ملاحظات جوهرية على هامش حفل "إنصاف" (3/ 3) / الأستاذ محمدٌ ولد إشدو

ملاحظات جوهرية على هامش حفل "إنصاف" تضامنا مع سجناءغوانتنامو واحتفاء بمذكرات محمدو ولد صلاحــي (3/ 3)

خامسا: مسألة العدالة.

ذكر الأستاذ إبراهيم ولد أبتي أنه رفع دعوى أمام النيابة في نواكشوط ضد من اختطفوا

وسلموا ولد صلاحي لدولة أجنبية. وهو الفعل الذي يعاقبه القانون دون هوادة، وأن تلك الدعوى ظلت حبرا على ورق إلى يومناهذا. وهذه المسألة تطرح من جديد موضوع العدالة القديم الجديد؛ فهل العدالة مجرد مرفق شكلي يسخره بعض أعوان النظام على هواهم وهوى قبائلهم وأسيادهم ومن يدفعون وفقا لـ"مبدأ الملاءمة" سيئ الصيت؟ أم إنها هي أساس الملك وقاعدة العمران وصمام الأمن وضمان التنمية والاستثمار والازدهار؟ لما ذا لا نتعلم من وصية الرئيس الحبيب بورقيبة - رحمه الله- للبعثة القضائية الموريتانية حين قال: "اعلموا - يا أبنائي- وأنتم تستعدون للاضطلاع بمرفق القضاء في بلد ناشئ، أنه طالما ظل مرفق القضاء قائما وعاملا فستظل الدولة قائمة وعاملة، حتى ولو انهارت جميع مرافقها الأخرى. أما إذا ما انهار مرفق العدالة وتعطل فإن الدولة ستنهار لا محالة، حتى ولو بقيت جميع مرافقها الأخرى سائرة ومنتظمة".
لقد بذلت سلطة الإصلاح القائمة بعض المجهودات الرامية إلى تصحيح مسار مرفق العدالة ولكنها لم توفق بسبب فساد وانتهازية القائمين على تلك المجهودات من جهة، وعدم حزم وصرامة السلطة السياسية في المضي قدما في هذا المجال، وما أصابها من إحباط بعد فشل تجربتها الأولى من جهة أخرى.
ومما لا جدال فيه اليوم أن قيادة بلادنا  - ممثلة في رئيس الجمهورية- تدرك حاجة هذا القطاع إلى الإصلاح، وهذا ما عبر عنه رئيس الجمهورية في خطاب تنصيبه فقال: "إن قطاع القضاء مرفق عمومي أساسي نظرا لما له من دور فعال في صون الحقوق المادية والمعنوية للمواطنين ونشر العدالة بين الناس، والمحافظة على السلم الأهلي وتشجيع للاستثمار الوطني والأجنبي، ولهذه الاعتبارات وغيرها سيشهد هذا القطاع - بحول الله وقوته- إصلاحات جوهرية تعزز استقلالية القضاء وتضمن مهنية وترسيخ سلطة القانون".
وقد جاءت أعمال المجلس الأعلى للقضاء الأخير ببعض الإصلاحات في القضاء الجالس. ولكن القضاء الواقف والتحقيق وكل القطاعات ذات الصلة بمرفق القضاء وصناعة العدل ما تزال تعاني من استشراء الفساد. فعلى السلطة إذن أن تتحرك وتدرك أنه لا بد من إرساء قضاء عادل ومستقل مهما كلف الثمن؛ وأن الخطوة الأولى في سبيل ذلك هي وجود "أركان حرب" صالحة تتألف من:
1. وزير عدل كفء وصالح.
2. رئيس محكمة عليا كفء وصالح.
3. مدع عام كفء وصالح.
4. مفتش كفء وصالح.
فعندما توجد هذه النواة ويتم إصلاح النيابة وفصلها عن التبعية للشرطة السياسية والاقتصادية فإن جميع الثغرات يمكن تداركها وإصلاحها تدريجيا؛ شريطة قيام مراقبة نشطة وتفعيل مبدَأي الثواب والعقاب الغائبين تماما. وما دامت لا توجد هذه النواة بسبب وجود ثغرة في هذه الرباعية، فلن يكون هناك مجال لحديث جدي عن إقامة العدل.
سادسا: لقد بالغ أحد الأصدقاء عندما قال "إن أمريكا تتعلم القمع والتعذيب من الدول العربية" وهذا غير صحيح. أنا لا ألوم الذين يبالغون في حدود المعقول بسبب خيبات الآمال المتكررة في أنظمة الاستقلال الفتية الهشة، ولكني ألوم الذين يجهلون أو يتجاهلون طبيعة الاستعمار والصهيونية، ويقومون عن غير قصد بتلميع وجهيهما البشعين بتحميل أوزارهما للغير. فمن منا لا يتذكر طغيان فرنسا وما ارتكبته من فظائع يندى لها جبين البشرية في الجزائر والهند الصينية؟ ومن منا لا يتذكر ما ارتكبته بريطانيا من فظائع في العالم العربي وفي الهند وغيرها من البلاد التي ابتلاها الله بالاستعمار الإنجليزي.
والصهيونية هي نتاج الاستعمارين وربيبتهماوخلاصتهما. 
ومن منا يستطيع أن ينسى فظائع النازية الألمانية والفاشية الإيطالية واليابانية خلال الحرب العالمية، وما ارتكبتاه في  فرنسا وروسيا والصين وليبيا والحبشة وغيرها..
أما أمريكا التي عاصرنا همجيتها في فيتنام وأمريكا اللاتينية وفلسطين وأفغانستان والعراق، فحدث عن سفر همجيتها ولا حرج.

15. يونيو 2015 - 9:18

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا