لقد صدمتُ كثيرا بعد سماع المقطع المتعلق بالاتصال الهاتفي الذي أعلنت من خلاله المدعوة "أميلمنين" عن تشيعها. لقد قالت هذه المتصلة التي لا تستحق أن نسميها بذلك الاسم : بأن "المذهب المالكي لا يصلح لأي شيء، ولا يوافق كتاب الله أصلا". كما تبرأت إلى الله في اتصالها المسيء
من أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة وسائر أعداء أهل بيت رسول الله. هذا فضلا عن الشهادة التي لقنها لها "شيخها"، والتي رددتها في اتصالها، وهي الشهادة التي قالت فيها، وبصريح العبارة، بأنها تشهد بأن أبا بكر و وعمر وعثمان وعائشة وحفصة في النار.
كانت المكالمة صادمة لأنها جاءت في يوم رمضاني من امرأة تدعي بأنها موريتانية، وكان أهلها قد اختاروا لها اسم "أم المؤمنين" فإذا بها تتبرأ من "أم المؤمنين"، وتشهد بأنها في النار مع خيرة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
فيا هذه أبشري بجهنم أنت وشيخك إن متما على تلك الشهادة، وابشري بأنه لن تجمعك دار بعائشة وحفصة رضي الله عنهما، وإنما ستجمعك جهنم مع "حمالة الحطب" يا "حمالة الحطب".
إنه على السلطات الموريتانية أن تجري تحقيقا سريعا وجديا لكشف وتحديد صاحبة هذا الاتصال، فإن كانت موريتانية كما زعمت، وكما يظهر من نطقها، فإنه على السلطات أن تعاقبها بما تستحق من عقاب، وذلك من قبل أن تلقى مصيرها الأخروي الذي تستحق، وبئس المصير. وإن كشفت تلك التحقيقات بأنها ليست موريتانية فإنه على السلطات أن تبشر الشعب الموريتاني بأن هذه الوقحة الحقيرة صاحبة المكالمة البغيضة ليست موريتانية كما ادعت.
المقلق في الأمر هو أن هذه الإساءة لخيار الصحابة والتي جاءت على لسان "حمالة الحطب" هذه، تتنزل ضمن سلسلة من الإساءات التي لم يسلم منها في السنوات الأخيرة أي مقدس من مقدساتنا الدينية. لقد أسيء من طرف موريتانيين إلى المذهب المالكي أكثر من مرة؛ وأسيء إلى الصحابة رضوان الله عليهم، وأسيء إلى خير البرية عليه أفضل الصلاة والسلام، وأسيء إلى المصحف الشريف، ولم تتوقف الإساءات عند هذا الحد، بل إنها وصلت إلى الإلحاد، وإلى وصف الله سبحانه وتعالى بأوصاف لم يتجرأ كفار قريش بأن يصفوه بها.
إنه علينا أن نعلم بأن التهديدات التي تهدد كيان هذه البلاد، وتهدد لحمتها، لكثيرة جدا، ونحن في هذه البلاد لسنا قطعا بحاجة إلى أن يظهر فينا مذهب جديد. فنحن نخاف من التفكك ومذهبنا واحد، فكيف سيكون حالنا إذا أصبحنا بلدا متعدد المذاهب، وفيه شيعة يسبون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
إنه لكل بلد مقدساته، ولكل بلد خطوطه الحمر، والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوزها، ولذا فإنه علينا جميعا حكومة وشعبا أن لا نقبل من أي كان أن يتجاوز تلك الخطوط الحمر. علينا أن نستنكر، ونندد، ونخرج في مسيرات سلمية للمطالبة بالتحقيق في صاحبة هذا الاتصال المسيء لديننا، فإن ثبت أنها موريتانية وجب على السلطة أن تتعقبها حتى تقبض عليها، وحتى تعاقبها بما تستحق من سوء العقاب، وإن لم تكن موريتانية، وهذا ما نتمناه، كان لنا العذر في تجاهل أمرها.
ومما يزيد الأمر خطورة هو أن هذه المسألة لا تتعلق فقط بصاحبة الاتصال، وإنما تتعلق بموريتانيين كثر رحبوا علنا، وعبر صفحاتهم الشخصية بهذا الاتصال المسيء، وإن كان بعضهم قد تحفظ، وبشكل فاتر، على القول بأن أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعائشة، وحفصة عليهم رضوان الله في النار.
فأن يقال بأن المذهب المالكي لا يصلح لأي شيء، وأن يقال بأنه لا يوافق أصلا كتاب الله، فإن مثل ذلك القول لا يستحق الاستنكار الخجول من أولئك، وإنما على العكس من ذلك، فإن صاحبة ذلك القول تستحق حسب وجهة نظر أولئك أن توشح بأعلى الأوسمة على شجاعتها، وعلى جرأتها على التعبير عن رأيها.
الغريب في الأمر أن أولئك الذين رحبوا بمكالمة "حمالة الحطب" كانوا قد أقاموا الدنيا ولم يقعدوها عندما قال البعض بأن "تشافيز" ذاهب بعد موته إلى النار، فيومها صاحوا وصرخوا وأزبدوا وردوا على من قال بأن "تشافيز" في النار بالقول : من أعطاك الحق بأن تحدد مصير الخلائق، ومن أعطاك الحق بأن تمنح لهذا مقعدا في الجنة، ولذلك مقعدا في النار؟
لقد غضب أولئك غضبا شديدا لم يغضبوه من قبل عندما منح بعض الموريتانيين لتشافيز مقعدا في النار، و لكنهم في المقابل لم يغضبوا، ولم ينددوا، ولم يستنكروا لما منحت "حمالة الحطب" خمسة مقاعد في النار لخمسة من خيرة صحابة رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام.
لقد عرفنا أولئك وهم يسارعون إلى الاستدلال بالحديث المتفق عليه : " أيما رجل قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما." كلما كفر مسلم من هذه البلاد أي واحد من المليارات السبعة التي تسكن في هذا العالم، حتى وإن كان ذلك الشخص الذي تم تكفيره قد نطق كفرا. ولكن الغريب أن أولئك لا يقبلون بأن يورد هذا الحديث في "حمالة الحطب" التي كانت قد كفرت الصديق والفاروق وذي النورين واثنتين من أمهات المؤمنين هما : عائشة وحفصة.
لقد عودنا أولئك على أن يطلبوا منا أن نحسن الظن بمن كان قد وضع نفسه في الشبهات، وذلك في الوقت الذي عودونا فيه على إساءة الظن بمن كنا قد عرفناهم في أماكن ومواقف تبعث على حسن الظن. فبأي منطق يُطلب منا أن نحسن الظن بصاحب المقال المسيء، وبصاحب الصفحة المسيئة، وبحمالة الحطب وذلك في وقت يراد لنا فيه أن نسيء الظن بمن هو أهل لأن نحسن به الظن كالعلماء والدعاة.
لقد دافع الكثير من "المنظمات الحقوقية" ومن "الناشطين الحقوقيين" و"الناشطات الحقوقيات" عن "ولد أمخيطير" و"ولد عبد العزيز"، وذلك في وقت كان فيه جميع أولئك قد بخل ببيان تنديد من سطر أو سطرين بمناسبة المجزرة التي ارتكبها جنود ماليون في التاسع من سبتمبر من العام 2012، والتي راح ضحيتها عدد من الدعاة الموريتانيين.
لم يستنكر أولئك تلك المجزرة، بل إن بعضهم لم يستطع أن يخفي تشفيه، ولا أن يخفي فرحه بتلك المجزرة البشعة، وذلك رغم أن منظمة "هيومن رايتس ووتش" كانت قد دانت وبشدة تلك المجزرة البشعة.
غريب أمر أولئك الذين عودونا على يحسنوا الظن بكل من وضع نفسه في الشبهات، وذلك في وقت عودونا فيه على أن يسيؤوا الظن بكل من وضع نفسه في مواقف جديرة بأن يحسن الظن بصاحبها.
غريب أمر أولئك الذين عودونا على أن تظهر إنسانيتهم وتعاطفهم اللامشروط مع كل من يسيء لهذا الدين، وذلك في وقت كانوا قد عودونا فيه على أن يتصرفوا، وكأنه لم تعد في قلوبهم ذرة رحمة عندما يتعلق الأمر بقتل مسلمين أبرياء لم نعرف عنهم أنهم ظلموا أحدا.
غريب أمر أولئك الذين يغضبون غضبا شديدا عندما يُقال بأن "تشافيز" قد ذهب إلى النار، ولكنهم مع ذلك لا تتمعر وجوههم ولو لحظة واحدة عندما يُقال بأن أبا بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة في النار.
حقا، إن أمركم لغريب..
تقبل الله صيامنا وصيامكم وقيامنا وقيامكم...
حفظ الله موريتانيا.