الملاحدة الجدد بين الجهل والضياع الحلقة (10) / المرابط ولد محمد لخديم

الأصولية في الإسلام: هي عبارة عن موقف فكري ورؤية عالمية بالمعنى البعيد ترى الالتزام بالإسلام كما كان في أول عهده، وكما عرفه السلف الصالح من الصحابة منطلقا ومثالا يحتذي يه، في صياغة المعايير والقيم وقواعد السلوك والمعاملات، في عملية بناء الحضارة.

       لقد صيغ المذهب الفقهي لابن حنبل الإسلام كما يعرفه السنيون، مع الأخذ بالانتقادات الفلسفية التي قال بها الاشاعرة، من القرن العاشر الميلادي فظهر تأثير الأصولية البالغ، والذي كان يلح، فيما يبدوا، على المعنى الظاهر الحرفي للكلمة فحسب.
      ولقد قام بإحياء الإسلام الإمام أحمد بن حنبل وبعده كل من:الشيخ ولي الله (توفي 1763) ومحمد بن عبد الوهاب ( المتوفي عام1787) وهو مؤسس الوهابية السعودية، والسنوسي والحركة السنوسية الليبية في الثلاثينيات، والإخوان المسلمون في مصر، والجماعة الإسلامية الباكستانية وقد اتهم مثقفو الأصوليين آنذاك بما يتهمون يه اليوم أيضا, بأنهم سذج، متأخرون وأغبياء، وذلك لاستمساكهم بالظاهر الحرفي للنصوص، علما بان وسائلهم في الدرس والتحليل والاستنتاج ومعالجة النصوص، تتفق وأفضل نتائج فلسفة اللغة التحليلية للمعاصرين في أوطانهم.
      وبينما ألحت الدراسات النقدية العلمية للعهد الجديد على اتهام موثوقية نصوصه، ومن ثم شجعت على عدم الاعتقاد في المسيحية، أدت دراسات المستشرقين النقدية العلمية الدقيقة الممحصة للقرآن إلى الإقرار الكامل بموثوقية النص القرآني، وإحكامه التام، وانسجامه المذهل مع الثابت من نتائج أبحاث العلوم الطبيعية والكونية، وزادت تلك الموثوقية تثبيتا ورسوخا(28).
      وعلى ضوء هذه المعلومات سنحاول في معالجتنا للموضوع أن نتطرق لبراهين جديدة برؤيتنا الخاصة وذلك بعدما توفرت لدينا الوسائل العلمية والشواهد الناطقة ولنرى مدى مصداقيتها على أرضية الواقع، غير أننا لن نعتمد على البراهين التي قدمت من قبل وتقدم الآن، وتناولها الباحثون والعلماء دراسة وتحليلا.
     إننا سنعتمد طرق فكرية جديدة نقدمها لمفكري العالم ممن هم اقدر منا على العطاء حتى نوفي المسألة حقها. فبالإضافة إلى طرق الفكر المعروفة: الطريقة العلمية والعقلية. سنعرض هنا لنظرية جديدة في علم النفس التربوي، تقول هذه النظرية أن الكلام مرآة لنفسية المتكلم: بمعنى أن الإنسان كلما أفاض في الكلام وتحدث تتجلى مظاهر نفسيته وخصائصها في كلامه. ومنذ القديم والناس يقولون الكلام صفة المتكلم، ومصداقا لهذا نجد أن المحققين لما يباشروا التحقيق مع المتهمين يسألونهم عن حياتهم، عن ظروف معاشهم، عن هوياتهم، عن أعمالهم، من اجل استدراجهم للمزيد من الكلام. ليتبينوا خصائص نفسياتهم، مع العلم أن الأساليب تختلف ما بين متكلم وآخر  ولا يستطيع احد أن يتخلى عن أسلوبه ليتبنى أسلوب أخيه أو زميله أو صاحبه لماذا؟ لأن هناك إلى جانب الجانب الجامع المشترك وهو لإنسانية, خصائص نفسية أخرى, لي خصوصيتي.. النفسية، الأخلاقية، المزاجية، الجدلية، ولك خصائصك النفسية ومن ثم تختلف الأساليب فلا يستطيع زيد أن يقلد أسلوب عمر أبدا ولا يستطيع خالد أن يقلد أسلوب علي إن كانا في عصر واحد أو في غير عصر هذا إلى جانب أنهما يلتقيان في جانب مشترك وهو الطبيعة الإنسانية(29).
      اذا رجعنا قليلا إلى الكلام السالف الذكر عن العقيدة ولنناقش هذه الديانات بكل حرية  والتي قلنا أنها تقوم على أسس معنية وتسمى الكتاب المقدس أو الإنجيل أو الإسلام أو حتى مؤلفات ماركس وانجليز ولينين.
       قبل أن ندخل في هذا النقاش يجب أن نصحح خطأ وقع ويقع فيه الكثير من الكتاب والباحثين وهو أنهم يتناولون الدين على انه (مشكلة موضوعية) « Objective problème فهم يجمعون في سلة واحدة كل ما أطلق عليه اسم "دين" في أي مرحلة من التاريخ ثم يتأملون في ضوء هذا المحصول حقيقة الدين!!.
       إن موقفهم ينحرف من أول مرحلة(30)، فيبدوا لهم الدين جراء هذا الموقف الفاسد ـ عملا اجتماعيا، لا كشفا لحقيقة، ومن المعلوم أن لكل ما يكشف عن حقيقة من الحقائق مثلا أعلى، ولا بد عند البحث عن هذه الحقائق أن ندرس مظاهرها وتاريخها في ضوء مثله الأعلى. أما الأمور التي تأتي بها أعمال اجتماعية فليس لها مثلا أعلى، وبقاؤها رهن بحاجة المجتمع إليها.
       والدين يختلف عن ذلك كل الاختلاف، فليس من الممكن البحث عن حقائقه، كما يبحث عن تطورات فنون العمارة والنسيج والحياكة والسيارات، لان الدين علم على حقيقة يقبلها المجتمع أو يرفضها أو يقبلها في شكل ناقص(31) ويبقى الدين في جميع هذه الأحوال حقيقة واحدة في ذاتها، وإنما يختلف في أشكاله المقبولة، ولهذا لا يمكن أن نفهم حقائق الدين بمجرد فهرسة مماثلة لجميع الأشكال الموجودة باسم (الدين). وهذا رد في نفس الوقت على أولئك الذين يستدلون بالتاريخ وعلم الاجتماع لطعن في الدين.
      وبعد هذا التصويب الضروري لأي بحث فكري, نعود الى التعريف بالطريقة الثانية؛
الطريقة العقلية:

30. يونيو 2015 - 11:15

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا