في الدول الديمقراطية تدور نقاشات ساخنة بين البرلمانيين، والوزراء، تصل أحيانا حد الملاكمة بالأيدي، وفي موريتانيا تحديدا يُعرف عن الجمعية الوطنية – منذ تأسيسها- وحتى في زمن ولد الطايع أنها حلبة للخطب النارية، والاتهامات المتبادلة، والعبارات غير اللائقة، والانتقادات الحادة
التي يوجهها نواب المعارضة للوزراء، وما مداخلات ولد بد الدين، وجميل منصور، وكادياتا جالو، وولد امين عنا ببعيد.
وفي معظم الحالات يكون النواب في موقع الهجوم، والوزراء في مركز الدفاع، وغالبا ما يمتص الوزراء هجوم نواب المعارضة، ويخاطبوهم بأسلوب مهذب، ومحترم.
ما الذي طرأ اليوم، حتى ينسحب نواب حزب تواصل من الجمعية الوطنية، لمجرد أن وزير المياه والصرف الصحي محمد ولد خونه قال إن ما تفضل به أحد النواب غير صحيح، أو ببساطة هو كذب..! وهل يتوقع حزب تواصل، ونوابه من وزير المياه أن يرفع قبعته لاتهامات نواب حزب تواصل للحكومة، ويقول لهم" ما قلتم إلا الحق!" ؟؟ ثم ألم يقف نائب رئيس حزب تواصل، ونائب رئيس الجمعية الوطنية محمد غلام قبل أيام فقط، ويصب جام غضبه على رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، ويصفه بأقبح الأوصاف، ويطالب باستقالته، هل كان على نواب الأغلبية أن ينسحبوا من تلك الجلسة، احتجاجا على
مداخلة محمد غلام ضد رئيس الجمهورية، ويطالبوه بالاعتذار، قبل أن يعودوا للجلسة ؟؟!!
صحيح أن للبرلماني - أيا كان موقعه السياسي – كامل الحق في انتقاد الحكومة، والرئيس، ومساءلة الوزراء، وفضح مكامن الخطأ في تسييرهم، فهذا يدخل في صميم عمل البرلمانيين، لكن مبدأ الاحترام، واللباقة يجب أن يكون مبدأ مشتركا بين البرلمانيين، والوزراء، فحصانة النواب لا تعطيهم الحق في القدح، والشتم للوزراء، وفي نفس الوقت يغضبون، وينسحبون لمجرد رد الوزير بالقول إن معلوماتهم مغلوطة، أو هي كذب !! فهم – أي النواب- في هذه الحالات يمارسون إرهابا فكريا ضد الوزراء، وابتزازا لا ينبغي الرضوخ له، فحقهم في المساءلة محفوظ، لكن هناك فرق كبير بين
المساءلة، والشتم، والقدح. ثم إنه إذا كان النواب يمثلون الشعب، فإن الحكومة، ورئيس الجمهورية هم أيضا يمثلون هذا الشعب، وهذا البلد، فالرئيس منتخب بشكل مباشر من الشعب، وهو مُفوض لاختيار حكومته، وبالتالي فإن الشرعية التي لدى البرلمان هي نفسها التي يتمتع بها رئيس الجمهورية، وحكومته، ولا تجوز المزايدة في الشرعية.
أعتقد أن اعتذار وزير المياه والصرف الصحي محمد ولد خونه لنواب تواصل لم يكن في محله، ويعني بالمحصلة أمرين خطيرين، الأول: أن السيد الوزير يسحب وصفه لكلام نائب تواصل بأنه كذب، والوزير في هذه الحالة يتفق مع النائب المعارض في وصفه لقطاعه، وهذا أمر غير وارد، وثانيا فإن وزير المياه سجل باعتذاره للنواب سابقة، تقتضي أن أي وزير يمثُل أمام البرلمان عليه أن يُفتش في قاموس لغة العرب ليعثر على مفردات تناقض الصدق، وليس من بينها مفردة " كذب" وإلا فسيكون ملزما بالاعتذار للسادة النواب، الذين يريدون أن يفرضوا على الجميع أن يقبل بمداخلاتهم
باعتبارها " تنزيلا من حكيم خبير" لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وإلا فالاعتذار مطلوب!
إن على السادة النواب أن يكونوا قدوة للشعب، كما هم ممثلون له، عليهم أولا أن يضربوا مثلا يحتذى في الاحترام، واللباقة، ومثالا يحتذى كذلك في الكشف عن ممتلكاتهم، ومصادر حصولهم عليها، بكل صدق، وشفافية، وأعتقد أنه في هذه النقطة ستكون المفاجأة الكبيرة.