستضخ دماء جديدة لهذا الحقل المهترئ، سواء رضي الشامتون أم لم يرضوا، والله المستعان.