إن تقارب الشعوب وتجانسها في المعانات المشتركة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تطبق إسقاطات بعضها علي البعض حتى ولو تجانست وتوحدت نوعية الأحكام الديمقراطية فيها ذالك أن الروح العقائدية في كل شعب هي التي تحكم نسيجه الاجتماعي من خلال البعد الأيديولوجي لهذا الشعب أوذاك
في نمط معيشته بترسيخ روح القيم والتكافل الاجتماعي داخل محيطه .
ولئن كان الشعب التونسي رغم وعيه الشامل وتقدمه التقني وثرائه الاقتصادي قد أشعلته ثورة الياسمين كما يسميها التونسيون بفعل احتراق بو عزيزي بقميصه حتى تسببت في إسقاط نظام بن علي الدكتاتوري العلماني لذي رسخ الفساد بعد أن زهقت أرواح ما يزيد علي المائة من الأبرياء ومزقت شمل الأحبة وحطمت صرح القيم وأهلكت الحرث والنسل والله لا يحب الفساد كل هذا بسبب بسيط هو مصادرة شرطي لعربة الفاكهاني إلا أنه نظرا لترسيخ مبدأ الإقصاء وتفشي الظلم تحول الشهاب القبسي إلي جحيم لم تقتصر ألسنة لهبه علي تونس فحسب بل تحاول أن تنتقل عدواها لتلتهم من أحشاء شعوب أخري بريئة مجاورة وغير مجاورة ظنا منها أن كل شهاب قبس يضمن التحول إلي حريق وجحيم ولكن هيهات هيهات فما كل الأمر كذالك فقد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فبعض الشعوب قد تكون محصنة بفعل بعدها الأيديولوجي الذي يكسبها مناعة ضد أية عدوي ثورية فقبل أن نحرق نفوسنا يجب علينا أولا أن ننظر إلي المصير المحتوم لحارق النفس وقاتلها انطلاقا من مبادئ الدين والنهي عن ذالك هذا بغض النظر عن ما يراه الفيلسوفان كركجارد وهيدكير حيث يرون أن : ( القلق والتشاؤم من أسباب عدم الظفر باللا نهائي و أن هذا الوجود العيني سيحطم لامحالة علي صخرة الموت العاتية وبالتالي يحدث ( قلق من وقلق علي) ذالك ان الموت موتي وحدي .......) ويري أحد الفلاسفة ان ( الإنسان مثل برتقالية الزمن ينتجها للقطاف ) فهذا هو معني الموت ونهاية الإنسان هذا من ناحية ومن ناحية يجب أن نقوم بتقييم الوضع في موريتانيا وإسقاطه على تونس ومصر وليبيا واليمن قبل الثورة ووضع مقارنة سوسيولوجي وأيديولوجية وعقائدية بين هذه الشعوب العربية وهل هناك حتي بعض الإسقاطات التي يمكن أن تضع تشابها ولو بسيطا بين تلك الشعوب لا من الناحيتين السوسيولوجي أو الأيديولوجية أو العقائدية فحسب ولا في حتى نمط الأحكام في كل تلك الدول فصحيح أنه علي حد قول أحدهم :
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
إلا أن الشعب الموريتاني بحكم خصوصياته الثقافية والدينية وتماسكه العضوي بين فئاته لا يمكن أن تحقق فيه الثورة ما تحقق في تونس حتى ولو افترضنا جدلا قيامها إذ أن روح الدين والقيم والتلاحم وحب الخير للمسلمين وبعد القيم الروحية والتكافل الاجتماعي مازالت موجودة وقائمة فالشعب يعي جيدا حرمة الانتحار وتجليات خطرها علي المجتمع ويستنكرها بفعل تعزيز روح الدعوة القائمة في المساجد وفي الأسواق والشوارع عكس ما يعيشه الشعب التونسي الذي يرضخ تحت فكر علماني يختلف تماما عن ما هو في موريتانيا حيث يحظر عليك في تونسي أن تتابع صلاة فريضتين في مسجد واحد عكس ما في موريتانيا ولله الحمد حيث يتسابق الموريتانيون إلي المساجد للصلاة التي تنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يريدون بها وجه الله وشهادة الخير ( إذا رأيت الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالخير) الحديث
أما علي المستوي الاقتصادي والسياسي فإن الشعب الموريتاني منذو خمسين سنة وهو تتعاقب عليه أحكام توصف بالفساد ولم يلقب أي حكم منها بلقب مكافحة الفساد سوي النظام الحالي والذي وضع آلية واضحة المعالم لمحاربة الفساد بعيدا من المحاباة حيث قام بمصادرة العقارات والسيارات والفيلات والشركات التي تم اقتناءها من مصادر الشعب من ذي قبل وحاكم المفسدين وصادر ممتلكاتهم وأقام الحجة عليهم في الفساد بعد أن ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) وانطلاقا من هذا وبوصفي بعيدا من أي انتماء سياسي حزبي ولست من مطبلي ولا من مؤيدي ولد عبد العزيز ولست ممن ينقم علي المعارضة أويكرهها فإنني أري أن التحريض علي الثورة في موريتانيا بآلام التونسيين ومحاكاتهم في نمط الانتحار لا تضمن بأي حال من الأحوال تحقيق أحلام ما آلت إليه تونس بل ستثبط ممن يحرض علي ذالك ويكون قد ألقي بشعب كامل إلي مستقبل مجهول ولذالك فينبغي أن لا نعمل علي إيقاظ الفتنة بين شعب مسلم لقوله تعالي ( إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم ) ولقوله صلي الله عليه وسلم( الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها ) ومن هنا فإن علي الشعب الموريتاني بأكمله من معارضته إلي موالاته أن يمنحوا نظامه الفرصة التامة من أجل التغيير ومحاربة الفساد التي لقب بها نفسه لكنه وسعيا إلي تحيق ذالك فإنني أوجه مجموعة من الاقتراحات إلي طرفي المعادلة السياسية في موريتانيا ـ النظام ـ والمعارضة ـ لنكثف جهودنا سويا علي تحقيق العيش الكريم لشعبنا المسلم دون إقصاء ولا ظلم انطلاقا من مبدأ أن الدولة تقوم علي الكفر ولا تقوم علي الظلم .
أ ـ علي المستوي الاقتصادي الاقتراحات التي أوجهها للنظام هي كتالي في نقاط موجزة:
ـ تحسين الظروف المعيشية للشعب كمطلب أول ولن يتحقق ذالك إلا بما يلي :
ـ فتح فرص عمل لامتصاص البطالة خاصة في صوف الشباب حملة الشهادات
ـ وضع حد لارتفاع أسعار المواد الغذائية وذالك بنزع الضرائب الجمركية عنها ووضع آلية للرقابة تعمل علي
معاقبة البائع والمشتري سويا حينما يتفقان علي تجاوز ثمن بيع المواد الغذائية
ـ تخصيص دخل خام شهريا لكل أسرة فقيرة ليس فيها شخص موظف وليس لديها من يعيلها
ـ استصلاح جميع المساحات الزراعية وتسييجها واستغلال مياه النهر للزراعة المروية
ـ تعزيز وتشجيع الإنتاج المحلي الزراعي
ـ وضع أقطاب تنموية كل واحد منها مستقل طبقا لحيزه الجغرافي وخصوصياته التنموية بحيث يكون
هناك قطب لتنمية الحيوانات والزراعة في الشرق والجنوب فقط
قطب للصيد والبترول في الغرب والجنوب الغربي
قطب للصناعة والمعادن وفي الشمال والغرب
قطب للتجارة في الوسط
ـ خلق برامج تنموية كبري تحظي باهتمام أوفر في المنطق الأكثر فقرا خاصة في مناطق آدوابة في
مثلث الفقر وشمامة وتوفير بني تعليمية وصحية لصالحها
.ـ تفعيل دور هيئات المجتمع المدني وجعلها أكثر استعدادا للتجاوب مع القضايا الوطنية
ب ـ علي المستوي السياسي فتح حوار شامل مع المعارضة وإشراكها بصفة ودية في تسيير الشأن العام وذالك بما يلي :
ـ وضع آلية للتشاور معها حول جميع القضايا الحساسة بصفة شفافة خاصة في مجال التسيير والسياسة
الخارجية والدفاع والأمن
ـ الأخذ في الاعتبار لآراء واقتراحات المعارضة في غرفتي البرلمان علي محمل الجد وتطبيقها
ـ إشراك الأحزاب السياسية في حكومة ائتلافية باستثناء مؤسسة زعيم المعارضة حتى تظل محافظة
علي مصداقيتها الديمقراطية وتخصيص ميزانية لتسيير هذه المؤسسة
ـ وضع الإعلام الرسمي علي نفس المسافة من المعارضة والنظام والحد من تدجين الإعلام الرسمي والإسراع
في فتح قنوات وإذاعات مستقلة فيما بات يعرف بتحرير الإعلام السمعي البصري
ـ تفعيل وتهذيب الخطاب السياسي بحيث يكون علي مستوي من المسؤولية التي تعكس مدي التشبث
بالقيم والثوابت الروحية بعيدا من التجريح والشتم والتنا بز بالألقاب خاصة في المهرجانات ووسائل الإعلام
واعتماد مبدأ النقد البناء الذي يخدم المصلحة العامة .
أما الاقتراحات التي أوجهها للمعارضة فهي كتالي:
ـ أطالبها بالاستجابة لمطلب حوار وطني مع النظام بصفة جادة وصريحة حول القضايا السياسية
والاقتصادية والثقافية والاجتماعية بصفة تضمن انسيابية العمل الحكومي
ـ التخلي عن المطلب بتطبيق اتفاق دكار
ـ عدم استغلال أحداث تونس لتحريك الشارع الوطني لما في ذالك من انعكاسات سلبية يصعب التنبؤ بها
ـ الحد من استغلال الملفات الشائكة كحقوق الإنسان والعبودية والمبعدين لأن هذه الملفات قد وضع حد لتسويتها
ـ العمل علي مراقبة العمل الحكومي بصفة نزيهة بعيدا من التلفيق والتشكيك والمغالطة وإحاكة الشائعات إلي
واقع وهمي لا يخدم المصلحة العامة للبلد .
ـ منح الفرصة للنظام في مكافحة الفساد وترسيخ دعائم الدولة خاصة أنه لم يتمم حوله الثاني في تنفيذ
برامجه الانتخابية
ـ تفعيل وتهذيب الخطاب السياسي بحيث يكون علي مستوي من المسؤولية التي تعكس مدي التشبث
بالقيم والثوابت الروحية بعيدا من التجريح والشتم والتنا بز بالألقاب خاصة في المهرجانات
ووسائل الإعلام واعتماد مبدأ النقد البناء الذي يخدم المصلحة العامة
ـ عدم تلفيق الواقع ونكران الجميل بما تحقق من إنجازات والمطالبة بزيادة تحسين الظروف المعيشية والاقتصادية
للشعب الموريتاني ومحاربة الفساد .
وأخيرا :
أن كل تجليات هذه المطالب حسب اعتقادي والتجاوب معها يعتبر أداة فعالة في تجنب البلاد لواقع الأزمات والنكسات مثل ما وقع في بعض البلدان العربية خاصة مع تنامي الوعي المدني بين صفوفه لذالك فمن الحري بشعب مسلم مثل موريتانيا تتعدد فيه الأعراق والتجانس الحضاري تحكمه وحدة معصم الدين الإسلامي فقط لم يصل به التجانس العرقي حد التجاذب والتنافر أن يقلق من واقعه ويقلق علي مستقبل أجياله لذالك يجب عليه أن يكيف قدراته الاقتصادية مع مصادره البشرية , ذالك أن استغلال آلام شعوب أخري لن يحقق في موريتانيا مثل ما تحقق في تلك البلدان إذ أن عوامل الثورة
ووسائلها وآلياتها لا يمكن إسقاطها علي الواقع الموريتاني بحكم الدين والقيم والثوابت فإذا كانت هناك بعض الإرهاصات التي يقوم بها بعض طلبة المدارس من أجل التشويش علي النظام وتعكير صفو الحياة المدنية والتي تقف وراءها جهات تحريضية فإنها لن تصل إلي مستوي ما وقع في تونس مهما بلغت القلوب الحناجر ومهما أحرق البعض أنفاسه وصب الزيت علي النار , فالنسعي بأنفسنا عن تأجيج المشاعر ولا ندخل مسلكيات الانتحار والقتل التي حرم ديننا الحنيف .