إننا في موريتانيا في ظل النظام الحالي ، نعاني من أوضاع ظلم عمومي وخصوصي تفرض علينا التحرك السلمي الدائم الصارم للخلاص من هذا الواقع الآسن الفاشل المكبل .
فحاكمنا العسكري القبلي الأناني ، أثرى نفسه وأسرته وبعض أهله وبعض من يخاف من العسكر على حكمه الهش ،
وأبقى رعيته تتضور – غالبا – في الجوع والشعور بالغبن والإهمال والاستهداف احيانا .
وهذه المظالم أشد أثرا على النفس البشرية ، من الكثير – غيره – مما قد تعاني منه في مسيرتها ، في هذا الكون المتقلب ، محل الاختبار والامتحان الواسع المتنوع .
وقد تمت هذه الاعتداءات الآنفة الذكر باسم الدولة والقانون والشعار الديمقراطي الأجوف ، وكان لزاما على النظام الانتهازي القائم الفاسد ، أن يقبل نسبيا التعايش مع الرأي الآخر – إعلاميا وسياسيا – لتمرير جوقته الكبيرة السيئة المكشوفة المتصاعدة المتفاقمة .
وهذا هو ملخص دواعي معركة الكثيرين للجري خلف القوت المسلوب والكرامة المستلبة بامتياز كذلك .
فنحن نرى وطنا عريضا ثروته بيد الأقلية الغاصبة البخيلة العطشى للثراء والنفوذ على حساب الجميع ، بحجة أن فلان وجد فرصة حكم عسكري انقلابي ، وسط ذهول الأغلبية وخوفها وصمتها ،تفاديا للمزيد من الإهانة والغبن .
وما علمت أن الصمت والتعايش السلبي مع المحسوبية والتمييز لا يزيد الظالم إلا رسوخا وإصرارا على غيه ، كما هو حاصل باستمرار أمام العيان والجميع ، لمن أراد البوح بالحق أو الاعتراف به على الأقل .
حتى أضحى النظام القائم لاهم له إلا إثراء بعض الاهالي والمقربين على حساب بقية المواطنين ، بل ازداد الأمر بتعيين دوري في كل وزارة ، من أهل الحاكم وذويه بخاصة ، ربما للحصول معا ، على المنفعة والمعلومات عن ذلك القطاع الوزاري ، على نهج ونمط الدولة القبلية الصغيرة المبتغى والأفق .
في هذه الأيام سقط أمل بزوغ مفهوم الدولة الجامع العادلة ، وتحول الهم المركزي الى الإثراء الفاحش الضيق القبلي والعرقي ، على حساب باقي الرعية المغبونة المكروبة .
قد لا يعجز البعض أحيانا عن الانشغال ببعض الأعمال البسيطة لكسب معاشه ، ولكن الاستهداف وعدم الدعم وتحامل الضرائب المسيس .
كل هذا يكاد يمنع كل تكسب خارج دائرة رعاية النظام الانقلابي القبلي الحالي ، ولكم فينا المثال الأبرز الأظهر .
فبعض أقاربنا من أولاد اسماعيل ولد اعبيدن ، رغم قربهم من حرم الرئيس - فإسماعيل المذكور عمها - استهدفوا بالضرائب والحصار المتنوع ، وأصبحوا من ضعف إلى ضعف ، سائرين – لا قدر الله – نحو الحضيض تقريبا فلا مكان لصاحب توجه معارض أو حتى متحفظ ، في دولة الاستبداد والاستحواذ .
من أجل هذا يصبح الدخول السلمي الحضاري في معركة تحرير القوت والكرامة هو الفرض الشرعي والأخلاقي ، وهو الأوحد سبيلا ، لأصحاب الأنفة والشعور الإنساني السليم ، وإلا أصبح مسار الخنوع والاستسلام للظلم والباطل داخلا في سياق السكوت عن الجهر بالحق والسعي المتنوع المشروع لغلبته وأهله ، أي غلبة الحق وأهل الحق .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الساكت عن الحق شيطان أخرس" أي أبكم ، منعقد اللسان عن الكلام ، والعياذ بالله .
إن الصمت على هذا الواقع المذل ، ترك للنهي عن المنكر الشامل ، المؤذي للأغلبية الساحقة .
إن تزكية الباطل ومظاهره ودواخله ، شهادة زور يسأل عنها صاحبها في الآخرة ، ويلقى خستها المعنوية وفضيحتها المدوية في الدنيا قبل الآخرة .
إن المجموعات الكثيرة ، التي شهدت لسائر الأنظمة المتعاقبة الظالمة غالبا ، وهي الظالمة فعلا بحكم رسوخ أسلوب الفساد والاستئثار بالمال والجاه على حساب الأكثرية المظلومة المغبونة .
شهادة هذه المجموعات لهذه الأنظمة بالصلاح ، وهي فاسدة في الواقع الملموس المفحم ، ستدفع – أخلاقيا و أخرويا – ثمن شهادتها بالباطل وللباطل باهظة مكلفة .
في كلا الدارين طبعا ، والله هو القائل : " فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ " .
إن رمضان قصة للتأمل عموما ، وهذا التأمل ولو كان خاطفا ، في هذا الشأن بالذات ، لا يفضي إلا إلى أن سائر الأنظمة المتعاقبة ، دون استثناء ، قد عملت أحيانا بالمحسوبية لصالح القرابة على حساب المستحق ، وأكثرت من هذا كلها حتى أضحى مقرفا .
وقد كان ولد هيدال أقل هؤلاء الرؤساء انشغالا بالتمييز الصريح ، رغم ما حصل من هذا في عهده في صالح البوليزاريو في الحرب والسلم ، وبإقرار اعتراف متعجل غير مدروس ، فرضته القرابة على رأي البعض .
لكنه كان أقل قبلية وجهوية من غيره من الرؤساء ، وقد أفدح في هذا السبيل السلبي – قرابة وجهة – كل من المخطار ولد داداه رحمه الله وتجاوز عنه ومعاوية واعلي وغزيز بوجه خاص إلى حد مثير ، وتحدى بقية سكان الوطن المستحقين ، دون أن يحصلوا على حقهم ، كفاية على الأقل .
وأما سيدي ولد الشيخ عبد الله ، فقد أشرك بهدوء بعض إخوته وأقاربه ، وأحرجته حرمه ختو منت البخاري بعجلتها على المنفعة الشخصية ، عبر تحركاتها الواسعة وقتها ، بجمعيتها المتهمة بطلب واستجلاب المنافع الذاتية ، الكبيرة أحيانا ، في سياق من استغلال النفوذ والظرف السياسي المتاح ، كما حصل في تاريخ سائر الأنظمة الموريتانية دون استثناء .
إلا أن الأمر عموما كان متفاوتا نسبيا ، وجاء على درجات عندما استغل مثلا حسني ولد ديدي العلوي وزارة التهذيب إلى حد المبالغة المكشوفة ، مثل ما فعل ولاد ولد حيمدون اللبي عندما تولى لفترة طويلة زمن ولد الطايع الحرس الوطني فحشاه من أقاربه رغم قلتهم عموما ، ولم تفت الفرصة طبعا العقيد الحرسي عينين ولد أييه من "إديشل" ، فأثرى هو شخصيا إلى حد الثمالة واكتتب بصورة واسعة أقاربه ، كما فعل الشمسدي المفوض عبدات ولد أحمد للطلبة لصالح عدد من محدود من أقاربه ، وهكذا دواليك ، في كل قبيلة تقريبا ، جانح نحوا القبلية والاستغلال الطائش الواسع للنفوذ .
في القطاع الخاص كان تجار اسماسيد وبعض تجار أولاد بسبع ، بحكم الكد والشطارة والظرفية ، من أكثر من انتهز الفرصة على حساب الإدارة والمجتمع ، وبطرق لا صلة لها أحيانا ، بالشفافية وأساليب الاستقامة المرسومة نظريا في كسب المشاريع والصفقات والأموال ، رغم أن بعض تجار "اسماسيد" أيام معاوية فقط ، كانوا أكثر انفتاحا بالمقارنة مع غيرهم في الوقت الحاضر ، ربما بحكم طبيعة بعضهم واستعدادهم لمنفعة بعض الناس ، للوصول إلى الخير وتغطية استغلال النفوذ ، بينما ساد في وسط أغب رجال أعمال عزيز الميل نحو اسلوب الجمع والمنع ، إلا من رحم ربك ، ببعض العطاء النادر .
ولم تظهر أي تجربة خيرية ذات بال في وسط تجارنا عموما منذ نشأة الدولة ، إلا تجربة رجل الأعمال الشهير محمد ولد بو عماتو ، في ميدان علاج العيون ، رغم حصوله المشبوه على المال في زمن ولد الطايع ، بصورة خيالية سهلة في أغلب الأحيان ، بعيدا عن شروط التساوي مع غيره ، من التجار والمواطنين .
فقد استفاد بصورة غير طبيعية وغير متوازنة ، من علاقاته الشخصية مع شقيق الرئيس السابق ، كما استفاد من حكم اعل بوجه خاص وفترة مهمة من نفوذ حكم عزيز ، قبل انقطاع حبل الود بينهما ، ربما تحت تأثير ظلمه للناس وتحامله على خصومه في الإعلام والتجارة ، وغيرهما من المجالات .
ولد بو عماتو استأثر بمشروع خيري ناجح إلى حد ما ، في ميدان طب العيون ، رغم كل ما يقال ، أن هذا المنشط الخيري ، مشروط في علاقته ، بشركة مالبورو العملاقة ، مقابل أضرار على الصحة ، وسجارتها منتشر محليا ، وهو ممثلها الوحيد في موريتانيا ، إلا أنه فشل في إنصاف موريتانيا شعبا وصحافة وتجارا وغيرهم .
فقد استغل النفوذ بصورة سيئة مفتوحة ، كما تحامل على خصومه إلى أقصى حد في ميدان الإعلام والتجارة بوجه خاص .
وعموما حكام موريتانيا وتجارها ، يتحملون الوزر الأكبر ، في التضييق على أرزاق أغلب سكان هذا الوطن المغدور ، والتغرير بكرامة الناس في مهاوي خيارات صعبة ، بين السكوت على حصار القوت والكرامة أو المواجهة ، التي تتطلب الكثير من شروط السلمية أحيانا ، وحساب التوازنات بحذر شديد ، حتى لا ينفرط عقد البلد واستقراره الهش ، تحت ضغط التجاذبات والخلاف والنزاع ، المجهول المآل والمصير .
اللهم اهدي حكامنا إلى الرجوع إلى الحق ، بالابتعاد عن هذه الأمانة الكبرى ، التي ضيعوها أتم وأكمل تضييع تقريبا ، وأخيرا وربما ليس آخر ، يسعون علنا وخفية إلى التمديد لحكمهم الفاسد، بأي أسلوب يمكنهم من ذلك المبتغى الأرعن .
اللهم خلصنا واحفظنا واحفظ بلدنا وسائر بلدان المسلمين ، غير فاتنين ولا مفتونين .
وصياما وقياما مقبولين للجميع إن شاء الله ، اللهم آمين