يُعتبر موقع " ويكيلكس" الإلكتروني، لمؤسسه "جوليان أسانج" أشهر موقع لنشر الوثائق السرية، ورغم أن الكل لا يريد الاعتراف علنا بصحة ما ينشره الموقع، إلا أن الجميع يدركون أن وثائق " ويكلكس" هي نُسخ طبق الأصل، ولا مجال للتشكيك في مصداقيتها، من هنا لم تعد الدول تتجاهل
ما ينشره هذا الموقع المُزعج.
بالنسبة لموريتانيا جاء الدور عليها، وتم نشر آلاف الوثائق عنها خلال الأسابيع الماضية، لكن الوثائق الأكثر أهمية، وحساسية هي تلك التي تحدثت عن مساع قامت بها أطراف في المعارضة لاغتيال رئيس البلاد محمد ولد عبد العزيز، وهذه المعلومة تجعل الجميع في حرج شديد، إما أن يُصدقوها – كباقي منشورات "ويكيلكس"- وإما أن يُكذبوها، وبذلك يكونون قد آمنوا ببعض ويكيلكس، وكفروا ببعض، وتبرز ثلاثة أسئلة مهمة، تبدو الإجابة عنها مدخلا لفهم حقيقة هذه القضية الشائكة.
السؤال الأول: ما الأطراف، والشخصيات التي شاركت في محاولة اغتيال ولد عبد العزيز – إن ثبتت- ؟ وهو سؤال سيترتب على إجابته الكثير، لأنه يشكل سابقة خطيرة في تاريخ البلد، أن تسعى جهات معارضة لاستخدام أسلوب الاغتيالات في موريتانيا، فرغم أن جميع رؤساء البلاد جاؤوا بانقلاب عسكري، أو ذهبوا عن طريقه، وتمت عدة محاولات انقلابية فاشلة، إلا أن قادة تلك الانقلابات – الفاشلة، والناجحة- مازالوا أحياء يرزقون، ولم يتعرضوا للاغتيال، فأنظمة الحكم في موريتانيا كانت تحرص على أن يظل خلافها مع معارضيها ضمن إطار السلمية، باستثناء حالات قليلة يوجد من
يُشكك بها، وإذا ما ثبت أن معارضين لولد عبد العزيز سعوا لاغتياله، فسيكون النظام في موقع ردة الفعل، وتكون المعارضة هي من بدأت بالفعل.
السؤال الثاني الهام هو: هل أبلغت السفارة الأمريكية حينها ولد عبد العزيز بمساعي مُعارضيه لاغتياله، وكانت كل تحركاتهم تحت المُراقبة؟؟ لأن هذا السؤال يترتب على إجابته معرفة موقف الولايات المتحدة من هذه الخُطوة، هل أيدتها، أم عارضتها، أم خافت من عواقبها، وتجاهلتها؟؟
الواضح – حتى الآن على الأقل- أن أمريكا لم تسع للتخلص من ولد عبد العزيز بهذه الطريقة، وقد لا يكون الأمر حُبا في الرجل، المُنقلب على رئيس منتخب حينها، بقدر ما هو انعدام البديل الموثوق في المعارضة، وربما كان ولد عبد العزيز أفضل الخيارات السيئة بالنسبة للولايات المتحدة في ذلك الوقت.
السؤال الثالث الهام: ماذا بعد كشف هذه الوثائق، هل سيأخذها ولد عبد العزيز حاليا على محمل الجد، أم سيعتبرها جريمة سقطت ب"التقادُم" ؟ من المعروف أن القضايا ذات البُعد الأمني الخطير لا يتم تجاهلها من الأنظمة، بل يسعى الرؤساء لمعرفة حقيقتها، على الأقل للاستفادة منها في المُستقبل، وعليه فمن المُرجح أن يتبين ولد عبد العزيز حقيقة ما نُشر عن محاولة اغتياله، وقد بدأ الحزب الحاكم من الآن إشارات في هذا الاتجاه، فهذه الحادثة – إن ثبتت- ستكون فرصة ثمينة للنظام للرد المناسب على المعارضة بشأن فضيحة تسجيلات أكرا، فإذا كانت تلك فضيحة خطيرة، فإن
التنسيق مع جهات أجنبية لاغتيال رئيس البلاد هو بلا شك " خيانة عُظمى" ويضع المُعارضة في موقف لا تُحسد عليه.
أما إذا أراد ولد عبد العزيز مُعاقبة من وردت أسماؤهم في هذه المحاولة المزعومة لاغتياله، فتلك قصة أخرى سيكون لها ما بعدها، وربما يتم توريط جهات عديدة، وخيار الانتقام هذا يبدو مُستبعدا من ولد عبد العزيز، الذي قد يُحاول استغلال هذه القضية سياسيا لتحقيق أكبر تعاطف شعبي، بعد أن تجاوز مرحلة الخطر، وباتت أوراق معارضيه مكشوف بالنسبة له.
وتبقى الأنظار متجهة صوب قوى المعارضة في موريتانيا بشكل عام.. هل ستُدين هذه المحاولة المزعومة؟ أم تتجاهلها حفاظا على وحدة الصف المُعارض؟ وهل ستبادر الشخصيات، والأحزاب التي وردت أسماؤها في "ويكيلكس" للتملص من هذه الأخبار، ونفيها جملة وتفصيلا، أم ستلوذ هي الأخرى بالصمت، في انتظار معرفة ردة فعل النظام؟
أسئلة، وهواجس على قدر كبير من الأهمية، وتبقى الأسابيع القادمة كفيلة بالإجابة عنها، في بلد يُعرف عنه أن " الشائعة" تفعل فعلها، أحرى بالمعلومات الواردة في وثائق دبلوماسية رسمية، وتبقى الملاحظة الأبرز، والمفارقة الغريبة هي أن وثائق " ويكيلكس" تكون عادة مزعجة للأنظمة، وربما تكون موريتانيا أول بلد يكون فيه " ويكيلكس" مزعجا للمعارضة أكثر من النظام.