مرحبا بشهر الراحة الروحية والكسب بالأجر / عبد الفتاح ولد أعبيدن

هذا فعلا هو الملخص، فالمؤمن يفرح بفطره فرحتان حسب الحديث النبوي الشريف الصحيح. فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، عندما يدخل الصائمون وحدهم من باب في الجنة، خصص لهم، يدعى الريان.
والراحة تكون أفضل في جو الفرح والإرتياح الروحي السامق الرفيع النوعي،

 الذي يتم في الدنيا أساسا في شهر الصيام والقيام والإنفاق والبركة والخير العميم، دنيويا وأخرويا بإذن الله، شهر رمضان، "الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان".
وفي هذا السياق يجدر بنا الحرص على عدم التبذير والمبالغة في الأكل والشرب، والإجتهاد على ما أمكن من العبادة والأعمال الصالحة الخالصة لوجه الله، وخصوصا أعمال الإنفاق المستور، عسى أن نتدرج إلى مراتب المقبولين عنده سبحانه وتعالى "إنما يتقبل الله من المتقين".
فشرط العمل الصالح موافقة الشرع، ولا تكون موافقة الشرع والقبول المنشود عند الله، إلا عند تحقق شرط الإخلاص، أي الإقدام على العمل من أجل رضوان الله فحسب.
لكن شكلا وجوهرا، للصيام فائدة صحة البدن، وعن تجربة متكررة طبعا لدى الكثيرين، ومن أعتى الأدواء، وخصوصا ما يمكن معه الصوم.
لا ما يمنع معه الصوم، الطبيب المستقيم مهنيا، ولو كان كافرا.
أجل، هذه الأمراض القابلة للتعايش مع الصيام، قد تختفي مع نهاية شهر الصيام وقبل ذلك.
سبحان الله ما ألطفه وأرحمه، كما أنه فرصة لراحة الأمعاء وتجدد قدرتها على أداء دورها على أحسن وجه، إن لم نجهدها بكثرة الإستهلاك الزائد، ليلا، بعد الإفطار.
كما أن هذا الدين شديد، فأوغلوا فيه بيسر، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، كما قال سيدنا وقائدنا وقدوتنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
فمثلا وبالمثال يتضح المقال، ما يجهد كثيرا من القيام، وقد يجلب أتعابا مرهقة، كثيرة للجسم، أفيد منه ما قل وإستمر، وفاقا وتناغما مع حديثه أيضا صلى الله عليه وسلم: "أفضل الأعمال أدومها وإن قل".
فالإلتزام فعليا وعدديا بركعات التراويح، أو أكثر أنسب وأتم لنا وأتم أجرا بإذن الله، ولكن بشرط الإستطاعة، والمرء على الأقل فقيه نفسه في هذا الباب من النوافل والسنن والمندوبات الواسعة، وهو فقيهها أي النفس في عموم الأمر الخاص بالإنسان فردا مع موافقة وتحري الشرع.
فما يتأتى معه الصيام والقيام مع الوسطية، والبعد من الرياء والمبالغات الشكلية، أقرب للشرع وأدى للإستمرار والإستفادة الروحية والبدنية على السواء، خصوصا في شهر الصيام.
وقد تتحول فترته الزمنية إلى فترة قصيرة في حساب بعض الصائمين، عندما يكون البرنامج التعبدي والمادي والغذائي مدروسا ومنسقا وموزونا.
وحسب التجربة، وخصوصا في السنة الماضية، كنت أعاني من السكري، ورغم ذلك صمت، ودون إستشارة طبيب إلا معرفتي بذاتي، وتوكلت على الله وحزمت أمري، وعزمت على الصوم، وأتممت الشهر دون مخاطر كبيرة إلا أنني في الفترة الأخيرة من الشهر شعرت بآلام معوية مستمرة تواصلت أياما بعد الإفطار، وكشفت على مستوى السكري، فإذا هو طبيعي جدا لله الحمد والمنة: 0.88 بدل2.15 قبل حلول رمضان، ولكن عندما تجاوزت رمضان ورجعت إلى بعض العادات الغذائية، غير المنتظمة، وخصوصا شراب الشاي مع السكر الأبيض الطبيعي رجع السكري.
وأنا اليوم على أعتاب الشهر الكريم، وأحس بإرتفاع نسبة السكري ولن أكشف لدى أي طبيب إلا معرفتي بنفسي، ودقة تقديري لما أستطيع تحمله، وإن خفت على نفسي أفطرت، غير أنني سأعاود نفس التجربة بإذن الله وسيكون الوضع أفضل بإذنه تبارك وتعالى، لكن هذه المرة في مكان ملائم، منخفض الحرارة مثلا، بدل العام الماضي الذي صمته في نواكشوط وكان الصوم متعبا فيه بصراحة، نظرا لإضطراب درجات الحرارة، وكثرة المشاغل لله الحمد والمنة، التي تفرض التحرك بإستمرار ليلا ونهارا ما شاء الله.
وأتمنى تحسن وضعيتي الصحية في هذا الجانب وغيره، كما أتمنى ذلك لجميع المرضى، الذين عزموا على الصوم، رغم بعض المخاوف البسيطة.
ومن وجه آخر تعلمون إخوتي الزملاء، مصاعب المهنة في رمضان، وخصوصا الجانب المادي وصعوبة الكتابة المركزة في حالة الصيام.
في السنة الماضية وبمناسبة رمضان حولت الجريدة "الأقصى" إلى سابق عهدها، يومية تقريبا، ومازالت في نفس المستوى تقريبا أيضا، وإن لم تلتزم حرفيا بهذا القدر الدقيق المحرج من الصدور أحيانا، أي الصدور اليومي، بمعدل ثلاث مرات أو أربع في الأسبوع، إلا أن بركة رمضان الماضي، لاحقتنا الحمد لله وإلى اليوم.
أنصح في هذا المجال الزملاء بالكتابة الصباحية، للتفرغ لبعض المهام الأخرى، قبيل حلول الزوال، فوقتها الركون لبعض الراحة والصلوات المكتوبة، وغيرها إلى وقت الإفطار، والإستعداد لبرنامج القيام، ما أمكن وليكن الليل سكنا وتنفيسا متوازنا بعيدا عن السهر، حتى لا يتحول الشهر إلى فرصة لإرهاق الذهن والنفس والبدن طبعا.
ولكن الأمور في حساب متوازن ثابت، وإلا تحولت العبادة إلى مجال لا يطاق وهذا مما ينفر النفس البشرية بحكم طبيعتها الفطرية.
فالإنسان حبب إليه اليسر وكره إليه العسر، وكان بين ذلك قواما، إلزام النفس بالتحمل الوسطي الموزون. والله أدرى بمصالح عباده والله القائل: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، وما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا إختار أيسرهما.
إذا بإختصار، مرحبا بالضيف المرتقب العزيز رمضان، فهو ضيف غير ثقيل طبعا، بل هو مقرون بالأجر والألق والسمو الروحي والإقتراب من الله بإذن الله، وبوجه خاص في العشر الأواخر، وعلى وجه الخصوص  في ليلة القدر، وهي ليلة المنزلة والمكانة العظيمة، فيها "يفرق كل أمر حكيم".
اللهم أعنا على صيامه وقيامه، اللهم يسر لشعبنا الخلاص من حكم الفرد المستبد، بما شئت وكيف شئت، غير فاتنين ولا مفتونين، وأهدي أمتنا العربية والإسلامية للخلاص من هذه الفتن المدلهمة، السوداء المتواصلة، المتكاثرة في كل مكان، وخصوصا في أراضي العرب، المفتونين بالصراع الدموي على النفوذ والمنافع والكراسي، منهم أحيانا المظلوم والعميل والبريئ والمتآمر، وقد إختلطت المذهبية بروح الهيمنة والتشفي والإستبداد، وما تدري في بعض الحالات من الظالم من المظلوم إلا بصعوبة إن صح هذا الإطلاق.
ورب الكعبة، إنه ربما على الأقل بعض ما أنذر منه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من فتن آخر الزمان، حتى يصير الحليم فيها حيرانا، حسب بعض الأحاديث النبوية.
ورب الكعبة، يا بداه ولد البصيري رحمك الله، قد بلغت سوريا أوجها في الفتنة، وكنت تسأل دائما هل مازالت سوريا سالمة من الفتن، لا يا بداه، بلغتها وترسخت فيها وطال أمدها وتشعبت مسمياتها، تارة بإسم الثورة وطورا بإسم الدفاع عن الدولة والنظام القائم.
وفي العراق، وفي اليمن، وفي ليبيا، وفي مصر، وإقتربت نيران الفتنة من الحرمين الشريفين، اللهم سلم سلم.
وإرتاحت إسرائيل بإنشغال الأعراب بصراعاتهم العميقة الدموية، الداخلية المتصاعدة، التي تكاد تأتي على كل إستقرار بإختصار، وخصوصا في المشرق، وفي المغرب بعضها بليبيا غير البعيدة من هذه الديار والربوع.
اللهم رحماك بوفاق يجمع الكلمة ويخلص الأمة من قوى الإستبداد والإستعباد والعمالة ويعطي الغلبة لأهل الخير والحكمة، من أي فريق كانوا، اللهم آمين.
ونرجوا أن يكون هذا الشهر المبارك المرتقب، رمضان نجاح الربيع العربي، وليشمل ساحات أوسع، لتقوم الخلافة الإسلامية العالمية، فيصبح ربيعا إسلاميا عالميا بإذن الله، مع إحترام حدود كل دولة قطرية، إسلامية أو غيرها، في سياق نظام جديد، يكرس الحق ولا يفتك بالخصم أو المخالف عموما، سواء كان داخليا أو خارجيا.
إن دولة الإسلام والعدالة، هي الحل والمخرج إن شاء الله، ولو أعجبتهم كثرتهم، معشر العلمانيين والمنحازين للأنظمة الفردية والعائلية، المرتهنين للأعداء الغربيين وغيرهم.
قال الله تعالى: "كم فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن اللّه والله مع الصابرين".
وللتذكير كانت غزوة بدر في السابع عشر من رمضان، وغيرها من الإنتصارات الإسلامية التاريخية المتنوعة، ولنا عودة موسعة لهذا الموضوع الشيق بإذن الله، وسيكون النصر العميم المنصف قريبا في هذه الدورة الرمضانية الحالية إن شاء الله.

18. يونيو 2015 - 17:25

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا