في كل سنة تجد عشرات الآلاف من الشباب يتقدمون بملفاتهم للباكلوريا دون أي جدوى، فهل يرجع هذا الإخفاق عليهم وحدهم، أم هو منبثق ومتولد من عدة توجيهات اجتماعية فاسدة، أو تراكمات منهجية وعلمية خاطئة، أم أنها سياسة مقصودة من طرف الدولة لتجفيف منابع الشهادات
والتجهيل خوفا من زيادة البطالة؟ كما فسرته تسريبات الباكلوريا، لكن ألا يتناقض ذلك مع شعار سنة التعليم!! إن التعليم كغيره يحتاج إلى سنوات..!
علينا أن نكون صرحاء ونصحاء لأنفسنا وللمجتمع وللدولة، فلابد لمن تأخذه الغيرة على هذا الوطن، ولمن يتراءى له هذا الكم الهائل من الشباب أن يتساءل عن مصيره؟ فهذه الجذوة، وهذه القدرات والطاقات التي يجب أن تبنى الدولة وتحملها على سواعدها، إذا لم ننتشلها ونتعاون معها ستصبح بدون شك معاول للهدم والإحباط، وستسري في نفوسها أفكار الانحلال والتهور والأفكار الخاطئة والهدامة، وستكون منبعا للإلحاد والتطرف، ووكرا للرذيلة والجريمة.
وحق لنا أن نتساءل عن مصيرها! فما من دولة من دول العالم اليوم، وصلت لهذا المستوى من التدني في مستويات الطلبة؟ ولا يمكن أن يبرر ذلك بتحمل الطلبة وحدهم همّ التحصيل والطلب، فطلبتنا من أذكى الطلبة في العالم، والعملية التربوية عملية شاملة، تبدأ من البيت وتنتهي بالمدرسة، ونحن إذ نحمّل الأسرة والمجتمع جزءا من ذلك، بعدم إعطاء الحرية للطالب في التوجه للتخصص الذي يميل إليه لكي يبدع وينجح، ففي الآونة الأخيرة نظرا للحاجة للتخصصات العلمية والفنية، أصبحت ميولات الشباب للتخصصات العلمية بدافع سوق العمل أمر قد يجعل الوالدين يوجهان الطالب توجيها خاطئا، فالإكراه التوجيهي للطالب سبب من أسباب الفشل، فعليكم أيها الآباء أن تكتشفوا أبنائكم، وأن تعلموا أن كل التخصصات مطلوبة، فالعلم هو الحياة.
وهذا السبب نفسه تسعى الدولة إلى تطبيقه بإكراه كذلك، لا يتناسب والوضعية التربوية المتدرجة والمنهجية، فنراها تسوق الطالب إلى التخصصات العلمية بسلوك غير منهجي وعلمي متدرج انطلاقا من المنهج، ما جعل البعض يقول أنها لا تشجع التخصصات الأدبية والإنسانية، وربما لا تسمح للكثيرين ممن توجهوا هذا التوجه بالنجاح والمرور، متخذين سياسة التقشف في التعليم، نظرا لعدم وجود جامعات تسمح باستيعاب كل هذه الأجيال، فادعوا أن هذه التخصصات لا تفيد في التنمية، وهذا فعلا ما صرح به الرئيس نفسه في طلعات إعلامية سابقة.
إن منظمات المجتمع الدولي اليوم تكاد تجمع أن سبب فشل الدول، وسبب تأخرها هو في تأخر تعليمها، وعدم الاستفادة من قدرات أفرادها المتعلمة، وعدم الاستثمار في هذه التنمية البشرية يؤدى دائما إلى قطع الحبل السري للدولة، وتفشي الجهل والتناحر والتخالف والتنازع والفرقة والتشتت في جسد هذه الدولة، ونحن إذ نرفع شعار الوحدة الوطنية لكن للأسف بدون تعليم، وبدون تشاور وبدون تنمية، وبدون الاستفادة من الشباب، فما هو مستقبلنا برأيكم؟
إن كل السياسات والاستراتيجيات اليوم تضع نصب عينها شريحة الشباب بصفته استشرافا لمستقبل أمة، لكن لن يكون المستقبل إلا إفرازات لواقعنا المشاهد! وإن معاهد التكوين المهني اليوم، والورشات والمشاريع الصغيرة التي يدعم بها بعض الشباب العاطل، وتحاول أن تمتص ما خرج منه عن جادة التعليم لن تكفي لأنها بمثابة أنصاف الحلول ولا حلول، وهي بمثابة لعبة نضعها بين يدي الطفل ليتوقف عن البكاء، وهي بمثابة الترميم وليس إعادة البناء، فهي سياسات العلاج وليس الوقاية، مثل سياسات دكاكين أمل، وهذه السياسات هي مثل سياسة سيارات الإسعاف، تنتظر حتى يشتعل الحريق ثم تهرع إليه لتطفئه، علينا أن نوجد سياسات صلبة تنطلق من الإرادة الجماعية، والمواطنة الصادقة، والإيمان القوي بخدمة هذا الشعب، وتنمية هذه الدولة التي تمر في عقدها السادس، ولن يكون ذلك إلا بالحلول الجذرية لمشكلة البطالة، ثم إيجاد منهج تعليمي قوي، وخلق مؤسسات رقابة خارجة عن التعليم ذات استقلالية خاصة، من أجل رفع تقارير عن المشاكل المطروحة، ثم المشاورة مع الاختصاصين لحلها، وتبنّى مشاريع تنموية تدفع بعجلة الاقتصاد، وتجعل الجميع من هؤلاء الشباب ينهض ويشارك في بناء دولته، دون أن يعيش في دولة مختطفة، وفي عزلة أو غربة داخل وطنه، ودون أي بصيص أمل للتطور، فتمضى السنين وهو بين ظهراني مجتمع أشبه ما يكون بأحياء اللاجئين نظرا لفقره وجهله، وامتصاص السلطة لما تبقى من رحيقه بالضرائب والأتاوات، ومشاركتها القطاع الخاص والتجارات، بدعوى أنها تدفع أجور العمال، فهل نحن نعمل من أجل أن نعيش، ونعيش من أجل أن نعمل؟ مع عدم وجود أي تنمية ولا بنية تحتية حتى لعاصمة البلد، كفى كذبا على العقول.