يختلف مفهوم العمل الخيري في تجارب المجتمعات بتباين الخلفيات التاريخية والأعراف الخاصة بكل مجتمع ، وفي الحالة الموريتانية ترتبط أعمال الخير في المجتمع التقليدي بمكارم الأخلاق والالتزام بمقاصد الشرع مع انعدام الفوارق بين مختلف الفئات نتيجة لمحورية التكافل الاجتماعي
وطبيعة الحياة البدوية. إلا أن الهجرة من الريف إلى المدينة أكسبت العمل الخيري أبعادا جديدة في ظل التحديات التي فرضتها التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدها المجتمع الموريتاني.
لقد مثلت شحنات القمح الامريكي (لحميره) في سنوات الجفاف البدايات الأولى لكسر حاجز التعفف لدى هذا المواطن البدوي المتشبع بقيم الأنفة والمتمرس على شغف العيش وخشونة الصحراء . ومع انتشار الفساد الاداري والمالي في الدولة وغياب العدالة الاجتماعية برزت اختلالات كبيرة في النسق الاجتماعي واتسعت الفوارق وبالتالي أصبحت مسألة العمل الخيري ملحة للتقليل من درجة الاستبعاد الاجتماعي وحدة التفاوتات الاجتماعية . ويبدو أن الدولة الموريتانية غضت الطرف عن مختلف الفاعلين في هذا المجال :وورلد فيزيون وكاريتاس وغيرهما من المنظمات الخيرية المشهورة بالتنصير تنشطان في تقديم بعض الخدمات للفئات السكانية الأكثر هشاشة..برزت في العقدين الأخيرين ظاهرة المنظمات غير الحكومية التي انتشرت بكثرة ..تدفقت أموال الخليج ...في نفس الوقت تتسع الهوة بين الأغنياء والفقراء لذلك انعدمت الثقة لدى المواطن الموريتاني في الهيئات الخيرية وترسخت في ذهنه صورة نمطية عنها أنها مجرد أداة للتوظيف السياسي .
إن نظرية التوظيف السياسي للعمل الخيري أمريكية بامتياز فقد افتتح (ريغان) حملته الانتخابية عام 1981 بكلمته الشهيرة (أن الحكومة ليست مسؤولة عن حل المشكلات التي تواجه الناس وبالتالي يقع على عاتق العمل الخيري الدور الأكبر في ذلك) وتم استدعاء المفهوم مرة أخرى في حملات بوش الأب.
أما في موريتانيا فإن التوظيف السياسي للعمل الخيري ميزة انفرد بها التيار الاسلامي في البداية الذي استطاع تدبير كم هائل من الموارد المالية مكنه من خلق قاعدة شعبية ترتبط بشبكة مصالح معقدة ومشفرة محاولا خلق بنيات تعليمية وصحية وهيئات مجتمع مدني لتثبيت ولاءاته وتوسيع دائرة نشاطاته في الأرياف فاجتلب مصطلح السقاية في مناسبات الامتحانات وفي توفير صهاريج المياه لبعض المدن والأحياء.
ومن التيارات السياسية الأخرى ابتكر الحزب الحاكم أساليب جديدة في هذا المجال كدروس لتقوية طلاب الباكلوريا وإفطارات جماعية في شهر رمضان المنصرم مع سكان الأحياء الشعبية ممثلا برئيسه ولد محم الحقوقي المخضرم الذي قال في أحد الأمسيات الرمضانية : ليس من العدل أن نأتي إلى الناس لنطلب أصواتهم بقدر ما يجب أن نكون معهم في قوتهم اليومي وظروفهم المعيشية.
لقد أصبح من الملح إنشاء هيئة حكومية للزكاة تنظم وتضبط العمل الخيري لنطهر الدين من دنس السياسة وكما قال أحد العلماء فإن صرف الزكاة على وجهها الشرعي سيقضي حتما على العوز والفقر المدقع.