بعض ملامح زيارات ولد عبد العزيز تذكر ببعض، وأقول فحسب، ببعض ملامح زيارات ولد الطايع، لكن مع وجود الفارق وربما الكبير أحيانا.
فحينما زار ولد عبد العزيز روصو بعد انقلابه 2008 على سيدي ولد الشيخ عبد الله، لم يشرب الناس "أفياه"،
أي المياه المعدنية ، خلاف زيارات معاوية، وإنما شرب بعض الزوار من حنفية الوالي، التي ربطت بـ"ركور" يتدفق ماءا دون أن يمنح والي إترارزة آنذاك فرصة مياه صافية على الأقل مدة وقت وجيز عابر، هو وقت الضيافة، ربما لأن الظروف والأساليب تقلبت جذريا، وليس هذا مقام تشجيع للتبذير، وإنما للقول بأن أسلوبا طرأ على منظومة الحكم، إبان إقبال اعل وعزيز على السلطة، لأن الكرم وعكسه، ليس شعارا فحسب!.
وإنما خلق وطبع متجذر. وعموما لا تخلو زيارات عزيز الأخيرة، إبان سنة 2015، من طابع "طائعي"، من حيث أسلوب الاستقبال عموما، مع وجود فوارق جمة، أقلها عدم الحسم وعدم تيسر وسائل معتبرة لمثل هذه التحركات الميدانية المتتابعة المثيرة، والتي قد تصب في إستفتاء غير دستوري قد يصب في مسار في المقابل أقل ما يقال عنه أنه "فتنة"!!!.
على كل حال، قد لا يتمتع القائد بسهولة، مهما قيل عن نواقصه وسلبياته، بصفات القيادة الأساسية، مثل القوة والحكمة والجاذبية، أو القبول بعبارة أخرى.
أجل، قد لا يحصل على هذه الميزات بسهولة، لكن معاوية رغم كثير مما يقال عنه، بموضوعية ربما، أو بغير ذلك، كان قائدا ترك بصمته على الوطن والتاريخ وحياة الناس في موريتانيا خصوصا، فهل يمكن مقارنته ببساطة مع حارسه المتمرد، الذي يدعي بعض أقاربه وأشياعه المفترضين القلة، أنه ربما قطف ثمرة حكم، عبر إنقلابه يوم الأربعاء الموافق3 أغسطس2005، كان لزاما قطفها وإنتهازها من قبل أيا كان، لأن حكمه كان على وشك الإنتهاء و الأفول!.
فجاء ولد عبد العزيز، ممثلا أقل الأضرار المتوقعة السيئة عموما، مثل ثورة "أهل الشرق" على يد ولد حننه وأصحابه، التي قد تكون أكثر عنفا على رأي البعض، لكن هذا ليس مقنعا تماما، في حسابي الخاص، فإنما جاء بأعل وعزيز الشراهة للمال والنفوذ الواسع الهمجي، خصوصا في فترة حكم عزيز التي ظهرت فيها، طبقة جديدة من رجال الأعمال، امتهنت سياسة "الجمع والمنع"، بامتياز، وكان اغلبها من أهله، وإن قيل اختلف مع بوعماتو وأعل، إلا أن الأمر، لا يصل إلى العظم باختصار.
خلاف رجال أعمال معاوية، الشرهين جدا، وليسوا أكثر كرما، لكنهم يتصدقون ويسترون بعض عورات وثغرات نظام أبن عمهم معاوية.
وكان مفهوم الدولة أكثر شأنا زمن معاوية وحتى زمن إعل وسيدي ولد الشيخ عبد الله، من الزمن الصرف الخاص، بصاحبنا وصهرنا حفظه الله من شر نفسه وشر غيره: محمد ولد عبد العزيز.
ومما يركز عليه الناس في تمييز النموذجين المتباعدين على رأي البعض، المتشابهين على رأي البعض الآخر، شح النظام الحالي وحرصه على منفعة الرئيس نفسه وبعض أهله وحاشيته، أكثر مما فعلت سائر الأنظمة المتعاقبة، رغم أن ناغم المحسوبية كان حاضرا في كل تجارب الحكم بموريتانيا، مع تفاوت الأسلوب، وكان أقلهم محسوبية ربما ولد هيداله، إلا أن الجانب الخارجي من سياسته لم يخل من إنحياز غير الحكيم على رأي البعض في مسألة النزاع الصحراوي.
وأما ما سوى ذلك، فكان أقل، إلا أن التجار لم يتركوه وشأنه، فتقربوا لبعض أهله ودفعوهم لاستغلال النفوذ.
وعموما كان استغلال النفوذ -أقل على صعيد الأسرة المعنية- فترة حكم ولد هيداله، أما معاوية منذ زواجه من بنت أحمد الطلبه، -إبنة عمنا- فقد لعب التجار من بعض "اسماسيد" على رأسه وظهره، وبرز صنيعته الأشهر من غير أهله، وهذا يذكر له فيشكر، لأن بوعماتو وقتها رئيس اتحاد أرباب العمال، والذي كان يبشر به معاوية في بعض زياراته، رغم انه ليس ابنه عمه، كان فعلا من أبرز المستفيدين ماليا، بصورة كبيرة زمن ولد الطايع خصوصا، ولم يدم وفاقه طويلا مع عزيز، رغم أنه دعمه بقوة منذ اليوم الأول لإنقلاباته، ماليا ومافيويا مع "بورجيه"، في حملته 2009 خصوصا.
وما فتئ بوعماتو، يحرض بذكاء على ظهور حكم "سباعي" مقرب منه ومحسوب لصالحه بجميع المعايير والمعاني، ظانا غلطا أن عزيز أبن عمه سيكون أفيد له وأقرب من معاوية، إلا أنه فشل وصدم، لأنه تعود على كرم أحمد ولد الطايع وسلاسته في المعاملات، والتي قد لا تخلو طبعا من منافع شخصية معتبرة، ولا يمكن أن يضاهي أحد كرمه، مهما قيل عن سلبياته وسلبيات أبناء عمومته، وهذا ما يدعمه ويكرره الكثيرون من إشادة بكرم "اسماسيد" عموما، رغم كل ما يقال عنهم، وهذه شهادة للجميع تقريبا في الوقت الحاضر موالاة ومعارضة من خارج السرب الطائعي، وهذا الجانب الإيجابي لا يمنع وجود ملفات مثيرة مفحمة طيلة فترة حكم الرئيس المخلوع معاوية.
وقد حصل الخصام سريعا بين أركان حكم ولد عبد العزيز من الأسرة الواحدة، وانفلت العقد، على عجل، وبقي ولد عبد العزيز، مع تجار كبار جدد وقدماء، أغلبهم من أهله مثل "أهل قده" و"اهل المامي"، وبعض اهل الساحل.
وإشتهر محمد فال ولد سيد احمد الملقب "أفيل" ولد اللهاه إبن خالته وأحمد سالك ولد ابوه "الصحراوي"، الذي كان بارزا زمن ولد الطايع، لكنه إزداد بروزه، عبر مشروع المطار وشركة "النجاح"، وبنك المعاملات الصحيحة، كما ظهر نائب مدينة ناشئة صغيرة، هي "الشامي"، بمنتصف الطريق بين نواكشوط ونواذيبو، رجل الأعمال الشاب لمرابط ولد الطنجي من قبيلة "لعروصيين"، وهو صاحب رخصة بنك "المعاملات الصحيحة"، التي أشرك فيها معه صديقه وشريكه في المصاهرة سابقا افيل ولد اللهاه "الكنتي"، واحمد سالك ولد ابوه "الصحراوي" وأحمد ولد مكناس "من قبيلة الكرع"، الذي تعزز نفوذه المالي، بعد قبوله بنسبة 20% من رأس مال بنك المعاملات الصحيحة.
وللتذكير بنك المعاملات الصحيحة هذا، هو الوحيد، الذي دفع رأس ماله "ست مليارات أوقية" للبنك المركزي، عدا ونقدا، دون نقصان.
30% لأحمد سالك "الصحراوي" و30% لابن خالة الرئيس افيل ولد اللهاه،20% لمالك الرخصة النائب البرلماني عن الشامي الوليد، لمرابط ولد الطنجي، وأخيرا 20% لأحمد ولد مكناس، شقيق الوزيرة المدللة المثيرة الناها بنت مكناس!. ومن الجدير بالذكر أن "الصحراوي" وفر للرباعي المذكور أغلب رأس المال، الذي ذكر أنه توفر له بعد بيعه للكثير من القطع الأرضية بنواكشوط مقابل صفقة المطار إلى حين التحاسب مع الثلاثة.
وعندما عرضوا على ولد عبد العزيز مقترح مدير عام باسم عبد الله ولد أحمد ولد مختار ولد داداه، تطلب الأمر الموافقة المبدئية من قبل الرئيس شخصيا، فتفاجأ المساهمون الأربعة، عندما علموا شغف ولد عبد العزيز بالشراكة غير المباشرة، عبر إبن خالته أفيل وصديقه لمرابط، مع أسرة المعارضة الراديكالية المركزية اهل داداه، خصوصا مع ما عرف عن عبد الله ولد داداه من خبرة فنية واستقامة، فقال -حرفيا- عزيز، لحامل العرض، أرغب في الإنفتاح على اهل داداه، وقد تبين ذلك لاحقا، عن طريق تعيين براهيم ولد داداه أيضا وزيرا حاليا للعدل، إثر التغيير الوزاري الأخير.
ومما يوجز ويروج أهل موريتانيا في شأن الزيارات الرئاسية، محل البحث والتحليل الأساسي، مقارنة بين الحالي ومعاوية، غياب ما يسموه إختصارا بـ"أتشعشيع"، وهو مصطلح يجمع بين السعة المالية وبعض المرح، الذي قد يجنح أحيانا، في عهد معاوية "لقظف"- كما يسمونه-، وعزيز يرى بعضهم عبوسا، ولا يكرم إلا بعض أهله غالبا وبعض من يخاف ويقرب من كبار ضباط "أصنادره"!.
أعوذ بالله، المحسوبية المطلقة وقلة الضحك المباح، مقابل الانفتاح على المافيا والتغاضي عن فسادها العريض المتصاعد المفضوح، هذا ما يقوله بعض أنصار معاوية خفية، ضد زمن ولد عبد العزيز الفاشل العاجز في نظرهم عن إفشاء الفساد على الأقل، لأنه إستغله شعارا خادعا فحسب، ولم يحارب فساده هو وبعض أهله، ومن يخافهم من "اصنادره".
وباختصار عزيز الزيارات، خصوصا زيارات 2015 قد لا يعجز عن تمثيل نسبي عن ما يماثل نسخة معاوية2015 بحكم الأسلوب الدعائي عل الأقل، والإقبال الجماهيري المنقطع النظير، ربما لأن أهل موريتانيا لا يملكون إلا جانب الدولة، متقربين منها وممن يحكمها خصوصا وعموما، وتغلب على شأنها، ليمنحهم درء المضرة إن لم يعطهم.
فهم مضطرون للتصفيق، وأحيانا إلى حد الإسفاف والقرف!، عسى وعسى....
عزيز الزيارات، هل مثل فعلا نسخة من معاوية، خصوصا في السنة الجارية 2015، وهل كان ذلك استلهاما وإستئناسا عن قصد وسبق إصرار، رغم ما يدعي أنه منع كذا وكذا، من أساليب الزيارات السابقة، فترة ولد الطايع خصوصا، والتي عايشها هو شخصيا، وساهم في صنعها، وتحضيرها وتنفيذها، على الأقل أمنيا وبروتوكوليا مع جوانب أخرى، لعمق الثقة فيه وقتها، أيام حكم معاوية، والذي ساير بوجه خاص ما يطلق عليه مرحلة "إزدهار" حكمه.
وفي هذا الصدد، أقول بايجاز، عزيز حارس معاوية مدة تقارب العقد، بصورة غير مباشرة، ومباشرة في السنوات الأخيرة، وهو لا يملك خيار التأثر بالإيجاب والسلبي على السواء، وهو الآن ربما، يحاكي مع وجود فوارق جمة بصراحة، وبحكم الطبع والخلفية، المختلفتين، لدى الرجلين، لكن أوجه التشابه لا تنعدم ولا تقل كثيرا ومنها الطابع الإستبدادي، والإنقلابي والدعائي الخادع الزائد، أما جانب الكرم والحسم والإنفتاح، فحدث ولا حرج، فذلك ميدان الإختلاف بين النموذجين الطائعي والعزيزي في دائرة الحكم الواحد المتشابه تقريبا.
نظام واحد متجدد، لكن مع وجود الفارق الكبير، حين يتعلق الأمر بما يرمز له الموريتانيون بـ"اتشعشيع"، أي أن الأول -أي معاوية -خرج من الحكم لا يملك إلا منزلا واحدا، ورثه عن شقيقه الأكبر الزاوي رحمه الله وتغمده فسيح جناته في الفردوس الأعلى.
بينما صرح عزيز، بأكثر من ثلاثة مليارات، ضمنيا عبر برنامج لقاء الشعب سنة 2010، ولو ضمنيا فقط، وهو أغنى رئيس في غرب إفريقيا، وربما من أكثر الأشخاص ثراءا في منطقتنا.
والشعب الموريتاني، في كلا الفترتين، وإن بصورة متفاوتة، هو الضحية الأولى بامتياز.
فمتى يتعلم عزيز الدرس، ليصبح معاوية 2015، رغم وجود الفارق، ومتى يعلم أيضا أن الموريتانيين يحبون العبث المباح والتسامح ونقصه من أكبر أسباب صدودهم عن النظام الراهن، ولا يكفي الإقبال الشكلي فقط، كما يكرهون سوء الحال عموما، وأما "اتشعشيع" فيرحمه الله، وكبر عليه ثلاثا، إلا أن تكون "سباعيا" أو "صندري" يخاف من محاولتك الإنقلابية، إن حظيت بثكنة ذات شأن، رغم أن الجيش قد فكك عن قصد وبدقة فائقة في غاية الذكاء والدهاء، على نهج قريب من نهج معاوية، أو أكثر بصراحة أيضا. ولكن كل هذا لا يمنع مما قد يحدث في شهر 6-2015 أو غيره، إن لم يكن في يوم محدد معلوم عند البعض، ممن يدبر ويخطط في الخفاء وبإستمرار.