الملاحدة الجدد بين الجهل والضياع الحهل والضياع (13) / المرابط ولد محمد لخديم

من هنا نجد أن الأفكار المنشأة جديدا هي الأفكار التي أخذها العقل رأسا، كمعرفة وجود الله مثلا: ومعرفة أن التفكير بالقوم أعلى من التفكير الشخصي بذات الشخص، وان الخشب يحترق، وان الزيت يطفو على وجه الماء، كل ذلك أفكار أخذها العقل مباشرة

 وهذا بخلاف الأفكار غير المنشأ إنشاء جديدا، وهي الأفكار المستنتجة على الطريقة العلمية فإنها لم يأخذها العقل رأسا. وإنما أخذها من عدة أفكار أخذها العقل سابقا إلى جانب التجارب. 
كمعرفة أن الماء مكون من أوكسجين وإيدروجين، ومعرفة أن الذرة تنقسم، ومعرفة أن المادة تفنى، هذه الأفكار لم يأخذها العقل رأسا ولم تنشأ إنشاءا جديدا، وإنما أخذت من أفكار سبق للعقل أن أخذها، ثم أجريت التجارب إلى جانب هذه الأفكار، ثم جرى استنتاج الفكر، فهو ليس إنشاء جديدا بل هو مستنتج من أفكار موجودة وتجربة، لذلك لا تعتبر إنشاء جديدا، بل تعتبر أفكار مأخوذة من أفكار وتجربة. فالطريقة العلمية تستنبط فكرا كما أسلفنا ولكنها لا تستطيع إنشاء فكر.
والأدلة على ذالك:
      ولذلك كان من الطبيعي، ومن المحتم، أن لا تكون أساسا للتفكير، (إلا أن أوروبا وأمريكا، وروسيا، قد بلغت عندهم الثقة بالطريقة العلمية إلى حد التقديس أو ما يقرب من التقديس لاسيما في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، إلى حد أنهم أصبحوا منحرفي التفكير ضالين عن الصراط المستقيم بجعلهم طريقة التفكير الطريقة العلمية وجعلها وحدها أساسا للتفكير، والحكم بها وحدها في جميع الأشياء.
      فلو سلك علماء الغرب الطريقة العقلية لنقل الإحساس بالإنسان وأفعاله، وفسروا هذا الواقع أو هذا الإحساس بالواقع بالمعلومات السابقة لاهتدوا إلى حقيقة هذا الواقع.
      ولكن سلوكهم الطريقة العلمية، واعتبارهم أن الإنسان كالمادة، وظنهم أن ملاحظة أفعال الإنسان هي كملاحظة المادة، ضللهم ذلك عن الحقيقة وخرجوا بهذه النتائج الخاطئة في الغرائز، وفي غيرها من أبحاث علم النفس، وعلم الاجتماع، وعلوم التربية، فإنها كلها ليست من العلوم، وهي في جملتها خطأ في خطأ، فهذه الأخطاء التي حصلت في أوروبا وأمريكا وروسيا، أي لدى علماء النفس وعلماء الاجتماع وعلماء التربية، هي نتيجة إتباعهم الطريقة العلمية وتطبيقها على جميع الأبحاث(37).
       وهذا هو الذي أوقعهم في الخطأ والضلال. وهذا ما سوقوه للعالم العربي والإسلامي بما يسمى بالمخطط (الإصلاحي)، الذي يشترط على العرب والمسلمين لقيام أي نهضة علمية، تطور الطريقة التي يتم بها فهم الدين والعقيدة الإسلامية بشكل يتفق مع الفكر العلمي المقبول، وهو حسب رأي الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي (38) يعني ضرورة تخليص الفكر الديني من كل حقيقة غيبية غير مفهومة أو داخلة فى قوالب العلم الحديث ولقد اعتمد أصحاب هذا المنهج على نقطة الضعف التي كانت الأمة العربية والإسلامية تستشعرها إذ ذاك حيال النهضة العلمية في أوروبا، والاكتشافات والاختراعات المختلفة التي قامت في أنحائها بفضل الانطلاقة العلمية التي لم تكن من قبل. ولا بأس أن نعرض لبعض أقوال هؤلاء فمثلا: يقول فرح أنطوان منشئ مجلة (الجامعة المصرية، ومناظر الشيخ محمد عبده شيخ الأزهر ” إن العلم يجب أن يوضع في دائرة العقل لان قواعده مبينة على المشاهدة والتجربة والامتحان، وأما الدين فيجب أن يوضع في دائرة القلب، لأن قواعده مبينة على التسليم بما ورد في الكتب المقدسة من غير فحص في أصولها) ويضيف:
     " إن وصول البشر إلى محجة الكمال لا يكون إلا بوضع الدين جانبا(39) ويقول فريد وجدي في عدة مقالات بعنوان (السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة) ما نصه:
      ” وقد لاحظ قراؤنا أننا نحرص فيما نكتب في هذه السيرة على أن لا نسرف في كل ناحية إلا ناحية الإعجاز، ما دام يمكن تعليلها بالأسباب العادية حتى ولو بشيء من التكلف" (40)
       ويقول حسين هيكل في كتابه حياة محمد (41) إنني لا آخذ بما سجلته كتب السيرة والحديث لأننى فضلت أن أجري في هذا البحث على الطريقة العلمية (42).
        ونختم هذه الفقرة بالموقف التالي لجماعة من علماء المسلمين أعلنت قبولها لنظرية النشوء والارتقاء لأن علماء الغرب أعلنوا اقتناعهم الكامل بصدقها، بعد دراستهم ومشاهدتهم..وكيف أنهم اضطروا بعد هذا الموقف إلى تفسير جديد للإسلام في ضوء النظرية الجديدة، وحين احتاجوا إلى لباس جديد، قاموا بتفصيل ثوب الإسلام مرة أخرى، ولكنه ثوب مشوه المعالم، لا اثر فيه من روح الإسلام، التي ضاعت مع الأجزاء المقطعة في عملية التلفيق الجديدة. (43)
إذن نستنتج....يتواصل 

12. يوليو 2015 - 17:16

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا