إستراتيجية إصلاح التعليم في موريتانيا / الحاج ولد المصطفي

1- باكالوريا
إذا كان التعليم في بلادنا ظل يُمارس أسلوبا تدريسيا تقليديا، مستمدا من التعليم المحضري المنتشر بكثافة في المدارس الأهلية ؛.فإن قيام الدولة الموريتانية قد رافقه إنشاء المستعمر الفرنسي لمدارس نظامية حديثة  بأهداف غامضة أحيانا ،وغير منسجمة مع ما  يطمح إليه المجتمع الموريتاني من وراء تعليم أبنائه أحيانا أخري،نشأ ت علي إثر ذلك

ازدواجية في المفهوم انعكست علي أسلوب التدريس، وطريقته، ومثلت أكبر عائق أمام كل الجهود،والإصلاحات التي قامت بها وزارة التهذيب الوطني علي مدي أزيد من خمسة عقود..!
لقد حاول الاستعمار الفرنسي طمس الهوية الثقافية للمجتمع العربي المسلم في بلاد "شنقيط" التاريخية: موريتانيا الحالية، وربطه بأهداف المستعمر، وخلق نموذج تعليمي معاكس في الأهداف ،والمناهج للمدرسة الموريتانية العريقة ، مما شكل نفورا شعبيا ،ونظرة غير إيجابية اتجاه التعليم النظامي . وقبيل الاستقلال الوطني وبعده بدأ التعليم التقليدي يتراجع قليلا مع إدخال تدريس اللغة العربية والتربية الإسلامية في المدارس التي أنشأها المستعمر، والتي أصبحت منذ إصلاح العام :1959 م تخضع لنظام تربوي وطني، لكنه كان يجري بأيادي وخبرات أجنبية ،ولم تكن أهدافه واعية ومؤسسة علي المصلحة الوطنية، والقيم الاجتماعية ،والثقافية، والدينية للمجتمع الموريتاني ،تواصلت الاحتجاجات علي تلك التبعية ،والهيمنة الثقافية للمستعمر علي مضامين ،وأهداف التعليم النظامي، وأُنتجت إصلاحات تعليمية حاولت كلها الجمع بين التعليميين المتعارضين :(النظامي والتقليدي) ، فأدمج التعليم المحضرى في المدرسة النظامية  من خلال تدريس بعض مواده ،وفتح الباب أمام منتسبيه وخرجيه .وقد حققت تلك الإصلاحات نقلة نوعية في مجال الأهداف، والمرجعيات ،ووجهت مسار التربية والتعليم في الاتجاه الصحيح ،وأُعطيت - في السنوات الأخيرة - أهمية خاصة لتدريس المواد العلمية .وتعزز إصلاح 1999م (الذي لم يكتمل بعد تطبيقه) بتوجه القطاع التربوي في موريتانيا  نحو التكوين المهني ،والتعليم الفني،والتخصصات العلمية من خلال افتتاح مدارس نموذجية ،وتحفيز المدرسين ،وإدخال مقاربات جديدة أكثر فاعلية في التدريس، والاهتمام بالبنية التحتية ،والخريطة المدرسية..
لكن منظومتنا التربوية واجهت هذه السنة (2015م) تحديا متجددا ،وحتميا تمثل في اعتراف وزارة التهذيب الوطني  بتسريب مادة الفيزيا للشعبة العلمية ،وتقرر إعادة امتحاناتها علي كامل التراب الوطني ....
لاتوجد مفارقة جدية في الأمر لأن الظروف السابقة ،والتراكمات المستمرة تجعل التسريب الحالي واحد فقط من عدة تسريبات معلنة ومعترف بها ،وأخري كامنة  وغير معروفة- لدي الكثيرين - جرت كلها في السنوات الماضية ، لكن هذه الظاهرة تحتاج إلي معالجة حقيقية من طرف المجتمع والدولة من أجل بناء إستراتيجية ناجعة لإصلاح التعليم ،وسنبدأ بالباكالوريا بوصفها الحلقة الأهم في التعليم النظامي والمرتكز الأساس لكل مخرجات التعليم..   فماهي محاور تلك الإستراتيجية؟
أولا : إعادة رسم الخريطة المدرسية حتي تتلاءم مع قدرات القطاع البشرية والمادية ، فمن المعلوم أن الكثير من مراكز الباكالوريا نشأت بإرادة سياسية في السنوات الأخيرة نتيجة تدخلات المتنفذين في الدولة ،مما شتت جهود الوزارة، وأضعف من قدرتها علي تغطية جميع المراكز علي التراب الوطني بإمكانيات محدودة أصلا ،وبعض تلك المراكز أُنشأ أساسا لتوفير النجاح بعيدا عن الأضواء، وتتمركز فيها مجموعات نفوذ خاص ,لابد من إغلاقها ووضع معايير أكثر صرامة لافتتاح مراكز المسابقة الوطنية .
ثانيا: الحد من المترشحين للمسابقة الوطنية من خلال إجراء امتحان تمهيدي يكون النجاح فيه شرط أساسي للتقدم للامتحان الوطني ، وهذه التجربة مطبقة في دول كثيرة من بينها (دول مجاورة) ، وقد حدت هذه الخطوة من الضغوط النفسية علي الطلاب، ووفرت فرصا أكبر في الرفع من مستوي مخرجات الامتحان، وشفافية التصحيح .. 
ثالثا : تأهيل الطاقم التربوي المشارك في الرقابة والتصحيح من خلال تكوينات مستمرة تؤهله لأداء المهام المنوطة به علي الوجه المطلوب ؛فمن الملاحظ أن بعض من توكل لهم مهام في الرقابة، أو الإشراف ،أو التصحيح لا يتلقون أي تكوين قبل مباشرتهم لعملهم ، مما يجعلهم يرتكبون الأخطاء الفادحة نتيجة الجهل بالإجراءات المتبعة ...
رابعا:إعادة هيكلة الإدارة المُشرفة:(مديرية الإمتحانات) ،وتزويدها بمؤهلات حقيقية  تمكنها من القيام بعملها علي مستوي الأشخاص ،والتجهيزات، والإمكانيات المادية ؛فمن الواضح أن عددا لايتجاوز ثلاثة أشخاص رئيسيين هم من يتولي امتحانات بهذا الحجم أمر لايستقيم مهما كانت كفاءتهم وجديتهم ...

21. يونيو 2015 - 15:32

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا