وتمظهرها في علم الفيزياء مع جاليليو في رؤيته التحليلية الرياضية للكون. وفلسفيا مع ديكارت في تمييزه بين الفكر والامتداد، وتأسيسه للعقل بوصفه قوة للسيطرة على الطبيعة واستغلالها. ومجتمعيا في النمط الليبرالي، كنمط يقتصد تأسيس واقع يعامل الذات الإنسانية بوصفها جسدا.
وحرص المنظرين للفكرة الرأسمالية في الخطاب ألحدائي الرأسمالي على اختزال الدوافع والأشواق والغايات الإنسانية ـ حتى تلك التي تخرج عن نطاق العلاقة الاقتصادية ـ إلى رغبات وأشواق جسدية لتؤول إلى محض رغبة اقتصادية !.
وما يراه السيسيولوجى الألماني ماكس فيبر في كتابه الشهير «الأخلاق لبروتستانتية» حيث يؤول شخصية روبنسون كروزو رائيا فيها تجسيدا لنموذج «الإنسان الاقتصادي» ومحدد لنمط الحضارة الرأسمالية.
نجد مما سبق أن هذا النموذج ليس ملمحا من ملامح النمط المجتمعي الصناعي فقط، بل هو محدد من محددات نمط التفكير الغربي ككل.
لكن الإنسان بفطرته ـ ليس مجرد كائن يعيش وجوده بل هو فوق ذلك كائن ينزع نحو فهم الوجود بل حتى على مستوى وجوده الفردي يحرص على أن يجعل له معنى ودلالة ولا يكتفي بمجرد عيشه كما أسلفنا...
وهو ما يؤدي إلى أن إنتاج معنى للوجود حاجة محايثة لكينونة الإنسان ولا يمكن تجاهلها. وهذا ما أدركه بعض ناقدي العقلانية الغربية واستفسروا الحاجة إلى اعتباره عند تحليلهم للوضعية الإنسانية كما تقدم.
إن المتناول لتاريخ الأديان يصطدم دائما بمصطلح يطلق عليه (الأصولية) ويختلف تعريفها من دين إلى آخر ففي حين يُعرفها متحرري اليهود من (الليبراليين) الكاثوليك السلفيين، والمسيحيين المطالبين باتخاذ آراء ليففر(27) بأنها تعصير الدين كي يتفق ومتطلبات العصر الحديث. يرى البعض الآخر أنها إحياء الدين بالرجوع إلى مصادره الأولى وهذا يمكن أن يحدث في سبيل أصولية عاقلة، تستند إلى الوحي أساسا لها، متفهمة مغزى الوحي والغاية منه، بهدف التكيف معه في العصر الحديث، أو في سبيل صحوة أصولية في مجال الأدب الملتزم، الذي يدور بالدرجة الأولى حول العودة إلى الكلمة وحدها، آخذا إياها مأخذ الجد كما أسلفنا.
أما الاتجاه الأول، فيريد العودة إلى المصادر الأولى للعقيدة، دون التقيد بمنهجية محددة، وأما الاتجاه الثاني، فيريد الاقتصار على النص الحرفي للمصادر، فالاتجاه الأول يريد التأويل أو التفسير الجديد للمصادر الأولى، وهذا عينه ما يرفضه الاتجاه الثاني رفضا قاطعا. هذان الضربان من الأصولية، موجودان في الإسلام على أن المصطلح (Fundamentalism) بالانجليزية ليس له مطابق في العربية لأنه مصطلح منحوت من أصل غربي لكي يطلق على ظاهرة (غربية)، وإذا عدنا إلى أصول الكلمة أدبيا فإننا نرى انه استعمل أول الأمر لتميز الأمريكيين البروتستانت في القرن 19 الذين أكدوا على عصمة الإنجيل خاصة في قصة الخلق حيث رفضوا النظرية "الفجة" التي تطورت عن نظرية دارويين في النشوء والارتقاء.
ونفس المفهوم نجده عند القائلين من اليهود بالعصمة الحرفية المطلقة لتوراتهم ومنهم الحاخام شنيرزومس في نيويورك وقومه من يهود (بيت المقدس) التابعين لحركة لباويت الدينية).
بهذا يتبين أن الأصولية لا توجد في الإسلام وحده، وإنما في الديانات الأخرى. أما عن تعريف الأصولية في الإسلام:....يتواصل....