الطريقة العقلية:
وتعرف بأنها منهج معين للبحث يسلك للوصول إلى معرفة حقيقة الشيء الذي يبحث عنه، عن طريق نقل الحس بالواقع، بواسطة الحواس، إلى الدماغ، ووجود معلومات سابقة يفسر بواسطتها الواقع، فيصدر حكمه عليه وهذا الحكم هو الفكر، أو الإدراك العقلي. وتكون في بحث المواد المحسوسة كالكيمياء والفيزياء، وفي بحث الأفكار كبحث العقائد والتشريع،
وفي فهم الكلام، كبحث الأدب والفقه. وهذه الطريقة هي الطريقة الطبيعية في الوصول الإدراك العقلي من حيث هو، وعمليتُها هي التي يتكون بها عقل الأشياء أي إدراكها، وهي نفسها تعريف للعقل، وعلى منهجها يصل الإنسان من حيث هو إنسان إلى إدراك أي شيء، سبق أن أدركه أو يريد أن يدركه والنتيجة التي يصل إليها الباحثُ على الطريقة العقلية ينظر فيها, فان كانت هذه النتيجة هي الحكم على وجود الشيء فهي قطعية لا يمكن أن يتسرب الخطأ إليها مطلقا ولا مجال من الأحوال. وذلك لأن هذا الحكم جاء عن طريق الإحساس بالواقع، والحس لا يمكن أن يخطئ بوجود الواقع، إذ أن إحساس الحواس بوجود الواقع قطعي، فالحكم الذي يصدره العقل عن وجود الواقع في هذه الطريقة قطعي.
أما إن كانت النتيجة هي الحكم على حقيقة الشيء أو صفته فإنها تكون نتيجة ظنية فيها قابلية الخطأ لأن هذا الحكم جاء عن طريق المعلومات, أو تحليلات الواقع المحسوس مع المعلومات، وهذه يمكن أن يتسرب إليها الخطأ ولكن تبقى فكرا صائبا حتى يتبين خطؤها. وحينئذ فقط, يحكم عليها بالخطأ ولهذا فان الأفكار التي يتوصلُ اليها العقل بطريقة التفكير العقلية ان كانت مما يتعلق بوجود الشيء, كالعقائد, مثلا وجود الله, والقرآن الكريم من عند الله, ومحمد رسول الله الخ...فانها أفكار قطعية.
وان كانت مما يتعلق بالحكم علي الشيء وصفته كالأحكام الشرعية فإنها أفكارظنية, أي غَلبَ على الظن أن الشيء الفلاني حكمه كذا, وهذا الحادث المعين حكمه كذا, فهي صواب يحتمل الخطأ ولكنه يبقى صوابا حتى يتبين خطؤه. والطريقة العقلية لا بد لها من توفر أربعة عوامل هي:
1)- الواقع 2)- الإحساس 3)- الدماغ 4)- معلومات سابقة.
وسنعرض لكل هذه العوامل بشيء من التفاصيل.
فمثلا: لو سئلت عزيزي القارئ عن معنى كلمة (وضيمة) لوقفت متحيرا مرتبكا بماذا تجيب؟ وقلت أخير لا ادري، مع أن كلمة وضيمة هي الواقع الذي وقع تحت طائلة سمعك وسُميتٌ واقعا لأنها وقَعتٌ عليها إحدى الحواس الخمس وكل شيء يقع تحت طائلة احدى الحواس الخمس يسمى واقعا، وكلمة وضيمة التي هي الواقعُ وقعت تحت السمع ُنقلتٌ فورا بواسطة السمع إلى الدماغ فانطبعتٌ فيه ومُيزتٌ عنٌ سواهَا من الانطباعات، نتيجة لهذه العملية التي جمعت العوامل السابقة وهي:
1_ الواقع: الذي هو كلمة "وضيمة"
2_ الإحساس بالواقع: ألا وهو السمع
3_الدماغ الذي يميزُ الانطباعات.
وتكون العملية الفكرية قد احتاحت إلى العامل الرابع ألا وهو المعلومات السابقة. لذلك لم يتوفر عند صاحبها حكم واضح على الواقع ـ أي: عن معنى كلمة وضيمة.
(ونفس الشيء يطلق على الكلام الذي لا تتوفر عنه معلومات سابقة) مع انك أيها القارئ لو سئلت عن معنى كلمة "وليمة" لأجبت على الفور: دعوة إلى الطعام، لماذا أجبت بهذه السرعة؟ لأنه متوفر لديك العوامل الأربعة، ألا وهي:
1_الواقع: معنى وليمة
2_ الإحساس: الذي نقل هذا الواقع إلى الدماغ.
3_ الدماغ: الذي ميز انطباع هذا الواقع
4_ المعلومات السابقة: التي رُبطتٌ بالعوامل الثلاثة, ونتيجة لهذه العملية الفكرية كان الحكم على الواقع واضحا، وكذلك عندما يقال لك أن كلمة وضيمة تعني: دعوة إلى الطعام في حالة الأتراح (الأحزان) ووليمة تعني دعوة إلى الطعام في حالة الأفراح.
والسؤال الذي يطرح نفسه ما هي هذه المعلومات السابقة؟ وما هو مقياسها؟ وما هو الدليل على صحتها؟
والجواب يكمن في: ان الفكر مؤلف من أربعة عوامل منها عاملان من تكوين الإنسان هما الحواس الخمسة أولا، والدماغ ثانيا. وعاملان خارجان عن تكوينه هما حقيقة الواقع، أولا ، وحالته واسمه، ثانيا.
فبالإمكان نقل معلومات مشوهة وملفقة عن حالة الواقع واسمه كما بينا آنفا في حالة جمع الأديان في سلة واحدة. وكمثل أن يقال لك: إن المطار ضرب فتذهب لتتأكد فترى أن المطار مازال سليما. فإن حقيقة الواقع الموجود نفت التشويه والتلفيق والتضليل، فمقياس المعلومات السابقة والدليل على صحتها أو كذبها يكون حقيقة الواقع الموجود.
وبناء على هذا يكون ما تعني هذه اللفظة، وما طعم هذه الفاكهة، وما ينفع أو يضر هذا المركب، وما اسم هذا الشيء، هذه هي المعلومات السابقة التي تعطى مسبقا للإنسان ليربطها، فالعبرة ليست بإعطائها فقط بل العبرة بإعطائها وربطها معا لإنتاج الفكر، لان التدريب على الربط منذ الصغر هو الذي يربط العوامل الأربعة التي هي الواقع، والإحساس بالواقع، والدماغ المميز، والمعلومات السابقة، فيوجد الفكر أي الحكم على الواقع، إلا أن هذه المعلومات إذا كانت صحيحة كان الحكم على الواقع صحيحا وان كانت كاذبة كان الحكم كاذبا والمقياس على ذلك هو حقيقة الواقع الموجود.
الطريقة العلمية … يتواصل,,,