من حين لآخر ترتفع حساسية "الأزلام" من الدعوات الجادة للتحقيق في الثراء غير المشروع لنافذين في السلطة يتقدمهم الرئيس محمد ولد عبد العزيز شخصيا .. والحملة التي تستهدف النائب محمد غلام ولد الحاج الشيخ إثر دعوته الرئيس للاستقالة هي من هذا القبيل.
فأزلام النظام يحاولون في ظل نهج التهدئة الذي تتبعه المعارضة خدمة للحوار أن ترفع الرئيس وحكومته إلى مرتبة مقدسة لا يجوز أن تنتقد أو تخضع للمساءلة ويغفل هؤلاء عن وظيفة الرقابة للمؤسسة البرلمانية تقتضي مساءلة الرئيس بل محاكمته من طرف محكمة العدل السامية إن تطلب الأمر ذلك وهذا إن حصل دليل على حيوية النظام الديمقراطي ويمكن أن تتم المحاكمة ويبرأ الرئيس .. لكن حقيقة وجود الفساد وحساسيته وكون "الأزلام" مطلعين على حقائقه الفجة والتي تتم بشكل هو أقرب للنهب فإنهم يستنفرون مذعورين من هول الجريمة التي يدركون أن مجرد الكلام حولها والتحقيق فيها كاف لإسقاط النظام وانهيار حكم ولي نعمتهم.
لم أتفهم ولا أجد تفسيرا لكم الهجوم على النائب البرلماني محمد غلام وهو يحاول أن يسجل موقفا ديمقراطيا حقيقيا وأن ينهض بوظيفة الرقابة على عمل الحكومة وهو يقدم وثائق وأدلة على ممارسات الفساد التي هي بالنسبة للشعب الموريتاني كالشمس في رابعة النهار..
فالكل يعرف أن الفساد قائم وكون الرئيس يرفض إخضاع ممتلكاته للرقابة والتفتيش كاف للدلالة على غياب الشفافية كما أن تجريد للرئيس لأفراد من حكومته من وظائفهم واعترافه هو شخصيا في أكثر من تصريح بوجود الفساد وسعيه حسب تصريحاته لمكافحته.. وإذا فشل في مكافحة نتيجة كونه هو شخصيا ضالعا في الفساد وبعض مقربيه فمن المنطقي أن يطالب بالاستقالة لعجزه عن النهوض بدور الرئيس في حماية المؤسسات من المفسدين.
ولكن الأخطر أن الأنظمة التسلطية عندما تفسد ويهمن عليها الفساد يسرع الخراب إلى منظومتها الفكرية والإعلامية وتبدأ في التخبط فتنزلق نحو التهويل وبث الرعب وتشويه الخصوم لأن حالتها النفسية قريبة مما وصف القرآن:(يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).
إنها نظرة قاصرة للمؤسسات فما يقوم محمد غلام من دور رقابي يخدم ديمقراطية البلاد أو لنقل "النظام" وتعدديته أكثر لو بقيت لدى هؤلاء مسكة من عقل إن لم يكن خوفهم من قصة الفساد أفزعهم لأنهم يعرفون ما لا نعرف وهم أدرى بفسادهم.. فربما لو انكشف جبل الجليد لكان النظام قد وقع.. من هذا الجانب فقط ربما أتقهم قلقهم الذي تحول على ضجيج.. إثر كلمة نائب برلماني في غرفة يحوزون فيها الأغلبية.