أؤكد لكم في البداية أنني لا أعن بالابن الفار الشخص المتبادر لأذهان البعض من الوهلة الأولى، كما أنني لا أعن به فخامة الرئيس الأسبق معاوية الخير، كما أنني لا أعن بالبار ضرورة شخصا محددا، أو مرسوما في خيالي بدقة متناهية.... ولكن الحق بين ...
... أعزائي تعاني مدينة أطار من موسم كيطنة استثنائي، خرج على المألوف من أزمات العطش والحر، ما ينذر بموجة هجرة نحو العاصمة نواكشوط، ونحو مدينة انواذيبو، بحثا عن الماء، الذي لا تكون الحياة بدونه، ولا تصح إطلاقا، فهو أغلى مفقود، وأبخس موجود، وقد قال عنه المولى جل جلاله: "وجعلنا من الماء كلّ شيءٍ حيّ أفلا يؤمنون" صدق الله العظيم.
وعطش مدينة أطار في هذه الأيام هو حديث الركبان، والأنباء القادمة من عين الحدث غير مطمئنة، فالعطش في أطار قسم الأشخاص والجمعيات والأحزاب على فسطاطين في مواجهة إحدى أهم قضايا الوطن، التي تثور بين الفينة والأخرى، وترمي بظلالها الكثيفة على المشهد الوطني برمته، فأزمة العطش الموريتانية قديمة قدم الحضارة والبداوة في هذه الصحارى والجبال، ولا تزال الدولة المركزية تتصدى لها بالخطاب أحيانا، والعمل أحيانا أخرى، ولكن كل التصدي للظمأ لم يمنع حتى في الزيارات الرسمية لأصحاب الفخامة على اختلافهم أن توضع أمامهم مشكلات العطش أينما حلوا وارتحلوا.
وإذا كان المثل الانجليزي يقول: "البئر الجيد يعطيك الماء عند القحط، والصديق الجيد تعرفه عند الحاجة"، فإن مدينة أطار عرفت ولا تزال تتعرف على أصدقائها المخلصين الأوفياء، وعلى أبنائها البررة الأسخياء، فمنذ الحاجة للسقيا في السنوات الأخيرة كان هنالك متصدرون حاولوا أن يسهموا في الارتواء المطلوب، وأن يوصلوا الماء من المناهل على قلتها لأحواض البيوت الصادية الظامئة العطشى.
وكان رجل الأعمال محمد/انويكظ يتصدر المشهد بامتياز، حيث تقوم صهاريج ماء كبيرة تابعة له بتقسيم الماء بالمجان على الناس، مسهما بعمله الخيري في تخفيف أزمة العش القاتلة، التي تجتاح جوهرة الشمال "أطار"، الذي كان معقلا ومأوى للمقاومة الوطنية، التي ساهمت في التعجيل برحيل الاستعمار، وليس اطار بالغريب على المقاومة والتصدي للأزمات، فجباله الشاهقة توحي بأرومته ومنبعه المستبسل في الدفاع عن قضايا وجودية ومصيرية مهمة وحساسة، وهو اليوم يقاوم بشدة العطش الأوام، ويصر على التمسك بحقه في الحياة.
وفي هذا العام دخل الحزب الموريتاني المنظم "تواصل" على الخط، فقد أكد الأطاريون على اختلافهم أن تواصل قدم مساعدات قيمة في هذا الإطار، مثبتا المثل العربي القائل: "الدم لا يصبح ماء"، وهذا الجهد يذكر لهذا الحزب ولقياداته الواعية، ومناضليه الأشاوس، الواعين بأهمية الدور الاجتماعي للأحزاب.
ومن المؤكد أن أزمة العطش أينما حلت من ربوع الوطن ستكشف عن المعادن، والأصول، وتكون مقياسا حقيقيا للبرور الوطني، وكذا العقوق اللاوطني، فهي تكشف للناس معادن الأبناء، فيتعرفون على البررة منهم، ويكتشفون حجم التنكر للجميل من آخرين يسلقون الخيرين بألسنة حداد، وهم في واد، ومشاكل أهليهم في واد، وسيكونون على رأس قافلة زيارة الرئيس السيد محمد عبد العزيز المرتقبة لاطار بالابتسامات العريضة، ولولا طبيعة أهلنا في أطار السمحة، وواجب الضيافة المتأصل في عروقنا لكنا ألقمناهم حجارة في تبجحاتهم الداحسة القادمة، فقد دحسوا يدهم في هذا الوطن الذبيحة أكثر من مرة.
ومن المرتقب أن يتم تزويد المدينة بالماء مستقبلا من خلال منابع جديدة يتم اكتشافها، وتعمل الدولة بحسب التسريبات الأولية على جعل مياهها في المتناول بعد ما ضر العطش الساكنة، وارتحلت عائلات بكاملها عن منازلها ونخيلها خوفا على الأنفس، إلى مدننا الكبيرة التي لا تزال تراحيلها تنضح بمآسي المدنية الناقصة.
وفي نهاية هذه العجالة نطلب من الجميع الإسهام في حلحلة مشكل العطش هذا في كافة ربوع الوطن، خاصة أننا في شهر رمضان، شهر تتضاعف فيه الحسنات، وتغفر الذنوب، والرسول ص يقول:" الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه"، ونسال الله العلي العظيم أن يرجع الوطن كله و أطار لما كانا عليه سنوات الخصب، مستحقين لقول القائل:
وقانا لفحةَ الرمضاءِ وادٍ ... سقاه مضاعف الغيث العميم
نزلنا دوحه فحنا علينا ... حنو المرضعات على الفطيم
وأرشفنا على ظمأ زلالاً ... ألــــــــذ من المدامة للنديم
يصد الشمس أنىّ واجهتنا ... فيحجبهـــــا ويأذن للنسيم