انواذيبو والاستقرار الهش /عبد الفتاح ولد اعبيدن

يعاني انواذيبو ما يعاني منه ، من تحديات اجتماعية واقتصادية ، وامنية احيانا ، لكنه يعيش استقرار نسبيا ، رغم هذه المصاعب المتنوعة ، يساعد فيه جوار البحر ، الزاخر بالخيرات ، رغم كل ما يواجه هذا القطاع ، من ازمات اقلها ، استفادة الاقلية على حساب الاكثرية .

فمن يشاهد العدد المتزايد من البواخر  الرابضة بأنوارها ليلا  على شاطئ العاصمة الاقتصادية ، يظن ان لا  وجه لوجود ازمة غذاء او سيولة او نما ، في هذه المدينة الوديعة المعتدلة المناخ .
ولكن الواقع ، بحكم الانانية وغياب التعاون بين المستثمر وساكنة الولاية كرس الغبن  في اغلب قطاعات المجتمع ، بينما تجسد الغنى المضطرب في بعض  الجيوب المتناقصة ، نظرا للبذخ وتصدير الاموال للخارج .
انه من العار ان يلعب آلاف الرجال  والنساء  الكازينو ( القمار ) في لاس بلماس وغيرها ، من ريع الصيد بنواذيبو  ، وبطون الجوعى في انواذيبو نفسها ، تئن من قرص الجوع والحرمان ، بينما يعمل البعض في قطاع الصيد التقليدي  بالصبر والكد ، مع منافسة حادة من قبل المستثمرين الأجانب ، خصوصا الشركة الصينية " هونك دونج " ، التي تتمتع باتفاق مثير مدته 25 سنة ، بعد ان وافقت عليه كافة الجهات الرسمية وصادق عليه البرلمان .
هذه الشركة تحتاج الى مراجعة اتفاقها على ضوء  تقييم ميداني فعندها ستتضح الكارثة ، فقد تجاوزت ، حسب كل المصادر ما رسم لها من مجال واختصاص ، و حسب العارفين بالميدان البحري الحساس تواصل هذه الشركة جرف الثروة السمكية تقريبا ، فحتى قنفذ البحر الذي تعيش عليه كثير من الاسماك  يصطاد من قبل اصحاب هونك دونج  الصينيين بكميات قد تؤثر على أصول بعض هذه  الاسماك .
اللهم لا  تجعل لهم علينا سلطانا ، وسلمنا من طمعهم  ونهمهم  للكسب والتربح على حساب هذا الوطني المسكين المغدور ، داخليا وخارجيا .
ومن وجه آخر يساعد هذا المناخ ساكنة متزايدة  على التعايش الصعب ، مع هذه التحديات المعيشية والتسييرية  الجلية .
فمناخ انواذيبو ، تعود عليه من ولد هنا ، وان رغب في التبدل عنه مؤقتا ، فقد يصعب عليه القبول بسواه بسهولة ، وبعض الوافدين سحرهم فقيدهم ، رغم كثير من النواقص والمشاكل الأخرى .
وعلى الصعيد الرسمي تعيش ولاية  دخلت انواذيبو  تقاسم صلاحيات ، بين الوالي  ورئيس المنطقة الحرة الجديدة ، ولكن شهادات بعض المواطنين  تختلف في هذا الصدد .
فالمنطقة الحرة مازالت تحتاج الى وقت  أكثر  لإقناع أهل انواذيبو  بجدوائيتها ، ووالي انواذيبو  محمد فال ولد احمد يور ، الذي عايش الساكنة المتنوعة منذ سنوات عدة ، وتجاوز بجهد وصعوبة  مرحلة تخطيط أحياء الصفيح ( الترحيل ) في العاصمة الاقتصادية ، إلا أنه اكتسب خبرة في التعامل مع الناس عموما ، وساكنة انواذيبو خصوصا .
فهو يقول بالحرف الواحد : " أهل موريتان لا يقبلون سوء المعاملة  ومن أهم  طرق التعامل معهم الاحترام  ، سواء حلت المشاكل المعروضة أم لم تجد حلا بسرعة " ، وهو حسب شهادة المترددين  يفتح باب الولاية للجميع  ، للاستماع والبحث عن حلول .
عوامل متعددة متضافرة ، صنعت حالة الاستقرار الهش .
فخيرات البحر رغم عدم توازن منفعتها ، بحكم الأنانية وسوء التسيير وكسل البعض ، ومزايا المناخ الطبيعي ، وحرص الإدارة - رغم كل ما تعاني من مصاعب وعجز أحيانا – على الانفتاح على المواطن على الأقل الاستماع لشكواه ، كل هذا خلق جو استقرار نسبي ، يحتاج الى ترسيخ وعقلنة وتعميق ، وإلا جنحت النواحي السلبية على النواحي الإيجابية ، المحفوفة بالضعف والهشاشة وعدم العمق .
فمستوى انفتاح الاجيال الصاعدة على الإعلام ومخاطر تيار العولمة الجارف ، ابرز قطاعات من الشباب في حالات متنوعة من الهوس والضياع ، تهدد بحدوث  هزات امنية أخلاقة ، مفاجئة احيانا ، الى جانب مخاطر حي "أكرا" ، الذي ترسبت فيه –بشريا – بقايا المهاجرين السريين إلى اسبانيا و أوروبا عموما ، عبر مياه البحر ، ويرنو البعض لمدير الأمن الجهوي المعين في انواذيبو  قبل فترة وجيزة ، السفير ولد احمد الطلبة ، لمواجهة هذه التحديات الأمنية ، خصوصا أنه عمل من قبل في عدة ولايات حدودية ومتنوعة اجتماعيا ، وذات ثقل ومصاعب .
كما  أن تجارة المخدرات وتمريرها ، مازالت تجد لها بعض الفجوات ، لصعوبة  ربما مواجهة هذا النمط من التهريب ، بحكم ضعف الوسائل والتكوين اللازم لمكافحة هذه العمليات المعقدة ، وربما لأن هذه المادة على الصعيد الوطني ، والمهلكة صحيا وأخلاقيا ( المخدرات ) تجذرت وتحتاج الى برنامج اوسع واجرأ ، وبشكل خاص في انواذيبو ، عسى أن يحد من تهريبها وتمريريها  المتواصل  الى اليوم ، عن طريق هذه الحدود البرية ، والجهة البحرية ، الصعبة المراس ، بصراحة واختصار .
ولعل موريتانيا في حساب الأمم المتحدة نفسها ، بحكم طول حدودها وانتهاز بعض جهاتها الرسمية المعنية لتجارة المخدرات ، وضعف التكوين  و الوسائل ، تعتبر في تقييم المهتمين بتهريب المخدران ، من النقاط المناسبة النوعية أحيانا ، للعبور المزدوج ، بريا وبحريا بشكل خاص .
أما المنتخبون فلا تسمع لهم ركزا ، ولا دورا ذي بال ، وتلعب البلدية دورا محدودا في مكافحة القمامة يحتاج الى مضاعفة الجهد ، مع تناقص الدور البلدي في مجالات عدة ، وان احتاجت موضوعيا للتمويل ، وتعيش ولاية دخلت انواذيبو ركودا ثقافيا وسياسيا شاملا خصوصا في رمضان ، وتتحرك على استحياء مجموعات شبابية ونسوية اساسا في ساحة المجتمع المدني والعمل الخيري بوجه  خاص ومحدود ايضا .
اسنيم " جاور الماء تعطشى " سبحان الله .
ادارة اسنيم في انواذيبو ، وسكن أغلب عمال إدارتها هذه في كانصادو ، 7 كلم من قلب المدينة ، إلا أن استفادة انواذيبو من اسنيم ، الذي تقيم فيه إدارتها المركزية ، شبه المعدومة .
فالخيرية عندما تولاها المسير الحالي ، أي مدير الخيرية نفسها ، تحولت الى البنيان الشخصي في دبي ، الحي الراقي بنواذيبو ، وفي المقابل توقف بنيان المستشفى ، الممول من طرف اسنيم ، وبإشراف خيريتها  ، وتعطلت الكثير من خطط ومشاريع هذه الخيرية ، التي لا تكاد ترقى الى مستوى اسمها على الأقل .
فالخير موجود في اسنيم ، لكنها تدعي التأثر بأسعار الحديد الدولية المنخفضة ، وعاشت قبل شهرين تقريبا ، على وقع ازمة اضراب معروف ، هدد بنسفها من القواعد والاساس ، وما زالت سكتها المتهالكة تعاني من حوادث متكررة ، لتقادمها وضعف صيانتها  .
انواذيبو فعلا والاستقرار الهش الناقص  .
هناك فعلا استقرار ، خصوصا في رمضان ، لكنه اساسا من فضل الرحمن وبركات رمضانه ، شهر القرآن والصيام والقيام ، وما عدى ذلك يحتاج الى ترسيخ جاد ودراسة موضوعية مفصلة ، لمختلف التحديات ، دون ان ننسى خطورة استمرار اغلاق الطريق البري الحدودي ، في وجه دخول السيارات المستعملة ، بصورة غير مدروسة ، ولأنها كانت بإيجاز مجحفة ، ولا تطبق بشكل عادل كامل ، وإنما ....وإنما .
إذن هو استقرار محدود ضعيف ، ووجوده ساهم البعض في تكريسه ، وساهمت جهات عدة في تهديديه وإضعافه ( ابرزها شركة الصين  الاستنزافية الخطيرة  العبثية  هونك دونج وأنانية المستفيدين من البحر ، سواء كان محليين أو خارجيين ) .
فهل من متعامل جاد مخلص مع مشاكل انواذيبو الجمة ، حتى يسلخ اللحم من فوق العظم ، ويلق العظم الخاوي  في تيار البحر المتقلب ، إن لم يكسر هذا العظم  الخاوي قبل إلقائه .

3. يوليو 2015 - 11:17

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا