اقيمت العلاقات الدبلوماسية الموريتانية الصينية يوم 19يوليو سنة 1965م في ظروف دولية استثنائية وبعد ذلك بشهرين قطعت بلادنا علاقتها الدبلوماسية مع تايوان والتي كانت قد اقيمت بعد استقلالنا مباشرة.
وقد لعب الرئيس السابق المختار ولد دداه رحمه الله دورا بارزا في حث الدول الافريقية التصويت لصالح استعادة الصين عضويتها في الأمم المتحدة وذلك ماتحقق سنة 1971 اثناء رئاسته للاتحاد الافريقي بعد صدور القرار الأممي رقم (2758) الذي ينص على إعادة كافة الحقوق المشروعة لجمهورية الصين الشعبية والاعتراف بممثل حكومتها باعتباره الممثل الشرعي الوحيد للصين في الأمم المتحدة وقد صوتت 26 دولة أفريقية بالموافقة على هذا القرار, وتعليقا على هذا القرار قال الزعيم الراحل ماو تسي تونغ “是非洲朋友把我们抬进联合国的” جملته الشهيرة
اي " إن أصدقائنا الأفارقة هم الذين أوصلونا إلى الأمم التحددة".
وجاء رد الجميل من الصين سريعا تمثل في مشروعين كان لهاما الفضل في تغيير وجه عاصمتنا الفتية ومدها بمقومات البقاء، هما مشروعي " إنشاء ميناء الصداقة" و "توسيع شبكة تزويد أنواكشوط بمياه الشرب" ويعتبر المشروع الاول ثاني أكبر مشروع تنفذه الصين في أفريقيا بعد سكة حديد تنزانيا, وقد شكل هذين المشروعين راس قاطرة المشاريع الصينية التي لا تخطئها العين في ارجاء بلادنا الفسيحة.
اليوم وبعد مرور 50 عاما على هذه العلاقات التاريخية بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال سنة 2013 حوالي 2.34 مليار دولار ، موزعة بين 600 مليون دولار صادرات الصين لبلادنا، و1.74 مليار دولار صادرات بلادنا للصين .
وفي المجال الصحي ومنذ سنة 1968 م توقيع إتفاقية التعاون الصحى بين البلدين وحتى الان تم إرسال 31 بعثة طبية بما مجموعه 800 طبيبا موزعون على ثلاث مستشفيات ( مستشفى أنواكشوط و كيفه وسيلبابي) من ضمنهم الفريق الوحيد الذي تم ابتعاثه خارج الصين والمتخصص في السيطرة على الأمراض والوقاية منها.
وفي المجال الثقافي شهدت سنة 1967 توقيع إتفاقية التعاون الثقافي بين البلدين ومنذ1975 م حتى 2014 م حصل 343 طالب موريتاني (غالبيتهم تعليم عالى) على منحة الحكومة الصينية للطلاب الاجانب وتلقو تكوينهم في شتى التخصصات في أرقى الجامعات الصينية ,ومنذ سنة 1987 حتى الان بعثت الصين 35 استاذا للغة الصينية لقسم اللغة الصينية في جامعة انواكشوط.
وفي السنوات الاخيرة شهدت العلاقات بين البلدين تطورا ملحوظا في عدة مجال اخرى كمجال الصيد البحري و المجال العسكري و البيطري والزراعي والاتصالات.
إن الصعود التاريخي للصين من دولة هامشية في السبعينيات القرن الماضي الي راس الاقتصاديات العالمية يعد أهم قصة نجاح لدولة في الربع الأخير من القرن العشرين, في الآونة الأخيرة وفي ظل اعلان الصين من بكين عن اقامة بنك آسيا للاستثمار في البنية التحتية براس مال ينازه 100 مليار دولار والذي سارعت الدول الاوربية على رئسها بريطانيا و فرنسا و المانيا و ايطاليا و سويسرا للانضمام اليه لتصبح من الاعضاء المؤسسين له وكذلك اعلان الرئيس الصيني شي جين بينغ سبتمبر2013عن مشروع القرن المتمثل في احياء طريق الحرير البري والبحري الذي سيربط 65 دولة حول العالم وغيرهما من المؤشرات التي تدل على سعي الصين للتحكم في التجارة العالمية ونمو وتطور الاقتصاد العالمي وتأمين مصادر الطاقة لها دليل على بداية تغير مراكز النفوذ العالمية وما سيصاحب ذلك من تغيير في التحالفات الدولية والمناطق الاستراتيجية.
وفي ظل هذا الزخم كله يكثر الحديث عن زيارة مرتقبة لفخامة رئيس الجمهورية لصين ربما تعد تاسع زيارة يقوم بها رئيس موريتاني لصين , حيث زارها المختار ولد داداه 3مرات (1967 -1974 -1977) ومحمد خونه ولد هيداله مرة واحدة (1980 ) ومعاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع مرتين (1986 -1993 ) واعل ولد محمد فال مرة واحة (2006) والرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز مرة واحدة (2011), وفي المقال وحتى يومنا هذا لم يزر بلادنا أي رئيس صيني مع زرياتهم المتكررة لدول الجوار بما فيها السنغال التي أقامت علاقتها الحالية مع الصين سنة 2005.
ومهما يكن من الأمرفنحن نتهزهذه الفرصة للإدلاء ببعض المقترحات التي نعتقد انها تصب في مصلحة وخدمة بلادنا العزيزة
1-السعي الى ربط بلادنا من خلال منطقة انواذيبو الحرة بمشروع القرن الصيني (الحزام الاقتصادى لطريق الحرير) لتكون بوابة افريقيا جنوب الصحراء على هذا المشروع الضخم مما سيعزز دور بلادنا كهمزة وصل بين دول المنطقة, والذي بالنسبة للدول الافريقية تؤكد حتى الان ربط كل من مصر وكينيا به.
2- تعميق العلاقات السياحية بين البلدين والاستفادة من السياح الصينيين الذين وصل عددهم سنة 2014 الى 109 مليون سائح خارج الصين .
3- السعى الى تعزيز التعاون الاستثماري بين البلدين,من خلال جلب بعض المصانع الصينية التي تبحث عن موطئ قدم لها في اسواق المنطقة وتوطينها محليا ,وكذلك استيراد المصانع الجاهزة في مجال المشروعات الصغير التي يمكن استخدامها في محاربة البطالة لدى شبابنا.
4-تطوير العلاقات في مجال التكوين المهني والتقني الذي حققت المدارس الفنية الصينية فيه سبقا دوليا لم تحققه جامعاتها الاكادمية على المستوى العالمي.
5- تفعيل دور اللجنة المشتركة الموريتانية الصينية التي أنشئت سنة 1984م و التي حتى الان لم تجتمع الى مرتين ( 1988و2011).
6- زيادة التنسيق الحكومي حول مراقبة المشاريع التي تنفذها الشركات الصينية في بلادنا خاصة المشاريع ذات التمويل الصيني والتي غالبا ما يتم تنفيذها بشروط ومواصفات هندسية وفنية مخالفة للالتزامات التعاقدية مما ينعكس سلبا على جودتها.
7- حث الشركات الصينية العاملة في بلادنا على اكتتاب الكوادر الوطنية الإدارية مما سيخلق مشاركة وطنية في ادارة هذه المشاريع واجبارها ايضا على اكتتاب العمالة وطنية بدل جلب العمالة من الدول المجاورة.
8- القضاء نهائيا على منافسة الصينيين وغيرهم من الأجانب للمواطنين في مجال المهن غير المصنفة و المنشآت الصغيرة المدرة للدخل والتي هي مصدر رزق لكثير من المواطنين البسطاء.
صحيح انه من الصعب نقل تجربة الصين حرفيا الي بلادنا بحكم اختلاف الظروف لكن الاستفادة من تجاربها وخبرتها والتي من أهمها الشجاعة في الاعتراف و مواجهة الحقائق مهما كانت صعبة أو قاسية فهذه المواجهة هي الخطوة الأولي نحو قطار التنمية الصيني فائق السرعة .