بدأ التقرير بإثبات ما حققته موريتانيا ؛من معدلات نمو قياسية في السنوات القليلة الماضية ،بفضل ما يميزها أصلا من موارد طبيعية ، ووصف ذلك بالنتاج لاتباع سياسات صحيحة وسليمة دعمت بناء ركائز أساسية ؛لخلق نمو كبير مع الاستمرارية واحتواء الجميع ، اعتمادا على رأس المال
البشري أكثر منه اعتمادا على الموارد الطبيعية.
ويضيف التقرير الخاص الذي أعده خبراء "الصندوق" أن موريتانيا تحقق منذ عام 2010 نموا اقتصاديا ملحوظا قدر متوسطه 5،5 ، وهذه النسبة طبعا تفوق حسب التقرير متوسط النمو في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا .
إلا أنه من الملاحظ كذلك أن المواطن الموريتاني في سن العمل غالبا ما يكون غير نشط أو عاطل عن العمل ؛أو يمارس وظيفة غير مستقرة في القطاع غير الرسمي ؛يضيف التقرير.
وهذه حقيقتنا المزعجة فالشاب الموريتاني سواء أنهى دراسته الجامعية وأكملها أم لا، وسواء درس أو لم يدرس أصلا؛ فهو دائما يريد أن يكون على هرم الإدارة ؛أو في مستوى وظيفي قد لا يسعفه الحظ في وصوله للوهلة الأولى نظرا لندرته من جهة ولكثرة طالبيه من جهة أخرى.
فعلى الشباب الوطني أن يدرك جيدا أن الحياة الوظيفية تتحكم فيها أشياء تجعلها كالسلم ،درجات بعضها فوق بعض ؛ولكي نصل إلى قمته علينا التدرج وتتابع الخطوات من الأولى إلى الأخيرة فذاك أسلم ،دون استهلاك الوقت في التفكير بالقفزة الواحدة التي توصل إلى العتبة العليا والتي غالبا ما يظل المتشبث بها واقفا جانبا عازفا عن الصعود..!
ثم إن عدم التخلص من عقلية الاتكال ساهم هو الآخر في تجذر الظاهرة آنفة الذكر وفاقم من حدتها ؛فالأسرة الواحدة عندما يوجد بها موظف واحد أو عامل واحد فإن البقية تعزف عن العمل وتلقي كل المسؤوليات الأسرية عليه وكأن العمل مجرد فرض كفاية ،سقط عنهم بمجرد قيام أحد أفراد الأسرة به؛وإن أجهده ذلك وأرقه لا يهم ..!
وطبعا يتناسى الشباب هنا المسؤوليات الجسام التي تنتظره ،خاصة عندما يتفرد بقيادة وتدبير شؤون بيته المستقبلي الذي قد يشيخ أويتقدم به العمر دون أخذ المبادرة بخصوصه متخفيا بأوهام انتظار الوظيفة المناسبة .. محتقرا بعض المهن التي طرأت حقارتها بفعل اتتشار ثقافة الكسل وتعشيشها في الأذهان..!
ومع أن التقرير أكد أن ثمار النمو في بلادنا لا تتوزع على الجميع بالتساوي الكافي ؛كما الحال في البلدان التي تعتمد بشكل كبير على الموارد الطبيعية ،ذاكرا أن معدل البطالة في بلادنا وصل إلى نسبة 10% فقط ، وطبعا هذه نسبة غير مقلقة إذا ما نظرنا إلى طبيعة مجتمعنا الذي تتكاسل جل القوى الحية فيه والتي يشكل الشباب سوادها الأعظم ؛وتعزل فيه النساء عن الوظيفة وتحتفظ فيه العقلية المجتمعية لهن بعدم الانتاج؛مع بعض الاستثناءات التي بدأت في التغيير أخيرا .
ومع أن التقرير أشار إلى أن نسبة 56% من السكان في سن العمل لا يسعون للبحث النشط عن فرص عمل ؛ وبالتالي فهم محسوبون ضمن العاطلين ، وقليل منا من لا يوجد في بيته من هذه صفاتهم ،سواء درسوا أصلا ونالوا شهادات دراسية أم لا ؛فالعزوف وانتظار المجهول بفعل العيش في الأوهام وأحلام اليقظة جعل الحالة هذه منتشرة وسائدة .
ويتضح من التقرير المذكور أن نسبة السكان العاملين تصل إلى 9 من بين كل 10 افراد يعملون في القطاع الغير رسمي وأكثرهم في الزراعة مما يعني أن عمال الوظيفة العمومية قليلون جدا مقارنة مع العمال في القطاع الخاص والغير مصنف ؛الذي تنعدم الأجور في أغلبيته أو تتضاءل حسب التقرير وتقل كذلك الحماية أو الأمن الوظيفي ،كما لا تتوفر فيهم أو لهم الشروط المطلوبة للحصول على معاش تقاعدي ، وهذا ما لا نوافقه في عمومه فبعض الأجور في القطاع الخاص تفوق بكثير الأجور في العام خاصة إذا ما تعلق الأمر بصغار الموظفين ..
صحيح أنه خلال السنوات الأخيرة استحدثت الحكومة زيادات في الأجور وقامت بتعميم علاوات كالسكن والنقل مثلا ؛ وهي خطوات تشجيعية تصحيحية مذكورة ومشكورة ،ولكننا ننتظر المزيد في هذا الخضم نظرا لارتفاع الأسعار وتولد مشاكل اقتصادية واجتماعية جديدة أملتها تعقيدات الحياة المتجددة يوميا.
في حين ذكر التقرير هيمنة القطاع العام على أنشطة القطاع الرسمي ووصفه بدافع الأجورالسخية نسبيا ؛وطبعا نتحفظ على ذلك .
ولم ينسى التقرير الأزمة المعدنية الدولية التي نمر بها كغيرنا حاليا والتي تهدد خطط الاستثمار في مجال التعدين ؛ مع ماسيكون لذلك من انعكاسات سلبية على الصادرات والنمو .. لكن ذلك لن يكون له بالغ التأثير ،فموريتانيا لم تعد تلك الدويلة المأزومة والمستدانة من طرف كل الدول قويها وضعيفها ؛وستظل الأزمة تحت السيطرة حتى يتم تجاوزها بفعل السياسات الاقتصادية الوطنية التي بدأت تؤتي أكلها في ظل الحكومة القائمة .
وسيكون هناك تكامل اقتصادي من شأنه التخفيف من حدة المسألة وصولا إلى التجاوز التام لها ؛فالطفرة الزراعية والاستثمارات الاقتصادية الكبرى ؛إضافة إلى الاكتشافات الأخيرة بشأن الغاز وانتعاش قطاع الصيد ، كل هذا لا ينقصه إلا الإرادة الجادة والتخطيط المحكم والتسيير الشفاف الذي تتوفر له الأرضية المناسبة في ظل الكوكبة الحكومية بقيادة المهندس الوزير الأول ؛ الذي ترسو به سفينة هذه الحكومة وتتجاوز العقبات .
ووصولا إلى الاقتراحات التي ركز فيها التقرير على إجراء إصلاحات تشجيع تنمية القطاع الخاص وتنويع النشاط الاقتصادي حتى يتسنى استمرار النمو ؛وتوفير مزيد من الفرص للقوى العاملة المتزايدة،وهذا وارد ويصب في التوجهات العامة لبرنامج للحكومة.
وطالب المعدون لهذا التقرير بتحسين التعليم من خلال معدلات الالتحاق بالتعليم ؛وتحسين جودته،وضمان تسليح القوى العاملة بالمهارات التي تتناسب مع احتياجات أصحاب الأعمال ، مثمنا إعلان الحكومة سنة 2015 سنة للتعليم ،مطالبا بالتركيز على التعليم إلى ما بعد هذا العام .. وهنا نقول بأن إعلان هذا العام للتعليم ؛حدث جيد لكنه لا يأتي بالمطلوب ولا يوفر الحلول اللازمة لتجاوز كل المشاكل والعقبات وعليه فإننا بحاجة إلى تبني خطة عشرية أو خمسية من أجل النهوض بالتعليم ؛خاصة وأن زيارات الرئيس ركز فيها على الوقوف على البنى العمرانية للمؤسسات التعليمية وتم الاطلاع عن كثب على مشاكل التعليم وسوء توزيع الخريطة المدرسية وتهالك البنية العمرانية ؛التي تحتاج إعادة نظر وإعادة تنشيط.
وطالب التقرير بزيادة مشاركة المرأة في الاقتصاد وهذا مطلب وارد وله أرضيته المناسبة إذا ما أخذنا بالاعتبار أن بلادنا زادت من حجم وقيمة المشاركة النسوية على المستوى الإداري والسياسي خاصة .
وختم التقرير بدعوة بلادنا إلى الحد من هشاشة أوضاع العمال في القطاع الخاص ، ووصف القطاع العام بأنه يمتاز بسخاء الأجور مما يدعو إلى استقطاب أفضل الكوادر على حساب الخاص ، وهذا ما نتحفظ عليه إلا إذا اعتبرنا هذه الجزئية بالذات تركز في الطرح على رؤساء المصالح فما فوق لأن موظفي القطاع الآخرين ورغم الزيادات والعلاوات المعتبرة لا زالو يحتاجون إلى مراجعات مالية واستحداث علاوات وزيادة الموجود منها سبيلا إلى تثبيتهم وتحسين أدائهم وخاصة في قطاعي الصحة والتعليم .