ما كان يجب على رئيس الفقراء وقائد الشباب والرجل الذي هجر بذلته العسكرية منذ زمن وخانها أن يوهمنا بأن هذه السنة "سنة للتعليم "، لأن الوقائع والدلائل كذبت ذلك سواء تلك التي في يده هو ومتحكم فيها أو تلك التي غير محسوبة على السلطة والنظام ،أشياء لا تصدق لا أعرف هل كان
مقصودا بها اللعب على عقول الضعفاء والبسطاء والقاعدة العريضة في هذا البلد ،؟ أم كان لها هدف نبيل لكن جنون وجهل الضعفاء والبسطاء والقاعدة العريضة في البلد قد أفسدها ،؟
المهم وحسب منطق العقل وما يتطلبه أمر الإصلاح من الجدية والتفاني ، أن التعليم لم يصلح وليست ثمة من السبل ولا المبادرات ولا الإستراتجيات ستصلحه ، كان من المفترض أن تجتمع الحكومة وتأسس لتغيرات جذرية في النظام التربوي وراء الكواليس ، ولم يكن من المفروض أن يبدي الرئيس سوأت الحكومة بكلمة قال في مضمونها أن سنة 2015 ستكون سنة للتعليم ، دون أن يقر بزيادة ميزانية القطاع ولا تغير المناهج ، ولا تحكيم أناس آخرون بدل المتحكمين فيه والذين يعود لهم أساس فساده ..!
هل كان يقصد بذاك زياراته لأعماق الوطن ووقوفه على حصص الأطفال ومدارسهم ، وتصديقه المشهد التمثيلي الذي رسمته له كل مدرسة وقف فيها ، مع العلم أن جميع من رفع يده أمام الرئيس ليس عارفا ولا مجدا ولا حتى قادرا على الكتابة والفهم ولم تكن مشاركتهم أمام صاحب الفخامة إلا تزويرا لواقعهم ، عرفنا هذه اللعبة وتعلمناها أيام كنا صغارا في الابتدائية ، فعند مجيء المفتش تتفق معنا المعلمة أو المعلم على صفقة كهذه ، فما بالك والقادم الرئيس نفسه والمتحكم في الدولة والمجتمع بنفسه...؟
أم كان يقصد فبركة إعلامية لا ندري ما فحوى أهدافها ـ حاجة في نفس يعقوب ـ تنتهي مع نهاية السنة وخروج نتائج المسابقات الكبرى بنسب نجاح مرتفعة وتكون بذلك السنة نجحت حسب منطق من يسعى لنجاحها بأي ثمن وبأقل ثمن ..؟..!
وأي كان الأمر فإن النتائج الأولية وخيمة وغير مبررة البتة ويرجع ذلك لأسباب حسب ما يبدو لي سأحاول إيجازها في نقاط :
1) تكمن النقطة الأولى في أن إصلاح التعليم في موريتانيا لا يتأتى من كلمة ولا من قرار مرتجل في دولة لا تعرف حكومتها إلا ارتجال القرارات، لأن فساد التعليم يرجع إلى سياسات عديدة في غاية السلبية عرفتها الدول الموريتانية ، وبالرغم من دور العقلية الجمعية للمجتمع ومن أهمية إدراجها في وضع كهذا إلى أن يدها تبقى هي اليد الدنيا القليلة التأثير ، لأن قيام المدارس واعتمادهم منذ تأسيس الدول ساهم في تجاوز العديد من الرواسب الاجتماعية ونشر العديد من ثقافة الوعي ، فمن هذه الناحية تكون سياسة الحكومة المعول عليها أولا في وضع خطة شاملة لإصلاح قطاع التعليم بشكل عام وللنهوض به ، ومن غير المعقول أن ينهض ويتحسن وضعه بكلمة قالها الرئيس هي أقرب إلى السخرية من الجد في مدلولها وموضعها
2) إذا أردنا إصلاح التعليم في موريتانيا يجدر بنا قطع رؤوس وفصلنهن عن الريادة والقرار وعزل كل مفسد تيقن عدم أهليته للمكان ، وقطع بوادر الولاءات والزبونية التي تتحكم في كثير من المؤسسات التعليمية ،لأن الإصلاح يجب أن يواجه الزعامات والوجهاء التقليدين الذي يتحكمون في الأمور بفضل مكانتهم الاجتماعية لا بفضل الكفاءة والخبرة
3) ينبغي أن يكون القرار مرتكزا على خطة شاملة تعيد توجيه المقررات والمناهج حسب الحاجة إليها في سوق العمل بالإضافة إلى كسر مشكل الازدواجية الذي نخر جسم المجتمع والذي يعود إليه تعدد الشعور بالولاء وبالوطنية في الدولة الواحدة واختلاف الهويات فمعروف أن بناء هوية واحدة وتشكيل مجتمع منسجم يتوقف على أداة التفاهم والتعبير ، فما بالك بمجتمع لا يزال بعد مرور نصف قرن على الاستقلال عاجز عن أن يُحكم لغة واحدة للشعب ويتخلص من ثنائية الازدواج هذه ( عربي ـ فرنسي .)
4) كما يجب تنظم المؤسسات الخصوصية ومراقبتهم والحد منهم ذلك أن الإكثار من الترخيص للمدارس الخصوصية (الحرة) يكرس الكثير من الفساد ومن قيم المنفعة في القطاع ومن الطبقية الاجتماعية ، ليظهر من جراء ذلك من يملك في مقابل من لا يملك .. من يستطيع التأجير لدراسة أبناءه ومن لا يستطيع ، بالإضافة إلى قيم المنفعة التي تصاحب طبيعة تلك المؤسسات ، فمعروف أنها ذات طابع تجاري والتجارة والمنفعة لا تخدم التعليم ولا مصلحة المتعلمين لأن الطالب إلى يُنظر إلى مستواه وخلقه بل يُنظر إلى ما يدفع شهريا في مقابل الحضور فقط دون الاستفادة في أغلب الأحيان
هذه هي أغلب النقاط التي تتحكم في مشاكل التعليم ولو تأول أحد بغير ذلك يكون قد خالف الواقع والمشاهد ، فقد استطاعت الدولة أن ترد هيمنة المحظرة في المجتمع عن الطريق التعليم المدرسي لكن لم تستطع إصلاحه و بعثه بحلة مناسبة تتماشى ومتطلبات التنمية في البلد ، لذلك كان اللوم عليها أولا ولا دخل للرعية بذلك ، ولا أعتقد أن غياب أي إجراء يتعلق بالإصلاح في سنة التعليم يعني أكثر من زيادة نسبة النجاح الغير مستحق في مسابقة الباكلوريا وختم الدروس الإعدادية ومسابقة دخول سنة الأولى إعداد ، ليقف الرئيس بعد ذلك ويقول نسبة النجاح ارتفعت وبالتالي فإن سنة التعليم قد نجحت وهذا وربي هو البهتان الكبير والفساد الأعظم والأمر.